Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سقط ما تبقى من "أوهام اللؤلؤة" في الخليج؟

مؤشرات صناديق المنامة بعد الكويت تعمق جراح "القوة الخاسرة" لكن محاولات تصدير الثورة لم تتوقف

دوار اللؤلؤة الذي شكل رمز المظاهرات في 2011 قبل أن تزيله مملكة البحرين  (غيتي)

حملت الانتخابات الجديدة في البحرين رسائل سياسية وإقليمية أهم من مجرد دفع أعضاء جدد إلى تمثيل مواطنيهم في المجلسين النيابي والبلدي، إذ كانت أشبه ما تكون استفتاء على برنامج فريقين على النقيض، فريق خياراته وطنية تنموية، وآخر أهدافه خارجية صدامية، جاهد ما استطاع في تزهيد شرائح واسعة من أبناء البلاد في الإدلاء بأصواتهم، حتى بالورقة البيضاء، بوصف ذلك يعني تكثير سواد المناوئين.

هذا النوع من الاستقطاب أفرز في نهاية المطاف نتائج واعدة ليس فقط للبحرين كمجتمع ودولة ولكن أيضاً للخليج وللعرب أجمع، بالنظر إلى أنه شكل هزيمة ساحقة لما يسمى المعارضة البحرينية في الخارج أحد أذرع إيران الإقليمية المكشوفة، حتى بشهادة الذكاء الاصطناعي الذي أطلق على معرف إحدى قنواتها في "تويتر" أنه "حساب حكومي إيراني".

ومع أن المعركة استعرت على نطاق واسع شارك فيه رجال الدين من الطرف المحسوب على إيران وعبر الهاشتاغات، خصوصاً "نصوت للبحرين"، ومعارضه "نقاطع للبحرين"، إلا أنه لم يمض وقت طويل صباح التصويت السبت 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، حتى أجابت الطوابير في المجمعات الانتخابية عن سؤال أي الفريقين سيفوز في المعركة؟ وذلك حتى قبل أن يعلن مستوى المشاركة في المساء الذي كشف عن نسبة نادرة هي 73.18 في المئة، بعدد تجاوز 300 ألف ناخب، يمثل الشباب قريباً من نصفهم، وذلك من أصل نحو 345 ألف مؤهل للتصويت، في واحدة من أعرق ممالك الخليج وأقلها مساحة وسكاناً.

مشاركة واسعة رغم تواضع الصلاحيات

ولم يكن الصحافيون فضلاً عن البحرينيين متفاجئين من النسبة العالية، فقد شاهدنا كيف أن كبار السن على عكازاتهم والمعوقين على كراسيهم، حرصوا على قول كلمتهم عبر التصويت، فضلاً عن الشبان والعائلات التي أقبلت على بعض المراكز بأعداد لافتة، فترى الرجل والمرأة صحبة الأطفال يصطفون في الطوابير يحاولون إحداث فرق في سباق، لم يحدث أن أثار هذا النوع من الحماسة في بلد لا تزال صلاحيات مجلس النواب فيه محدودة.

لكن رئيس مركز "دراسات" البحريني عمر العبيدلي، قال إن الكثير من الأدوار يمكن القيام بها عبر البرلمان، إذا تم توظيفه على النحو الأمثل خصوصاً في مرحلة، يمثل الجانب الاقتصادي والبيئي والاجتماعي فيه أولوية السكان، وهي جوانب قال إن مناقشتها تتم بأريحية في المجلس الذي تقول الحكومة إنها تسعى للتكامل مع أعضائه الجدد وليس المشاحنة معهم.

وفي هذا الصدد تقول الكاتبة البحرينية سوسن الشاعر "نعم، الصلاحيات الرقابية ليست بالقوة التي نتمناها، لكننا نحتاج إلى أن نتعلم كيف نمسك بزمام تلك الأدوات، كيف نبني التحالفات، كيف نناور، كيف نفاوض، ومتى وأين نتعاون مع بقية السلطات، كل ذلك بحاجة لاستمرارية من دون أن نحبط أو نيأس. غيرنا امتلك أدوات رقابية أقوى بكثير منا لكنه هو الآخر أساء استخدامها، ولم تعد عليه بالنفع".


وتدعي المعارضة الخارجية رغم ذلك أنها "نجحت في تصفير الصناديق"، إلى جانب تزايد انتقادات البحرين حقوقياً وإعلامياً، حسب قولها، بيد أن وزير العدل البحريني نواف المعاودة أجاب عن هذه الجزئية في لقائه الصحافيين، بأن المشاركة في الانتخابات كانت مفتوحة أمام الجميع، سوى عناصر تنتمي لمنظمات إرهابية وصدرت بحقها أحكام قضائية. في إشارة إلى جمعية الوفاق، والكتل المحسوبة على إيران. 

 

بدوره كشف رئيس تحرير النسخة الرقمية من صحيفة "الأيام" راشد نبيل الحمر، أن أبرز المؤشرات التي حملتها نتائج الانتخابات، كانت "مشاركة واسعة، بلغت نسبتها 73.18 في المئة، وهي نسبة لم تصلها أي انتخابات برلمانية في تاريخ البلاد، كما أسفرت عن خروج 9 نواب من السباق منذ الجولة الأولى، فيما ذهب حوالى 18 آخرين إلى جولة الإعادة".

لكن الأهم من ذلك بحسب تقدير الصحافي الشاب، هو "ابتعاد الناس عن الجمعيات السياسية واختيارها المستقلين"، وهذا كان متوقعاً في ظل طغيان العنصر النسائي بنسبة بلغت 48 في المئة والشباب بأكثر من 45 في المئة، وهم الشريحة التي كان أكثرها يبلغ السن القانونية للتصويت للمرة الأولى، منذ أحداث 2011 التي كادت تعصف بالمملكة قبل أن يسيطر الأمن البحريني على المشهد بمؤازرة من قوات "درع الجزيرة" الخليجية التي عبرت الجسر الرابط بين الخبر السعودية والمنامة، في مواكب هزت مشاعر البحرين، وقالوا إنهم لن ينسوا تأثيرها مطلقاً، في وقت كانت الإدارة الأميركية في عهد أوباما ترفض إسناد البحرين بتلك القوة، كما أظهرت بشكل جلي تسريبات إيميل هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك العهد.

مرحلة ما بعد كورونا مختلفة

غير أن إحباط المخطط الذي اتخذ "دوار اللؤلؤة" في الجزيرة ميداناً لصرخته وتحركاته، لم يكن ليمضي بسلام، إذ اتخذت منه إيران وقناة "الجزيرة" القطرية حجة لشيطنة البحرين، التي قامت بملاحقة قيادات الجماعات المحسوبة على إيران مثل علي السلمان، بتهم مختلفة، وصل بعضها إلى إدانة بالإعدام، مما أثار حفيظة منظمات حقوقية دولية، حاولت الضغط على السلطات السياسية، إلا أن انكشاف مخططات عدد من التنظيمات المحسوبة على إيران، قلل من تأثير الضغوط الأجنبية وأقنع فئات عدة من البحرينيين الشيعة بأن تآمراً يجري ضد بلدهم، بحسب اعتقادهم.

وهكذا يقول الحمر في حديث على هامش الانتخابات "إن عدداً من المواطنين أصبحوا ينظرون بجدية للسلم الأهلي بعد ظهور مؤشرات على التماهي مع النموذج الوطني، خصوصاً بعد أزمة كورنا التي وجدوا فيها الدولة إلى جانبهم من دون تمييز بين فئة وأخرى".

وكان الصوت المدني في البحرين أثناء الانتخابات النيابية والبلدية واجه تحريضاً إلى جانب الطرف الإيراني، من قوى محسوبة على الإخوان المسلمين، استغلت اتفاق المنامة مع إسرائيل في الدعاية السياسية ضد حراكها التنموي والانتخابي.

وقالت الناشطة البحرينية عهدية السيد، إن المشاركة الواسعة كانت خطوة مهمة نحو الأمام للبحرين والمنطقة عامة، إذ جاءت في سياق "الرد على استهداف البلاد من قبل بعض الدول والميليشيات الإرهابية التي تمول من بعض الدول مثل إيران، وهناك تهديد للمواطن البحريني من قبل شخصيات تابعة للنظام في طهران بأنه إذا قام أحدهم بالتصويت فسيعتبر خائناً، ولكن لم يستمع المواطن البحريني لهذا التهديد سنة وشيعة".

وكانت من تصف نفسها بالمعارضة الخارجية نددت بالانتخابات التي نظمت في المملكة، مهددة من يشارك فيها من فئتها (الشيعية) بالانتقام الشعبي، مستعينة في تحريضها برجال دين من طبقتها وأعضاء منها في لندن، رفعوا سقف خطابهم إلى مستوى الهجوم السيبراني على بعض المواقع الإلكترونية المتصلة بالاقتراع، عشية الانتخابات، إلا أن وزير الداخلية راشد آل خليفة قال لدى الإدلاء بصوته في مركز الحلبة الانتخابي للصحافيين إن أجهزته الأمنية علمت بالأمر واتخذت الإجراء اللازم معه فوراً، لكن الأعداد المحدودة التي تظاهرت في أحد الأحياء لم يتعرض لها الأمن، على الرغم من حملها لافتات مسيئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا ما أكدت الجولة الثانية من الانتخابات الأسبوع المقبل، المؤشرات الحالية، فإنها إلى جانب انتخابات مجلس الأمة في الكويت الأخيرة، ستعطي بوادر أمل أخرى بانحسار "الموجة السوداء" المتأثرة بالدعاية الإيرانية، والارتهان بدلاً منها إلى النسق الوطني التنموي.

وقد يكون مما ساعد على ذلك بروز مساوئ التدخلات الإيرانية على المنطقة العربية بوجه عام، وعلى العراق ولبنان بشكل خاص، ناهيك عن الانتفاضة التي شهدها الداخل الإيراني بوتيرة قال المحللون إنها غير مسبوقة، وإنها تجاوزت المعارضة التقليدية للنظام إلى سخط عارم من جانب أبناء الثورة نفسها على نموذج الحكم في البلاد المتمثل برجال الدين، وفقاً لتقدير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

التمرد على الفتاوى

يأتي ذلك في وقت رأى الكاتب في صحيفة "الوطن" البحرينية حسين التتان أن خلاصة ما صار، هو "انتهاء زمن الوصاية"، بينما قارنت مواطنته الشاعر بين ما حدث في البحرين من انتصار الخيار المدني والرؤية الوطنية، بانتكاسة "الإخوان" في مصر بالتزامن، وهي الجماعة التي أرادت امتحان نفوذها في مصر ودعت إلى انتفاضة شعبية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) بغية إحراج القاهرة التي تستضيف تجمعاً دولياً ضخماً في قمة المناخ 27 بشرم الشيخ، إلا أن المصريين خيبوا ظن الجماعة، وانقلبوا بعد الجمعة نحو ديارهم ساخرين غير مبالين.

إلا أن التتان اعتبر هذا المنحى هو الطبيعي، فليس معقولاً في نظره أن يرهن المجتمع خياراته الانتخابية أو سواها بـ "فتاوى دينية أو سياسية مسمومة لخلق مناخ من الإقناع أو خلافه، فالمشاركة كانت وما زالت قناعة، ولا يمكن لأي جهة أو جمعية سياسية مصادرة هذا الحق، حتى ولو ادعت تبنيها للعمل الديمقراطي الحر، لأن هذا الخيار الشرس، هو في حدِّ ذاته يحمل بذور الدكتاتورية التي تؤمن عادة باللون الواحد، والطيف الواحد، والصوت الواحد".

ظاهرة "النزعة المحلية"

وكانت مؤسسة "راند" البحثية الأميركية، لاحظت في دراسة استشرافية لها عن المنطقة العربية، أن الهزة التي أحدثتها الانتفاضات الاجتماعية في أكثر من بلد عربي والخراب الذي أعقبها؛ خلق تياراً وطنياً عريضاً آخذاً في النمو بين الشباب العربي في بلاد مثل الخليج ومصر، رهاناته تنموية واجتماعية، وسط تراجع النفس الطائفي والمذهبي والجهادي، الذي كان الطاغي في سنوات مضت بعد 11 سبتمبر (أيلول)، خصوصاً بعد غزو العراق، واندلاع المعارك الاصطفافية في سوريا.

وتوقعت الدراسة في أولى سيناريوهاتها الأربعة للمنطقة أن "يتراجع عهد الإسلاموية كواحدة من الهويات المهيمنة في الشرق الأوسط"، نظير تراجع أداء حكوماتها في مختلف أنحاء المنطقة، لتبرز في أعقابها "ظاهرة النزعة المحلية... كرد على إخفاقات الأحزاب الإسلامية بشكل خاص"، مما يعني غلبة المطالب التنموية والبحث عن الرفاهية وتحقيق الذات على ترف الانتماءات الأيديولوجية.

وذهبت قراءات لنتائج انتخابات مجلس الأمة في الكويت الشهر الماضي، إلى اتجاه مقارب، إذ كشفت عن تصدر الشخصيات الوطنية المشهد من الطيفين الشيعي والسني، على حساب التيارات ذات الولاءات الخارجية في تركيا أو إيران.

لكن ذلك لا يعني بالضرورة نهاية الأطماع الإيرانية بنشر الثورة في الخليج، إذ على رغم تلقي النظام وأيديولوجيته الطائفية نكسات عدة، إلا أن تصميمه على زعزعة أمن واستقرار محيطه لم تزل قائمة، مترجماً ذلك بتهديداته دولاً في الإقليم، إثر اتهامها بدعم التظاهرات في البلد متعدد الأعراق، وذلك على رغم جولات حوار استكشافية مع السعودية، بدا أنها لم تثمر تفاهماً يرقى لعودة الثقة بين الدولتين المؤثرتين في الإقليم.

"قوة خاسرة" ولكن

في غضون ذلك، اعتبر مركز كارنيغي للسلام في إحدى تحليلاته أن إيران باتت "قوة خاسرة"، وباتت آثار تدخلاتها تثير نفور الشيعة وليس السنة فقط في المنطقة.

وقال "القدرة الإيرانية أدّت إلى مفارقة. ففي الدول العربية التي حققت فيها إيران مكاسب، فعلت ذلك من خلال استغلال الخلافات الداخلية والعنف. يعني الارتباط بطهران عادةً تكبّد الخسائر والدمار. ففي المجتمعات التي يطغى فيها النفوذ الإيراني، أمعن حلفاء طهران في انتهاج سياسات أدّت إلى إفقار مجتمعاتهم وتدميرها. وإذا كان الاصطفاف مع إيران يؤدي إلى هذا القدر من المعاناة لمصلحة نموذج الإمبريالية الجديدة في طهران، فكيف يمكن أن ينعم المشروع الإقليمي الإيراني بالاستقرار"؟

ومع أن أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية وحلفاءها المحليين في الدول العربية، كما يقول المركز بوسعها اعتماد أساليب الترهيب للحفاظ على السلطة، ولكن "سيؤدي ذلك حكماً، في مرحلة ما، إلى استياء أكبر يهدّد بحدوث رد فعل غير متوقع في نهاية المطاف".

قد لا نكون وصلنا بعد إلى تلك المرحلة، في وقت ضبطت قوات المراقبة الدولية هذا اليوم أطنان متفجرات إيرانية متجهة نحو ميليشيات الحوثي في اليمن؛ إلا أن صلابة الموقف في الخليج واستعادة البحرين ثقة شرائح أوسع من مواطنيها ممن أُخذوا بالدعاية الإيرانية؛ خطوة مبشرة في طريق العرب الطويل نحو مناعة دولهم الوطنية من تدخلات طهران المدمرة.

ومهما تكن دوافع هذا المنحنى في المشهد، فإنه في تقدير مثل البحرينية سوسن الشاعر، يمثل "مؤشراً للتعافي" على الأقل في بلادها، إذ كتبت في صحيفة "الوطن" المحلية قائلة "إذا كان يحق لحسن نصرالله أن يقول: "بدنا ناكل عنب" بعد نسفه كل شعارات المقاومة وتوقيع اتفاقية مع إسرائيل، فلمَ لا يحق لمن يقلد خامنئي من البحرينيين أن يأكل العنب هو أيضاً في بلده وبين أهله وناسه ويركب سفينة الوطن ويمضي قدماً غير عابئ بمن يريده حطباً لناره؟ هو الآخر من حقه أن يذوق العنب الوطني ويستمتع بطعمه ويعيش إنجازاته ويتلذذ بمكاسبه".

المزيد من تحقيقات ومطولات