Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العنف الزوجي في تونس... ظاهرة قديمة تزدهر

تفشت بعد التحولات الكبيرة التي شهدتها العشرية الأخيرة سواء على الصعيد الاجتماعي أو المادي والسياسي

بحسب دراسة رسمية ارتفعت الشكاوى المتعلقة بالعنف ضد المرأة في تونس منذ مطلع عام 2022 إلى نحو 796 حالة (أ ف ب)

دفع ارتفاع ظاهرة العنف الزوجي في تونس السلطات الرسمية إلى التحرك من أجل وضع استراتيجية للحد من هذا السلوك، وبحسب دراسة رسمية ارتفعت الشكاوى المتعلقة بالعنف ضد المرأة منذ مطلع عام 2022 إلى نحو 796 حالة، والفئة العمرية الأكثر استهدافاً تراوح بين 30 و39 سنة.

يشار إلى أن المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة (مؤسسة حكومية) كشف أيضاً عن أنه سجل خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ارتفاعاً بنسبة 85 في المئة بحالات العنف الزوجي، وذلك من خلال "الخط الأخضر" التابع لوزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن المخصص بهدف التبليغ عن حالات العنف.

استنفار جماعي

في هذا الصدد قالت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بلحاج موسى إن "عدد حالات العنف الزوجي في ارتفاع"، داعية عبر بيان إعلامي إلى "استنفار جماعي يشمل هياكل الدولة والمجتمع المدني ومؤسسات الإعلام للتصدي للظاهرة وتداعياتها الخطرة على المجتمع".

وأكدت بلحاج التزام وزارتها بمواصلة التصدي الاستراتيجي للعنف ضد المرأة من خلال سلسلة الإجراءات والتدابير التي تم إقرارها بهدف التعريف بالقانون رقم 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة وإنفاذ أحكامه.

وأعلنت الوزيرة قرار إحداث خط تمويل خاص بمقاومة العنف ضد المرأة في موازنة عام 2023، وأقرت أنه "على رغم الدور المهم الذي تلعبه المرأة التونسية اجتماعياً واقتصادياً، وعلى رغم المكتسبات القانونية المهمة التي تكرس حمايتها من شتى أنواع الاعتداءات، ما زالت ظاهرة العنف الأسري والزوجي تشهد ارتفاعاً ملاحظاً، بالذات في المناطق الداخلية المهمشة".

في هذا الإطار تم إنشاء أربعة مراكز إيواء للنساء ضحايا العنف، ويذكر أن عدد المراكز الخاصة بإيواء المعنفات ارتفع من مركزين فقط بطاقة استيعاب تبلغ 40 سريراً إلى سبعة مراكز بطاقة استيعاب تصل إلى قرابة 90 سريراً وباعتمادات مرصودة لعامي 2021 و2022 تقدر بـ150 ألف دولار.

نقطة تحول

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحدثت سامية وهي أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر (44 سنة) عن تجربتها مع مركز الإيواء "أروى القيروانية" بمحافظة القيروان وسط تونس، وقالت إنها اضطرت إلى التوجه نحو المركز بعد تعرضها للعنف الشديد عديد المرات من طرف زوجها.

وأضافت أنها وجدت داخل أسوار المركز الرعاية النفسية والاجتماعية، وأنه أتاح لها فرصة مهمة للإصغاء إلى مشكلاتها من طرف اختصاصية نفسية بعد ما تعرضت له من عنف، كما أشارت إلى أنها استفادت من إحدى دورات التدريب في التسويق من أجل توفير مورد رزق.

ولفتت إلى أنها بعد مغادرتها المركز أصبحت تبيع منتجاتها المتمثلة في لباس أطفال عبر صفحات التواصل الاجتماعي، مؤكدة بذلك أن تجربتها مع مركز الإيواء كانت بمثابة نقطة تحول إيجابية في حياتها.

ظاهرة قديمة تتسع

من جانبها قالت الباحثة في علم الاجتماع نعيمة الفقيه إن "ظاهرة العنف الزوجي قديمة في تونس، لكنها برزت في العشرية الأخيرة"، نظراً إلى اهتمام الدولة التونسية بهذا الموضوع.

وأوضح الفقيه في تصريح خاص "يتجلى ذلك في إصدار القانون 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يعتبر سابقة في البلدان العربية"، مضيفة "وأيضاً بسبب تحرر المرأة التونسية من قيود المجتمع وصارت أكثر اندفاعاً وشجاعة للإبلاغ عن العنف ضدها".

على صفيح من نار

لكن على رغم كل هذا تعتقد الفقيه أن "حقوق المرأة التونسية لا تزال مهضومة في المجتمع وتتعرض إلى العنف بمختلف أشكاله"، وأشارت إلى أن الظاهرة ليست ضد النساء فقط، بل لاحظت من خلال الشكاوى التي تصل إليهم تعرض الرجال للعنف أيضاً.

وعن الأسباب قالت الفقيه إن الظاهرة تفشت في المجتمع التونسي بعد التحولات الكبيرة التي شهدتها العشرية الأخيرة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو المادي والسياسي، وكلها أسباب مترابطة ومتشعبة.

وترى أن "الأسرة التونسية اليوم تمر بصعوبات كبيرة، خصوصاً المادية، وأصبحت عاجزة عن توفير الحاجات الأساسية كالغذاء واللباس والمسكن، مما يجعل الزوجان على صفيح من النار، ويمكن أن ينشب بينهما خصام على أتفه الأسباب".

وأوضحت أن "العلاقة الزوجية في بعض الحالات يمكن أن تنفجر وتتحول إلى ممارسة عنف ضد طرف ما، وخصوصاً الزوجة".

وأشارت إلى أن الحالة النفسية للزوجين في ظل صعوبة الأوضاع الاجتماعية لم تترك لهما الفرصة للحوار وحل مشكلاتهما بطريقة سليمة، إذ أصبح الشغل الشاغل توفير الحاجات الأساسية للعائلة، وعندما يفشل رب الأسرة في ذلك يكون رد الفعل عنيفاً.

وأوضحت الفقيه أن "الوضع العام الذي يمر به العالم عموماً وتونس خصوصاً جعل المواطن يشعر بعدم الأمان وعدم الاستقرار، وهذا له تأثيرات نفسية كبيرة، كما أن فقدان الأمل يجعل رد فعله عنيفاً في بعض الأحيان".

تعتبر تونس بين أبرز البلدان في العالم العربي الرائدة بمجال حقوق النساء، لكن مثل هذه الجرائم ضد المرأة تدفع الملاحظ للتساؤل عما إذا كانت الترسانة القانونية كافية للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة، لا سيما في المؤسسة الزوجية.

المزيد من العالم العربي