Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حقوق أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب بين الإنصاف والإجحاف

قرار "مقيد بشروط" وبعضهم يصفه بالـ "مسكّن" ومحاولة للهرب من المسؤولية

يقدر عدد الليبيات المتزوجات من أجانب بقرابة 15 ألف إمرأة (أ ف ب)

تعد قضية أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب من أكثر القضايا الاجتماعية تعقيداً في البلاد والتي لم تجد لها حلاً على مدى سنوات طويلة، على رغم الوعود والعهود التي تطلقها الحكومات بين الفينة والأخرى، وبعض قرارات الترضية التي لا تسلم عادة من الانتقادات وتوصف بأنها "مسكّنات" ومحاولة للتهرب من المسؤولية بوضع حل جدري لمعاناة هذه الفئة.

وآخر هذه القرارات التي تزيد الجدل أصدرتها حكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ونصت على منح أبناء الليبيات المرتبطات بأزواج من جنسيات أخرى الحقوق المدنية والاجتماعية والمادية للمواطنين الليبيين كافة، مع استمرار حرمانهم من نيل الجنسية الليبية.

وتسببت النقطة الأخيرة في انتقادات كبيرة للحكومة، ليس في داخل البلاد فقط بل ومن المنظمات الحقوقية الدولية، إذ اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" القرار تمييزياً ويحرم هذه الفئة من حقوق كثيرة ومن بينها الحقوق السياسية وبعض الحقوق المدنية.

استعادة بعض الحقوق

واستعادت النساء الليبيات المتزوجات من أجانب والمقدر عددهن وفق تقارير حكومية بـ 15 ألف امرأة، بعض الحقوق المسلوبة من أبنائهن بعد كفاح طويل امتد سنوات، عقب قرار من حكومة عبدالحميد الدبيبة نص في مادته الأولى على "تمتع أولادهن بالحقوق التي يتمتع بها المواطن الليبي كافة، من مجانية العلاج والتعليم في الداخل والقبول في المدارس الليبية في الخارج".

فيما نصت المادة الثانية على "الإعفاء من شرط الحصول على التأشيرة الليبية عند دخولهم الأراضي الليبية واقتصار حصول أزواجهن على تأشيرة الدخول عند الوصول، والتزام السفارات والقنصليات الليبية في الخارج بتقديم الخدمة لهم أسوة بالمواطنين الليبيين".

قرار مقيد بشروط

وقال مدير مشروع منحة الزوجة والأولاد الحكومي علي البوسيفي إن "المنحة التي تشمل الزوجة والأبناء تحت سن 18 سنة وأولاد الليبيات المتزوجات من أجانب، مرتبطة بقيود".

وأوضح أن "منحة الأولاد تصرف لهم وفق شروط أبرزها أن يكون مكان الإقامة في ليبيا وألا تتجاوز إقامتهم خارج ليبيا ثلاثة أشهر مع التحقق من حركة الدخول والخروج".

دعاية سياسية جديدة

ومثل كل القرارات المشابهة التي أصدرتها حكومة الوحدة في طرابلس خلال العامين الماضيين، لم يسلم هذا القرار من اتهامات بأنه مجرد "دعاية سياسية لرئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة"، إذ قالت عضو ملتقى الحوار السياسي الزهراء لنقي إن "قرار منح أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب جميع حقوق المواطنة مجرد دعاية سياسية".

وأضافت لنقي أن "هذا القرار هدفه المتاجرة بمطالب هذه الفئة المهمشة ولا يغطي المطالب الحقوقية والنسوية المرتبطة بملف الليبيات المتزوجات من أجانب، وهي دسترة حقوق المواطنة الكاملة وإعطاء حق الجنسية لأبنائهن".

قرار معيب

واعتبر أستاذ القانون الدولي محمد الزبيدي قرار عبدالحميد الدبيبة الخاص بمنح الجنسية الليبية لهذه الشريحة، وكذلك من لم يستطيعوا إثبات أصولهم الليبية "معيباً وكارثياً من مختلف الجوانب".

وقال إن "موضوع الجنسية في كل دول العالم أمر في غاية الأهمية والخطورة، لما يترتب عليه من حقوق وواجبات، خصوصاً في الدول المؤسسة على قواعد مجتمعية عرقية وقبلية، وفي دول العالم كافة فإن قانون الجنسية هو من اختصاص مجلس النواب".

رد حكومة الوحدة

من جانبها، بررت حكومة الوحدة الليبية عدم منح الجنسية لأبناء الليبيات المتزوجات من أجانب بوجود تحفظات من مجلس الوزراء على 159 اسماً من القائمة المقدمة من مصلحة الجوازات والجنسية، لوجود شكوك في صحة مسوغاتهم للحصول على الجنسية.

وأعلن المتحدث باسم حكومة الوحدة الوطنية، محمد حمودة، أن مجلس الوزراء وافق على منح الجنسية الليبية لأكثر من 130 شخصاً، بما في ذلك أطفال النساء الليبيات المتزوجات من أجانب.
وكشف حمودة في مؤتمر صحافي أن "إدارة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب أحالت إلى مجلس الوزراء 289 طلباً للحصول على الجنسية"، وتحفّظ مجلس الوزراء على 159 اسماً من القائمة المقدمة من مصلحة الجوازات والجنسية، "لوجود شكوك عليهم في صحة مسوغاتهم للحصول على الجنسية".

مرسوم تمييزي

من جانبها، وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قرار حكومة الوحدة الوطنية الخاص بأبناء الليبيات المتزوجات من أجانب بأنه "مرسوم تمييزي لأنه لا يضمن حق أولاد المرأة الليبية في الحصول على الجنسية أسوة بأولاد الرجل الليبي"، داعية إلى "اعتباره إجراء موقتاً حتى تدخل السلطة التشريعية تعديلات على قانون الجنسية في ليبيا".

وقالت الباحثة المتخصصة في الشؤون الليبية في "هيومن رايتس ووتش" حنان صلاح إن "القرار لا يضمن حق أولاد المرأة الليبية في الحصول على الجنسية أسوة بأولاد الرجل الليبي، ومن دون الجنسية الليبية يواجه أولاد النساء الليبيات غير المواطنين صعوبات منها الحصول على وثائق الهوية، كما أن حقوقهم المدنية والسياسية محدودة للغاية، فهم ممنوعون من التصويت في الانتخابات ومن الحصول على وظائف حكومية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت إلى أن "النساء يواجهن عقبات في الحصول على رخصة للزواج من غير الليبيين، بينما لا يواجه الرجال أي قيود في الزواج من غير الليبيات، وتمنح الجنسية تلقائياً لأولادهم ويمكن لزوجاتهم غير الليبيات الحصول عليها بسهولة".

وأضافت صلاح أن "النساء الليبيات يواجهن أيضاً تمييزاً آخر حول القضايا المتعلقة بالزواج والميراث والطلاق"، وأكدت أنه "ليس لديهن حماية قانونية حقيقية ضد العنف الأسري والجنسي".

وحذرت من أن "هذا التمييز الجندري يتعارض مع الإعلان الدستوري لسنة 2011 الذي يضمن أن يكون الليبيون سواء أمام القانون، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو اللغة أو الجنس أو النسب، كما أنه ينتهك التزامات ليبيا الدولية بعدم التمييز ضد المرأة وأولادها".

تقليل العبء المادي

وفي المقابل رأت زهرة من سكان مدينة بنغازي وهي واحدة من النساء المتزوجات من أجانب وطلبت الاكتفاء باسمها الأول فقط، أن "القرار يعتبر إنجازاً لها وللنساء المتزوجات من الأجانب في معركة طويلة لانتزاع حقوق أبناءنا بالكامل، فنحن كسبنا جولة في وقتها ستخفف عنا عبئاً مادياً ضخماً في ظل الظرف الاقتصادي القاسي في البلاد".

وبينت زهرة طبيعة هذه الأعباء بقولها "كنا محرومين طوال السنوات الماضية من كل المنح المادية التي تمنح لكل الأسر الليبية عادة على أبواب مناسبات معينة، مثل شهر رمضان والعيد وبداية العام الدراسي، والآن نستطيع أن نحصل عليها، والأهم هو منحنا حق الدراسة والعلاج بالمجان، وجميعها أمور كانت كلفها تقصم ظهورنا أكثر من غيرها".

أسباب قبلية

الناشطة الحقوقية جازية شعيتير ترى أن "من أهم أسباب الإحجام عن منح الجنسية في ليبيا الخلفية القبلية، فالقبيلة تعد إطاراً اجتماعياً مؤثراً في ليبيا، ووفق هذه الخلفية فإن المرأة التي تتزوج من خارج القبيلة تنتمي بعد الزواج للقبيلة التي تزوجت من أحد أبنائها، ومن ثم يتم إنكار حق هذه المرأة في الميراث خشية تملك زوجها الغريب لأراض ومزارع للعائلة أو القبيلة، ولعل ذلك السر وراء عدم زواج كثيرات نتيجة خوف أوليائهن من انتقال مال القبيلة والعائلة إلى شخص دخيل".

وأضافت، "يخبرنا المسح الشامل للقيم في ليبيا أن جذور المشكلة اجتماعية وثقافية أكثر من كونها سياسية أو قانونية، فالأغلبية الساحقة من الليبيين تثق في الأسرة، وأغلبية عالية منهم يثقون بالمعارف الشخصية، وفي المقابل لا يثق بعضهم بمن يعتنق ديناً آخر أو يتحدث لغة أخرى أو بمن يقابلونه للمرة الأولى أو بمن ينتمون إلى جنسيات أخرى".

تأثير البعد الديني

وتشير شعيتير إلى أن "قضية زواج الليبية من أجنبي لم تسلم من إضفاء الطابع الديني عليها، إذ لم تجد السلطات غضاضة في اللجوء إلى دار الافتاء الليبية بسبب ارتباط القضية بأبعاد دينية خلال عامي 2012 و2013، ولم تتردد دار الإفتاء في الفتوى بضرورة وقف مصادقة عقود زواج الليبيات من غير الليبي، وعللت وقتها أسباب المنع بعدم وجود قاعدة بيانات صحيحة توضح ديانة الزوج غير الليبي، لكون الدين الإسلامي يحرم على المسلمة الزواج من غير مسلم، وبناء عليه قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بوقف إصدار تصاريح الزواج للنساء الليبيات المتزوجات من أجانب".

وتابعت، "في مناسبة أخرى استقبلت دار الإفتاء سؤالاً في شأن حق أبناء الأم الليبية المتوفية المتزوجة من أجنبي في الميراث، وقد أقرت بحقوق أطفالها الأجانب في الميراث، والغريب أن دار الإفتاء أحجمت عن بيان موقف الشريعة الإسلامية الصريح من المسألة، إذ لا تعترف أساساً بمبدأ الجنسية ولا يوجد ما يمنع من زواج المسلمة من رجل مسلم أياً كانت جنسيته، ولا يستلزم لإثبات إسلامه سوى شهادته بذلك".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات