احتفل الديمقراطيون، الأحد 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بفوزهم المفاجئ بالغالبية في مجلس الشيوخ الأميركي وسط حالة من الذهول والتشتت خيمت على الجمهوريين، خصوصاً أن الحزب الديمقراطي نجح في تأمين قاعدة مهمة من الدعم السياسي والتشريعي ترافق الرئيس جو بايدن حتى نهاية ولايته.
انتصار كبير
وعلى رغم أن مصير مجلس النواب لا يزال معلقاً، إلا أن استعادة الديمقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات توقع كثيرون خسارتهم فيها بفارق كبير يعد انتصاراً كبيراً.
وقال بايدن خلال حضوره قمة رابطة دول جنوب شرقي آسيا في كمبوديا "لدي شعور جيد وأنا أتطلع إلى العامين المقبلين".
ومجلس الشيوخ يشرف على المصادقة على تعيين القضاة الفيدراليين والوزراء وغير ذلك من المناصب المهمة، وبقاء المجلس ذي المئة مقعد إلى جانب بايدن بمثابة هدية له بينما يسعى لمتابعة تنفيذ برامجه.
تقليدياً عادة ما تجر انتخابات منتصف الولاية معها الرفض للحزب المتربع على السلطة، وإذا أضفنا الى ذلك ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض شعبية بايدن إلى مستويات غير مسبوقة، فقد توقع الجمهوريون أن يتولد من كل هذه العوامل "موجة حمراء" عاتية تدفع بحزبهم في انتخابات الثلاثاء إلى انتزاع الغالبية في المجلسين.
وجاءت اللحظة الحاسمة في انتخابات مجلس الشيوخ في وقت متأخر السبت، مع إعلان فوز المرشحة الديمقراطية كاثرين كورتيز ماستو في نيفادا، ما رجح كفة الحزب بنيله المقاعد الخمسين المطلوبة لضمان الغالبية.
ويمكن لنائبة الرئيس كامالا هاريس أن تؤمن بصوتها الغالبية للديمقراطيين، حتى لو نال كل حزب خمسين مقعداً بالتساوي.
ويبقى مقعد واحد لم يحسم بعد في انتخابات مجلس الشيوخ بانتظار جولة الإعادة في ولاية جورجيا المقررة في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، ويمكن للديمقراطيين من خلالها أيضاً تعزيز غالبيتهم.
خسارة كبيرة لأنصار ترمب
وقال زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إن النتيجة كانت "إثباتاً" لإنجازات الديمقراطيين، ورفضاً صريحاً "للاتجاه المناهض للديمقراطية والسلطوي والمشين والمثير للانقسام" الذي قدمه الرئيس السابق دونالد ترمب وأنصاره.
وكان ترمب من أكثر المتضررين في الانتخابات مع خسارة عديد من المرشحين الذين أيدهم شخصياً.
ومن المتوقع أن يعلن ترمب، الثلاثاء، ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2024، وهو إعلان خطط له قبل الانتخابات ليكون استكمالاً للموجة الحمراء التي توقعها.
فرصة جديدة للفوز بالنواب
وأثنت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، الأحد، على أداء حزبها القوي مشيرة عبر شبكة "سي أن أن" كيف أن الموجة الحمراء التي تنبأ بها الحزب الجمهوري والخبراء انتهت إلى أن تكون "سيلاً صغيراً هزيلاً". واعتبرت أن للديمقراطيين "فرصة للفوز" بغالبية مقاعد المجلس بعد نجاحهم في الحفاظ على غالبيتهم بمجلس الشيوخ.
وقالت في تصريح لبرنامج "حالة الاتحاد"، "ما زلنا نعتقد أن لدينا فرصة للفوز"، معتبرة أن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ هي في ذاتها "مدعاة للاحتفال".
لا تزال حظوظ الجمهوريين أعلى للفوز بغالبية مقاعد مجلس النواب، ولم يحسم بعد مصير نحو 20 من أصل 435 مقعداً في المجلس.
لكن الديمقراطيين ضيقوا الفجوة، فحتى إن فاز الجمهوريون فإن ذلك سيكون بهامش أضيق بكثير مما كان متوقعاً، وقد يكون الفارق مقعداً واحداً بين الحزبين في مجلس النواب.
وتساءلت بيلوسي باسمة "من كان يظن قبل شهرين أن هذه "الموجة الحمراء ستتحول إلى قطرة صغيرة".
وتشير تقديرات شبكتي "سي أن أن" و"إيه بي سي" إلى فوز الجمهوريين حتى الآن بـ211 من أصل 218 مقعداً مطلوباً لتشكيل غالبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت نانسي بيلوسي "لا تزال هناك كثير من الأصوات التي لم تحتسب"، وأردفت "أرى طريق المستقبل أكثر إشراقاً مما كان متوقعاً".
سيكون لتشكيلة مجلس النواب تأثير كبير في المضمون السياسي وآفاق العمل التشريعي في العامين المقبلين من رئاسة جو بايدن.
وأعلن الجمهوريون خططاً لإجراء تحقيقات متعددة حول أداء إدارة بايدن في حال فوزهم، تشمل المعاملات التجارية لنجل الرئيس هانتر بايدن وطريقة التعامل مع جائحة "كوفيد-19" والانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان.
وسئلت بيلوسي البالغة 82 سنة، وهي أول امرأة تترأس مجلس النواب، عما إذا كانت ستسعى للبقاء في المنصب إذا فاز الديمقراطيون بغالبية المقاعد.
وردت "قراري سيعتمد مرة أخرى على رغبات عائلتي وحزبي، لكن لن يتم النظر في أي منها كثيراً حتى نرى نتيجة الانتخابات النهائية".
إعادة النظر في الأخطاء
في هذه الأثناء لم يعد أمام الجمهوريين سوى إعادة النظر في الأخطاء التي حصلت، لا سيما أن الرياح السياسية كانت مواتية لهم قبل فتح صناديق الاقتراع.
وبعد حسم نتيجة مجلس الشيوخ، دعا السيناتور الجمهوري عن ولاية ميسوري جوش هاولي الحزب الجمهوري إلى "بناء شيء جديد"، وغرد على "تويتر" قائلاً "الحزب القديم مات، حان وقت دفنه".
ترمب يغرد بالتزوير
وكان رد ترمب هو الإمعان في سرد مزاعم لا أساس لها حول تزوير الانتخابات، وكتب على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال" أن النتائج كانت "خديعة"، محملاً زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل مسؤولية ما حدث.
وكتب قائلاً، "إنه خطأ ميتش ماكونيل"، مشيراً إلى أن السيناتور عن كنتاكي أساء إنفاق أموال الحملات الانتخابية.
وأضاف الرئيس السابق الذي لا يكن الود لماكونيل نتيجة خلافات بينهما منذ فترة طويلة "لقد أطاح انتخابات منتصف الولاية، والجميع يحتقره".
لكن لا يزال أمام الجمهوريين أفضلية للسيطرة على مجلس النواب، ولكن بغالبية أقل بكثير مما كانوا يتصورونه قبل الثلاثاء.
ويبقى انتظار ما ستؤول الأمور إليه بالنسبة إلى تطلعات ترمب لترشيح نفسه مجدداً للانتخابات الرئاسية ومدى تأثير الأداء الجمهوري الضعيف في مكانته بالحزب.
دعوات للتخلي عن الأفكار اليمينية
وعلى رغم أن أصواتاً جمهورية بارزة تشير إلى أن الوقت قد حان للابتعاد عن نهج ترمب في القيادة، الذي يرتكز على الأفكار اليمينية المتشددة ونظريات المؤامرة، إلا أن الرئيس السابق لا يزال يتمتع بدعم شعبي كبير ومنافسته على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة تنطوي على مخاطرة هائلة.
واعتبر حاكم ولاية ميريلاند المنتهية ولايته الجمهوري لاري هوغان أحد منافسي ترمب المحتملين في انتخابات 2024 أن على الحزب تغيير اتجاهه والمضي قدماً.
وقال هوغان الذي ينتقد ترمب بشكل صريح في برنامج "حالة الاتحاد" على شبكة "سي أن أن"، الأحد، "إنها الانتخابات الثالثة توالياً التي خسرنا فيها بسببه، وبعد ثلاث نكسات يجب أن تخرج".
وأضاف "تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً وتوقع نتيجة مختلفة"، متابعاً "ظل دونالد ترمب يردد أننا سنفوز بقوة إلى درجة السأم من الفوز. حسناً، أنا سئمت من الخسارة".
الأنظار إلى انتخابات 2024
بمجرد تبلور المشهد السياسي في مجلسي النواب والشيوخ، ستتجه الأنظار إلى سنة 2024، في ظل احتمال رؤية ترمب يعلن ترشحه، الثلاثاء، وفقاً لأحد مستشاريه المقربين.
وقال مستشاره جايسون ميلر عبر "وور روم"، البرنامج الذي يقدمه ستيف بانون المقرب من ترمب عبر الإنترنت، "سيعلن الرئيس ترمب الثلاثاء أنه مرشح للانتخابات الرئاسية".
وكان قطب العقارات لمح في وقت سابق إلى أنه قد يترشح للانتخابات الرئاسية، واعداً بأنه سيصدر "إعلاناً كبيراً" من مقر إقامته مارالاغو في فلوريدا، لكن مضمون هذا الإعلان لم يعد يثير حماسة في الأيام الأخيرة.
وسيكون هذا ترشح ترمب الثالث للبيت الأبيض، وحتى لو ظل يملك تأثيراً لا يمكن إنكاره على الحزب الجمهوري، فقد خرج ضعيفاً من انتخابات منتصف الولاية التي شهدت خسارة عدد من مرشحيه.
منافسو ترمب
في هذه الأثناء، توج حاكم فلوريدا رون ديسانتيس الذي أعيد انتخابه، الفائز الأكبر في موسم الانتخابات.
وعزز انتصار هذا النجم الجديد لليمين المتشدد مكانته كمنافس محتمل للرئيس السابق في ترشيح الحزب الجمهوري، غير أن ذلك لم يفت الملياردير الذي قاد هذا الأسبوع حملة من السخرية ممن أطلق عليه "رون لا مورال". وسيكون الثلاثاء أيضاً يوم صدور مذكرات منافس محتمل آخر لترمب، هو نائبه السابق مايك بنس.
يبقى أن انتخابات عام 2024 قد تشكل إعادة لمشهد انتخابات عام 2020، فقد أعلن بايدن هذا الأسبوع "نيته" السعي إلى ولاية ثانية، لكنه آثر ترك القرار النهائي بهذا الشأن إلى العام المقبل.