Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عالمان في إيران و"حدود الخوف والقمع"

ليس من المتوقع بالطبع سقوط النظام خلال هذه المرحلة

صحيح أن المتظاهرين يرفعون شعار "الموت للديكتاتور" لكن الصحيح أيضاً أن من يموت هم الثائرون (أ ف ب)

نظام الملالي في إيران ينتقل من مرحلة في القمع والعنف إلى مرحلة أعلى، من الغاز المسيل للدموع إلى الرصاص الحي الذي أودى حتى الآن بنحو 350 رجلاً وامرأة وطفلاً، ومن اعتقال نحو 30 ألف ناشطة وناشط إلى محاكمة المحتجين بتهمة "المحاربة" التي عقوبتها الإعدام.

ومن المواجهة مع الناس في الشارع إلى الاصطدام بنجوم الغناء والموسيقى والمسرح والرياضة والثقافة، فما تختزنه المجتمعات أمر والشرارات التي تشغل الثورات أمر آخر، والعامل الحاسم في نجاح أو فشل الثورات هو نضج الظروف، فلا "ثورة الياسمين" في تونس قامت لأن محمد البوعزيزي أحرق نفسه احتجاجاً على منعه من بيع الخضراوات على عربة وحسب، ولا "ثورة النساء" في إيران اندلعت لأن الشابة الكردية مهسا أميني ماتت في الاحتجاز على أيدي "شرطة الأخلاق" بسبب خصلة من شعرها خرجت من الحجاب وحسب، بل السبب الأهم هو ما يختصره المنطق الديالكتيكي القائل إن "التراكم الكمي البطيء يقود إلى تحول كيفي سريع"، وتراكم الظلم والتهميش للنساء والمثقفين والأقليات الكردية والبلوشية والعربية على أيدي الملالي وضباط الحرس الثوري هو الذي أوحى أن التحول الكيفي السريع ينضج.

لا جدوى من الدعوات إلى تعديل الدستور وإجراء إصلاحات أو تغيير سلوك النظام، فالسلوك القاسي عنصر إجباري في النظام، وأي إصلاح لنظام شمولي يعني نهايته، ودرس الاتحاد السوفياتي وما قادت إليه إصلاحات ميخائيل غورباتشوف عبر الـ "بريسترويكا" والـ "غلاسنوست" مكتوب على الجدار أمام ملالي إيران وقادة الحزب الشيوعي في الصين، لكن ما صنعته "ثورة النساء" خلافاً للانتفاضات السابقة و"الحركة الخضراء" هو طرح أيديولوجيا النظام في النقاش، وإجبار الملالي على الدفاع عن تلك الأيديولوجيا التي يديرون باسمها ما يسمى "الحكم الإلهي".

وأبسط ما ترمز إليه الهوة بين أيديولوجيا النظام وأفكار الجيل الجديد هو ما نقله وزير السياحة والتراث الثقافي عزت ضرغامي عن أحد المحققين مع الناشطين خلال "الثورة"، إذ قال المحقق "استجوبت المئات خلال هذه الأيام، وهي أصعب استجوابات لأني لم أفهم ما يقولون وهم لم يفهموا ماذا أقول".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عالمان متباعدان، عالم القرن السابع وعالم القرن الـ 21، فكر الغيب وفكر الحياة.

صحيح أن المتظاهرين يرفعون شعار "الموت للديكتاتور"، لكن الصحيح أيضاً أن من يموت بالرصاص أو تحت التعذيب في المعتقلات هم الصبايا والشبان الثائرون، والمزيد على الطريق.

قادة الحرس الثوري يهددون بـ "ألا يبقى على وجه الأرض في إيران محتجون إذا أعطى المرشد الأعلى الأمر"، والاحتجاجات تتسع جغرافياً واجتماعياً، والواقع كما يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة "تنيسي" سعيد جولكار أن "الخوف له حدود مثل القمع، وهناك نقطة تحول تأتي عندما يفقد الخوف والقمع تأثيرهما، ويدرك المواطنون أنهم يملكون قوة عبر القيام بخطوة جماعية، كما حين يخشون المستقبل المظلم أكثر مما يخشون النظام".

وليس من المتوقع بالطبع سقوط النظام خلال هذه المرحلة، فهو يمارس ما يتجاوز معادلة المؤرخ الأميركي والتر ماكوير "قليل من العنف يقود إلى نتيجة عكسية، لكن كثيراً منه قد ينجح"، وهو لا يتردد في اتهام الملايين من شعبه بأنهم "أدوات يحركها أعداء الثورة" الخمينية، وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والمال العربي، فأي شرعية لنظام يواجه أكثرية شعبه؟

إذا كان "الشيطان الأكبر" يستطيع تحريك النساء وطلاب الجامعات والأقليات في إيران، فإن الملالي هم "العدو الداخلي" بحسب شعار الثوار، وليس بالصواريخ وحدها يحيا النظام.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل