Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يهدئ اجتماع بايدن وشي من روع الأسواق العالمية؟

توقعات بأن تعالج لقاءات قمة العشرين الخلل في الأمن الغذائي والتضخم بسبب تأثير الحرب في أوكرانيا

تأكيدات الرئيسين الأميركي والصيني بإدارة علاقات البلدين بدون صراع بعثت برسالة إيجابية إلى الأسواق العالمية (أ ف ب)

جاء اجتماع الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جينبينغ خلال قمة مجموعة العشرين في مدينة بالي بإندونيسيا، وجهاً لوجه، ليمثل إشارة قوية لأسواق العالم المنهكة وتحديداً في أميركا وأوروبا والتي يخيم عليها شبح الركود.

الرسالة وفقاً لتصريحات ممثلة التجارة الأميركية كاثرين تاي مفادها "أن كلا الزعيمين يمكنهما إدارة العلاقات"، تزامناً مع تصريحات لمسؤول أميركي آخر للصحافيين بأنه من المتوقع أن يتخذ الاجتماع خطوات لمعالجة الأمن الغذائي المتضرر من الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وربما تطمئن تصريحات بايدن الأسواق العالمية، عندما قال الاثنين إنه "لا يبحث عن "صراع" بين الولايات المتحدة والصين ولن تكون هناك حرب باردة جديدة". في غضون ذلك حذر بايدن من تجاوز "الخط الأحمر" في تايوان وفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الصينية.

الاجتماع جاء في ظل توتر العلاقات بين القوتين العظميين لكن حتى بعد انتهاء المحادثات بين بايدن وشي والتي أعطت أملاً للعالم بضوء خافت في نفق الأزمات الراهنة بين أكبر اقتصادين في العالم، كانت ممثلة التجارة الأميركية متحفظة في شأن إمكانية إزالة الرسوم الجمركية الأميركية على البضائع الصينية.

فقد تراجع بايدن عن قرار إلغاء أي تعريفات جمركية فرضت في عهد ترمب على الواردات من الصين وتشمل الرسوم، التي بدأت تتراكم في عام 2018، والواردات من المدخلات الصناعية، مثل الرقائق الدقيقة والمواد الكيماوية والبضائع الاستهلاكية بما في ذلك الملابس والأثاث على رغم قول مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية إن "تخفيض الرسوم الجمركية على الأدوات المنزلية يمكن أن يساعد في تخفيف ارتفاع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة".

قضية الرسوم الجمركية

وفرض دونالد ترمب رسوماً جمركية على واردات من الصين مستخدماً المادة (301( من قانون التجارة الصادر في عام 1974، إذ ينص على أن التعريفات تنتهي تلقائياً بعد مرور أربع سنوات من تاريخ فرضها. لكن في وقت سابق من هذا العام، تلقى مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة مئات الطلبات من أجل الإبقاء عليها وهذه هي الحال أثناء إجراء المراجعة.

وكانت الرسوم الجمركية على البضائع الصينية جزءاً من الإجراءات العدوانية التي اتخذها ترمب ضد بكين، إلا أن إدارة "بايدن" أبقتها في مكانها كنوع من النفوذ ضد ما تعتبره الولايات المتحدة منافسها الاستراتيجي والاقتصادي الرئيس.

وقالت ممثلة التجارة الأميركية كاثرين تاي، "لذلك تظل هذه التعريفات سارية لأن القضايا الأساسية لا تزال قائمة"، مضيفة أنه "ليس لدينا حل بعد وسنواصل الضغط".

وزادت التوترات التجارية بين واشنطن وبكين العام الحالي بعد أن فرضت أميركا قيوداً شاملة على بيع أشباه الموصلات ومعدات صناعة الرقائق الصينية.

انتقاد الكرملين

وقالت تاي في منتدى "بلومبيرغ" للاقتصاد الجديد في سنغافورة الثلاثاء، إنه "أمر جيد ومهم حقاً"، مضيفة أن "لغة الجسد كانت قوية جداً كما أظهرت صور الزعيمين وهما يحييان بعضهما البعض ويقفان معاً". وتابعت أن "هذه إشارة قوية لبقية العالم من حيث وجود زعيمين قادرين على إدارة علاقة معقدة للغاية"، مشيرة إلى أن "مزيداً من المناقشات بين الجانبين ستستمر".

وأكدت تاي أن "الزعيمين كلفا كبار مسؤوليهما بمواصلة التواصل، إذ نتطلع إلى البناء على المحادثات المفتوحة والصريحة التي أجريناها مع نظرائنا في بكين".

جاءت تصريحات تاي بعد لقاء بايدن وشي مساء الاثنين بمنتجع ساحلي في بالي على هامش قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها إندونيسيا للمرة الأولى في جنوب شرقي آسيا، لافتة إلى أن "إجراء محادثات بين الزعيمين الأميركي والصيني فاق التوقعات المنخفضة"، كما قالت إن "الجانبين سيواصلان التعاون في قضايا من بينها قضية تغير المناخ والأمن الغذائي"، وأنهما انتقدا الكرملين بسبب حديث فضفاض عن نشوب حرب نووية في شأن أوكرانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول ما يتعلق بمبادرة الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهاديIPEF  (اتفاق اقتصادي تتفاوض عليه الولايات المتحدة مع 13 دولة أخرى)، أفادت تاي بأن "المفاوضات تسير على ما يرام والاتفاقية ممكنة خلال العامين المقبلين".

يشار إلى أن مبادرة الإطار الاقتصادي أهم مشاركة اقتصادية أميركية في المنطقة منذ تخلي الرئيس السابق دونالد ترمب عن الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي تم التفاوض عليها في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.

في غضون ذلك، انتقد بعض المشرعين ورجال الأعمال إدارة بايدن لتوقفها عن خفض التعريفات وهو أمر تم إنجازه من خلال الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي نتجت منها الشراكة العابرة للمحيط الهادئ (TPP) التي لا تشمل الولايات المتحدة.

مبادرة (IPEF)

في الوقت الذي كان يفضل فيه حلفاء الولايات المتحدة في آسيا صفقة تجارية أكثر تقليدية توفر وصولاً أكبر إلى الأسواق الأميركية، إلا أنهم يفكرون في الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ باعتبار أنها مبادرة بايدن.

وقالت ممثلة التجارة الأميركية، "نتطلع الآن إلى المشاركة الأولى لكبار المسؤولين لدينا للالتقاء في جولة التفاوض الأولى بأستراليا في غضون أسبوعين، بداية ديسمبر (كانون الأول) المقبل". وتابعت أن "شراكة قوية للغاية كانت لدينا في هذه المنطقة، ولا سيما من سنغافورة لذا نحن في عام 2023 متحمسون للغاية".

وعلى رغم الحماسة الكبيرة إلا أن تاي حذرت من التغيرات التي يمر بها الاقتصاد العالمي مما يعني أن المفاوضات في شأن مبادرة (IPEF) ستستمر في التطور.

على رغم أن العالم في أشد الحاجة إلى حوار يجمع رئيسي أكبر قوتين اقتصاديتين على كوكب الأرض وجهاً لوجه في ظل حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي والاقتصادي، إلا أن غياب المحادثات الشخصية الكاملة والصريحة الهادفة قد يجعل الحوار مثل ما سبقه من حوارات لا طائل منها سوى تدني جديد في العلاقات بين واشنطن وبكين، لكن يظل لقاء الصين وأميركا على أرض بالي موضع ترحيب عالمي، فحتى وقت قريب كان مجرد جلوس الزعيمين معاً أمام الكاميرات احتمالاً بعيداً، خصوصاً بعد وصول العلاقات بينهما إلى نقطة الانهيار نتيجة التوترات المتزايدة في شأن الهجوم الروسي على أوكرانيا، علاوة على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس (آب) الماضي، إضافة إلى قمع صادرات التكنولوجيا من طرف أميركا بهدف احتواء صعود الصين.

لا يختلف اثنان على أن عدم التعاون بين واشنطن وبكين أدى إلى تفاقم أزمات دولية على رأسها مؤشرات التضخم المرتفعة وانعدام الأمن الغذائي والتغير المناخي، إضافة إلى مجموعة أخرى من القضايا، ولذلك فإن أي تقدم في شأن هذه القضايا سيكون تدريجياً في أحسن الأحوال ولعل لقاء بايدن – شي في بالي يعكس الأمل في نقاش جاد بين الجانبين لإيجاد حلول.

اجتماع شي وبايدن على أرض الواقع في مدينة بالي بعيداً من اللقاءات الافتراضية غبر تقنية الفيديو كونفرانس هو نجاح آخر بحد ذاته، فبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا واختلال نظام الأمن العالمي، كان هناك قلق عالمي من احتمالات أن تنهار مجموعة العشرين بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء لكن جاءت قمة المجموعة في إندونيسيا لتخالف تلك التوقعات.

نية صينية للتهدئة

قد تعكس تصريحات شي نية صينية لتهدئة أجواء الخلاف بين البلدين، فجبال الجليد بين الصين وأميركا بدأت في الذوبان مع نجاح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الصين الشهر الماضي، إذ وجه شي رسالة إلى واشنطن قائلاً إن "الصين مستعدة لإيجاد الطريق الصحيح للتوافق مع الولايات المتحدة وإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح" في الوقت الذي عزز فيه وزير خارجيته وانغ يي تلك المشاعر عندما التقى السفير الأميركي لدى بكين نيكولاس بيرنز وأجرى اتصالاً بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قائلاً إن "كلا الجانبين لهما نقاط أساسية ولا يمكنهما تغيير بعضهما البعض".

في المقابل قال بايدن إن "الولايات المتحدة تريد استخدام الاجتماع لتوضيح "الخطوط الحمراء" وليس بحاجة إلى مزيد من التفصيل".

شيئان يميزان اجتماع شي وبايدن أولهما أنه اللقاء الأول بينهما وجهاً لوجه للمرة الأولى منذ يناير (كانون الثاني) 2017 حينما كان بايدن نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما، بينما الميزة الثانية هي تعزيز موقف كلا الزعيمين سياسياً فالرئيس الصيني عزز موقفه لفترة ثالثة كزعيم للحزب الشيوعي، في المقابل دعم بايدن من خلال أداء الحزب الديمقراطي الأقوى في انتخابات التجديد النصفي الأميركية.

تايوان حجر عثرة

وعلى رغم تلك الآمال العريضة إلا أنه لا توجد أي تأكيدات فعلية تشير إلى تحسن واضح في العلاقات، خصوصاً أن القضية الحقيقية بين بكين وواشنطن تتعلق بتنفيذ الخطوط الحمراء لكل جانب، فإذا استمرت الولايات المتحدة في استفزاز الصين في تايوان من الصعب أن نرى أي تحسن دائم في العلاقات، وإذا كانت واشنطن تستطيع أن تعد بضبط النفس، فيجب على بكين إعادة فتح الحوار الذي تم تعليقه بعد زيارة بيلوسي إلى تايوان هذا العام، لكن مستقبل العلاقات الثنائية ستنتظره عقبات جديدة خصوصاً إذا خلف كيفن مكارثي بيلوسي في منصب رئيس مجلس النواب وهو يعني تنفيذ عهده بزيارة تايوان بصفته عضواً في الكونغرس، مما قد يسبب أزمة خطيرة جديدة تعصف بما تحقق في بالي.