Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التغريدات القاتلة

مالك "تويتر" الجديد يخرج على الملأ كمهرج يكثر من تصريحاته ليعلق بايدن بأن ماسك اشترى منصة تبث الأكاذيب

منصة تويتر أصبحت المنبر الذي يصدح بحال العالم (أ ف ب)

ثمة تغريدات ثالوثية تشبه الدين لهذه اللحظة الاستثنائية، لكنها قديمة جديدة من ناحية، ومن ناحية أخرى هي تغريدة واحدة منشطرة، ومثل البصلة لا لب لها لكن كل قشرة فيها اللب، ونعني بذلك في اختزال واختصار مخل، المرض كالفيروس كورونا، والخلل المناخي كالاحتباس الحراري، والهجرة كالهجرة غير النظامية.

وأما الخطاب الأيديولوجي اليميني فيتخذ من هذا الثالوث سيفاً مقدساً لحربه الصليبية، فتبرير وجوده باعتباره المخلص الأخير.

التغريدات القاتلة تتمظهر كسيمياء للهويات القاتلة التي تغير جلدها كالحية لتحيا، وتتمظهر كزحف مقدس ضد الثقافة، معتبرة سدنة التنوير كيسار ملحد تآمري، فتتسور بأسمنت مسلح من التعصب العرقي ذي الطابع الديني، مستعيرة الفاشية كطريقة لكن في صيغة العصر بالضرورة، المرض غير حقيقي، فكورونا وسيلة لمحاربة النمو الاقتصادي، وثقب الأوزون احتباس حراري في أدمغة تتخذ العلم تقية، أما الهجرة فغزو خارجي يهدد كيان الدولة، فتشيطن معضلات العصر هذه باعتبارها الفيضان والخطاب اليميني سفينة نوح.

إذاً هذه حال خطاب اللاعقلانية الغربية ومن ينسج على منوالها في مواجهة هذه المستجدات الخطرة، ومرجعية هذا الخطاب / تغريدات واقع الحال، هو الطور الجديد في الأزمة التي واكبت المجتمعات الحديثة وانعكاساتها على العالم منذ نشأة الرأسمالية الغربية كما رصدها المفكرون الغربيون العقلانيون، ثم واكبها العلماء والاقتصاديون، وكان الفنانون والمبدعون عامة قد عبروا عنها باكراً، لكن هذا الطور يجيء وقد استنفدت سرديات كبرى مقارباتها، ما أضحت في قسم التاريخ بالمكتبات وبالمتاحف مع تطور نوعي ونقلة تكنولوجية لا مثيل لها. وقد أشار الفيلسوف زيغومت باومان إلى هذه اللحظة باعتبارها الحداثة السائلة التي تشير إلى المعاناة من الأرق وكوابيس الخوف من التخلف عن الركب أو السقوط من نافذة تسير بسرعة فائقة.

وفي هذه اللحظة مؤتمرات القمم تعقد في العالم متتالية وعلى جناح السرعة، لكن لا يواكبها أي حراك جماهيري، فهناك إجماع على عدم الثقة في تلك القمم ونتائجها المعتادة. وليس ثمة مراهنة ما على أي شيء، فلم يعد للخوف من المستقبل ومن الحرب والتهديد النووي مقاماً، وأيضاً العيش على كف عفريت اللحظة الراهنة لم يعد له معنى ما.

لقد لعب فيروس كورونا في الأدمغة البشرية فجعلها خالية من التفكير كما أخلى الشوارع، فيما الاحتباس الحراري أنهك الأجساد وجعلها على عروشها خاوية، أما الهجرة فأمست كإنفلونزا معتادة وإن تحمل على أسنة الرماح.

ويحدث هذا والحروب تضرب العالم أو تخيم أجواءها على الأقل، ويلاحظ أستاذ الاتصالات الرقمية الأسترالي روب كوفر أننا فقدنا كل قاعدة معيارية معهودة تتعلق بالحياة اليومية، بخاصة في زمن كورونا هذا، إذ إننا على مشارف مستقبل مجهول نمضي قدماً إليه.

وتبدو البشرية في هذه اللحظة أكثر هشاشة مما هي عليه في أية لحظة، ولهذا تعلو صيحات شعبوية وتثار غرائز في مواجهة مسائل وحقائق ساطعة ومهددة للبشرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأرض تشيخ وزعماؤها أيضاً يشيخون، وتتالى المؤتمرات سواء القمم منها أو العلمية، لكن تبدو وكأنها في حال حوار الطرشان وأنها تلتقي لتجمع على الخلاف، ومن هذا لا تحدث ذلك الصدى فتقلب كما صفحات الكتاب البيضاء بعد أن تعجز أحياناً عن إصدار بيان مشترك، لكن التغريدات القاتلة تتواصل قبلها وبعدها.

ويخرج على الملأ "ماسك" مالك "توتير" كمهرج يكثر من تصريحاته، ليعلق الرئيس بايدن "ماسك اشترى منصة تبث الأكاذيب في أنحاء العالم".

لكن لماذا أعنون مقالتي بالتغريدات وألتفت إلى منصة "تويتر"؟

لأن المنصة قد غدت كما مرآة نرسيس التي ينظر فيها العالم إلى نفسه، ولأنها المنبر الذي يصدح بحال العالم، منصة الأكاذيب كما يوصمها بايدن، رئيس الدولة الكبرى التي هي قاعدة المنصة، فأخبارها تصدرت عواجل الأخبار أثناء تناقل أخبار القمم وبعدها كما قبلها، مما جعلها تبدو وكأنها قلب العالم وقالبه، وكل إناء بما فيه ينضح، فهوية العالم اختزلت في تغريدة.

في هذه اللحظة الاستثنائية المليئة بالتناقضات يرتبك النهج ما يصيب عقولنا بالوهن، فكل ما تفكرت فيه يستعصي عليها.

في هذه اللحظة الاستثنائية التي قد تكون أول لحظة بشرية شاملة تجتاح كل مكان وتضرب كل بشري مهما تضاءل شأنه وتهدد المستقبل والآن وهنا بتغريدات قاتلة، ليس بإمكان أحد تفاديها مفرداً مهما علا شأنه وملك من قوة، وثمة ترابط بين واقع الأرض وحال البشرية والمعيارية التي ينظر بها، فإن خطاب الهشاشة يعبر عن قطيعة متفاقمة مع النظرات السابقة للأزمات المستجدة، ومن هذا فالحاجة الملحة لنظرة جديدة، لكن القمم لا تزال أسيرة الأزمات وردود الأفعال، مما يفصح أنها قمم كل من فيها يغرد على ليلاه، وأنها تحصد ما زرعت ليس إلا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل