Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انهيار مفاوضات صندوق النقد يضع لبنان في مواجهة الموت

احتياطات المصرف المركزي باتت دون 9 مليارات دولار بعد أن كانت بحدود 24 ملياراً في بداية عام 2020

جدل حول حق المجلس النيابي عقد جلسات لتشريعات إصلاحية قبل انتخاب رئيس البلاد (أ ف ب)

بعد مرور ثلاث سنوات على بداية المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي من دون إحراز أي تقدم حاسم، بدأ منسوب الهواجس لدى المؤسسات الدولية يرتفع بسبب تمادي السلطات اللبنانية في عدم الاستجابة للتحذيرات من نفاد المهل المتاحة للخروج من سياسة تأخير إقرار التشريعات الإصلاحية التي تشكل حزمة شروط لازمة لإنجاز تقدم حقيقي في ملف اتفاقية البرنامج التمويلي مع صندوق النقد الدولي، إذ لا تزال الخطة الحكومية للإنقاذ والتعافي، ومعها التزامات مشاريع القوانين الموعودة في طور الصياغة غير المكتملة. وكانت السلطات اللبنانية وفريق صندوق النقد الدولي قد توصلا إلى اتفاق "تقني" على مستوى الموظفين في أبريل (نيسان) الماضي في شأن السياسات الاقتصادية الشاملة التي يمكن دعمها بترتيب تمويل ممدد مدته 46 شهراً، مع طلب الحصول على 2.1 مليون وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يناهز ثلاثة مليارات دولار.

وتكمن أبعاد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بالنسبة إلى لبنان أبعد من التمويل المتوقع بقيمة ثلاثة مليارات دولار، إذ إن الاتفاق سيكون بوابة لإعادة تفعيل مؤتمرات سابقة لدعم الاقتصاد اللبناني، مثل مؤتمر "سيدر" الذي أقر حزمة بـ12 مليار دولار لدعم مشاريع تنموية والبنى التحتية، إضافة الى استثمارات من صناديق عربية ودولية بقيمة تتجاوز ستة مليارات دولار.

وبحسب متخصصين في الشأن الاقتصادي فإن الفشل في التوصل لاتفاق يضع لبنان أمام خيار وحيد هو التوجه إلى البنك الدولي والدول والمنظمات المانحة والتفاوض على برامج محصورة في الشأن الإنساني ضمن برامج الدول الأكثر فقراً، والتي تهدف إلى البقاء على قيد الحياة ومنع موت المجتمع.

خطر داهم

وتؤكد مصادر في مصرف لبنان أن التأخير "المقصود" في الاتفاق مع صندوق النقد يستنزف قدرات البنك المركزي الذي تنخفض احتياطاته بشكل دراماتيكي لأنه يضطر للتدخل عبر تلك الاحتياطات من خلال سلسلة التعاميم التي أصدرها الحاكم رياض سلامة خلال السنوات الماضية لضبط السوق قدر المستطاع، مشددة على أن تلك الآليات المتبعة هي حلول مؤقتة باتت تشارف على نهاياتها في ظل غياب أي إجراءات سياسية جدية، الأمر الذي يأخذ البلاد في منحى خطر جداً خلال أشهر قليلة.

وتشير المعلومات إلى أن احتياطات المصرف المركزي باتت دون تسعة مليارات دولار، علماً أنها كانت بحدود 24 مليار دولار بداية عام 2020، وقد استنزفت نحو 13 مليار دولار خلال العامين الماضيين عبر سياسات دعم السلع والمحروقات في وقت لا يزال الاستنزاف مستمراً بوتيرة أقل بعد رفع الدعم من خلال منصة صيرفة التي تضخ في السوق ما يقارب 250 مليون دولار شهرياً.

وتلفت المعلومات إلى معضلة داهمة خلال المرحلة المقبلة مع دخول موازنة عام 2022 حيز التنفيذ وما قد تحمله من أرقام تضخمية على الاقتصاد اللبناني، إذ يظهر العجز جلياً بين قيمة النفقات التي حددتها الموازنة بـ40 تريليوناً و873 مليار ليرة لبنانية (نحو 1.2 مليار دولار وفق سعر الصرف بالسوق الموازية البالغ أكثر من 38 ألف ليرة للدولار)، في حين بلغت قيمة الإيرادات 29 تريليوناً و986 مليار ليرة (نحو 810 ملايين دولار)، أي إن العجز ناهز نحو 10 مليارات ليرة (نحو 390 مليون دولار)، بالتالي فقدان السيطرة على سعر صرف الدولار، حيث يشير عديد من الاقتصاديين إلى أن الإيرادات التي تنص عليها الموازنة رقمية وغير قابلة للتحقيق بأكثر من 50 في المئة.

قوانين إصلاحية

وكان الاتفاق التقني الذي أبرم بين صندوق النقد والحكومة اللبنانية قد توصل إلى برنامج من ست نقاط كالتالي:

1- توفير بيئة مواتية للنشاط الاقتصادي عبر إنجاز الإصلاحات الهيكلية الضرورية لاستعادة النمو وتأمين فرص عمل.
2- إعادة هيكلة القطاع المصرفي ليتمكن من استعادة دوره في تمويل الاقتصاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

3- تحسين المالية العامة لتأمين استدامة الدين مع زيادة النفقات على القطاعات الاجتماعية والبنى التحتية.
4- إصلاح القطاع العام ومؤسساته، وبخاصة قطاع الكهرباء لتأمين تغذية أفضل، مما يساعد في تخفيف الأعباء عن المواطنين وإنعاش الحركة الاقتصادية.
5- توحيد سعر الصرف لإزالة التشوهات في الاقتصاد.
6- تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد بمساعدة فنية من صندوق النقد الدولي.

وتضاف إلى النقاط الست أربعة قوانين إصلاحية يطالب صندوق النقد بتشريعها، وهي تعديل قانون السرية المصرفية والموازنة العامة لعام 2022 (تم إقرارهما)، والباقي هو قوانين "الكابيتال كونترول" وإعادة هيكلة المصارف وتوحيد سعر الصرف والانتهاء من تقييم موجودات مصرف لبنان للتأكد من أنها تتطابق مع القيم المعلنة.

"داء" الكهرباء والتهريب

ويعد قطاع الكهرباء وانفلات الحدود اللبنانية - السورية وتشريعها أبواب التهريب من أكبر مصادر استنزاف الموازنة العامة للدولة، حيث تقدر قيمة العجز بقطاع الكهرباء بين 1.5 وملياري دولار سنوياً في حين تجاوز تقديرات خسائر التهريب أربعة مليارات دولار سنوياً.

وفي وقت تشير فيه المعلومات إلى أنه من المستحيل تسجيل أي خرق على مستوى إقفال معابر التهريب في المرحلة الحالية نظراً إلى ضعف المؤسسات الرسمية وغياب القرار الرسمي في هذا الشأن لها اعتبارات بأمن "حزب الله"، وفق مصدر أمنى رفض الكشف عن اسمه، إلا أنه في المقابل يتم العمل على تسجيل خرق على مستوى الكهرباء، يتم الإعداد لخطة رفع التغذية في التيار الكهربائي إلى ما بين 8 و10 ساعات يومياً، وتفعيل الجباية ورفع التسعيرة إلى أعلى من سعر الكلفة.

ويتوقع، بحسب مصادر وزارة الطاقة، أن تدخل الخطة حيز التنفيذ في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إذ ستصبح تسعيرة الكهرباء كما يلي: (21 سنتاً لكل أمبير، و10 سنتات للكيلوواط في الشطر الأول لحدود 100 كيلوواط، و27 للشطر الثاني)، مما يعني رفع سعرها بحدود 13 ضعفاً عن سعرها الحالي.

أربعة عوائق

ولا يزال إقرار قانون "الكابيتال كونترول" من أبرز النقاط الخاضعة للتجاذبات السياسية، حيث فشل المجلس النيابي عدة مرات في إقرار أكثر من صيغة مقترحة للقانون، الأمر الذي أعاده مجدداً إلى اللجان النيابية لإعادة دراسته من جديد. 

وفي هذا السياق يكشف المحلل المالي نيكولا شيخاني عن وجود أربعة عوائق أساسية تواجه إقرار قانون "الكابيتال كونترول" أولها فوات الأوان على جدواها بعد مرور ثلاث سنوات على الأزمة وتآكل أو تهريب الودائع. أما النقطة الثانية فمتعلقة بالمادة 12 من خطة التعافي الاقتصادية المقترحة، والتي تنص على إعفاء المصارف وغسل يديها من كل ما حصل منذ بدء الأزمة، وإضافة نقطة ثالثة متعلقة بالصلاحيات الواسعة المعطاة للجنة الإدارية المعطاة صلاحيات واسعة جداً فضلاً عن أنها مؤلفة من أعضاء غير مستقلين في حين ولاستعادة ثقة المواطن يجب أن تتألف اللجنة من أعضاء أقله نصفهم مستقلون وليس من السياسيين أو مصرفيين. أما النقطة الرابعة فهي أن المشروع المقدم يفرض قيوداً غير محددة الأجل على الودائع منذ عام 2019، علماً أن المدة يجب ألا تتعدى ستة أشهر، وأقصاها سنة.

وعن إعادة مشروع قانون "الكابيتال كونترول" إلى اللجان المشتركة يقول شيخاني إن "صندوق النقد يضغط على الحكومة والمجلس النيابي للنظر مجدداً في هذا الملف والحكومة اليوم هي في تصريف أعمال ولا يمكنها أخذ القرارات إلا في الحالات الاستثنائية"، مشيراً إلى أن الخطة التي سبق وتم التوقيع عليها قبل أن تصبح الحكومة حكومة تصريف أعمال بيومين، "هي خاطئة فالمادة 24 تضرب الثقة بالبلد وتلزم (الهيركات) Haircut على المودع بـ60 مليار دولار ولا يمكنهم اليوم تعديلها لأن الحكومة في تصريف أعمال".

الشعب أولاً

وكانت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا قد حضت السياسيين اللبنانيين على "العمل لإرساء الاستقرار في البلاد ووضع بلادهم وشعبهم في المقام الأول بغية الخروج من أزمة اقتصادية يرزح لبنان تحت وطأتها منذ عام 2019". وقالت في مؤتمر صحافي عقدته في إطار الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي، "نحن بحاجة إلى التزام واضح على المستوى السياسي باستقرار لبنان، ضعوا بلادكم وشعبها في المقام الأول". 

وتابعت، "لا يسعنا أن نفعل شيئاً ما لم تجر الإصلاحات". وأضافت، "لا يمكن إيجاد حل إلا إذا وضع اللاعبون السياسيون انقساماتهم جانباً ووضعوا أنفسهم في خدمة الشعب اللبناني الذي لا يستحق أقل من ذلك".

الإصلاحات ضرورية

بدوره أشار مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور إلى أنه يجب إقرار الإصلاحات الاقتصادية بالكامل في لبنان حتى يتم تأمين تمويل إضافي يساعد على النهوض بالاقتصاد اللبناني، لافتاً إلى أن الإصلاحات ضرورية نظراً إلى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي وارتفاع التضخم وتراجع القدرة الشرائية، موضحاً أن إصلاح المؤسسات العامة ومعالجة مشكلة الحوكمة ومحاربة الفساد، هذه الأمور موجودة في الاتفاقية، وتنفيذها يسرع في عملية دول البرنامج حيز التنفيذ.

وكشف في تصريح صحافي عن أن توصيات صندوق النقد في شأن سعر الصرف أن يكون مرناً ويتحدد بحسب العرض والطلب، موضحاً أن قانون السرية المصرفية يجب أن يكون واضحاً وشفافاً، مؤكداً أن موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية إيجابي، لكن الإصلاحات ما زالت ضرورية، وهي مدخل أساسي لمعالجة الاقتصاد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير