لا تزال الصدمة الكبيرة التي عايشها الشعب الصومالي إثر التفجيرين المتتاليين اللذين شهدهما تقاطع "سوبي" التجاري النشط وأوديا بحياة أكثر من 100 قتيل ملموسة في أحاديثهم وما يطرحونه في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن المكان ذاته شهد حادثة هي الأفظع قبل خمسة أعوام.
وربما تكون حال الهدوء التي تشهدها العاصمة مقديشو مؤشراً إلى الحزن الكبير الذي يقبع في أذهان أبنائها ويثقل على صدورهم بعد سقوط أكثر من 100 قتيل، إضافة إلى أزيد من 300 جريح.
ومع تصاعد العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الحكومية الصومالية بمساندة متطوعين من أبناء محافظات جنوب البلاد، يزداد وضع حركة "الشباب" المتطرفة حرجاً، خصوصاً مع الهزائم التي تتكبدها وسلسلة الانسحابات غير المسبوقة التي أجبرت عليها.
إلا أن الحركة أثبتت أن في جعبتها مزيداً من الرعب والعمليات الدامية التي يمكنها أن تثبت وجودها عبرها وإن أدى ذلك إلى سقوط مئات الأبرياء قتلى وجرحى وتدمير ممتلكات العشرات وإفقار أضعافهم ممن يفقدون معيليهم وموارد رزقهم.
تفجير جديد
لم يمض أسبوعان على إحياء الذكرى الخامسة لعملية "تقاطع سوبي" الإرهابية الأفظع التي نفذتها حركة "الشباب" المتطرفة في 14 أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2017 عبر تفجير شاحنة محملة بأطنان من المواد المتفجرة موقعة حينها أكثر من 600 قتيل وأكثر من 1000 جريح، إضافة إلى أعداد غير محققة من المفقودين، بحسب الضابط في الشرطة الوطنية الصومالية عبدالرشيد علي، ليأتي تفجير جديد في المكان ذاته.
وقال علي إن "تفجير سوبي الأخير أوقع أكثر من 100 قتيل و300 جريح وانتشرت آثاره التدميرية في دائرة تجاوز نصف قطرها الكيلومتر"، ويعتقد الضابط العامل في قطاع الحمايات بأن العملية الأخيرة محاولة من الحركة الإرهابية للتغطية على التراجع الحاصل في قوتها وقال "تؤكد العملية الأخيرة ليس فقط استمرار الحركة في استباحة دماء الأبرياء، بل تعمدها العودة لتكثيف عملياتها الإرهابية محاولة إثبات عدم جدوى توجه الحكومة نحو استئصال نفوذها عبر التسبب بمزيد من الألم لمواطني العاصمة الذين يعيشون في رعب دائم منها ومن تغلغل خلاياها النائمة وعناصرها المتحركة في جميع أنحاء المدينة".
من المسؤول عن استمرار التفجيرات
التصعيد الذي أعلنه رأس السلطة الصومالية تجاه الحركة الإرهابية ونجاحها في تنفيذ عملية بالحجم الذي حصل أخيراً أثار تساؤلات بعضهم، فقال المحلل السياسي محمود موسى حسين "لم يكن خفياً الإصرار الذي أظهره الرئيس حسن شيخ محمود على المضي قدماً نحو نقل المعركة إلى معاقل الحركة المتطرفة مع التركيز على تجفيف مواردها المالية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "وكذلك فرض التزام المؤسسات التي تقدم الخدمات المالية والاتصالات بقرارات تسمح بتتبع مصادر تمويل الحركة لمحاسبة من يسهم في دعمها مادياً والدعوة إلى عدم الانصياع وراء التهديدات التي توجهها للتجار ورجال الأعمال بغرض ابتزازهم والحصول منهم على إتاوات تحت مسميات الزكاة والضرائب"، وأشار إلى وجود شكوك كبيرة حول تعاون بعض القيادات الأمنية مع الحركة لسبب أو لآخر بقوله "استمرار دخول المواد المتفجرة إلى البلاد من خارجها عبر منافذ تحت سيطرة الدولة والتساهل مع العربات ووسائل النقل التي تحمل تلك المواد على خلاف المتوقع يعيدان التساؤل إلى أجهزة الدولة حول جدية قياداتها وفروعها في الاستجابة للتوجه الرئاسي المعلن، مما يفرض الانطباع بوجود اختراقات نجحت فيها الحركة المتطرفة ضمن أجهزة الأمن الحكومية وعلى مستويات عدة".
ولفت حسيت إلى أن ذلك "أمر في غاية الخطورة، ليس فقط على نجاح مساعي الرئيس للقضاء على الحركة، بل يجعل العاصمة مسرحاً لرد الحركة على الضربات الموجعة التي تتلقاها في الأقاليم، مما يزيد زعزعة الوضع الأمني في العاصمة ويجعل المقيمين فيها عرضة لمزيد من المآسي والآلام".
المقاومة مستمرة تشتد وتتنوع
مر سكان العاصمة الصومالية بكثير خلال العقود الماضية شأنهم شأن مناطق البلاد الجنوبية، لذا طوروا آليات للتكيف والمقاومة تفاوتت بحسب ما تتيحه الأوضاع.
الباحث زكريا آدم قال إن "مظاهر مقاومة المدنيين الصوماليين للرعب الذي تزرعه حركة الشباب المتطرفة تنوعت وترسخت على مدى عقد ونصف، ففي العاصمة مقديشو يسارع المواطنون إلى التبرع بالدماء وجمع المساعدات المالية لكلف إنقاذ الجرحى ومعالجتهم ويقوم متطوعون من الأحياء المتضررة وغيرها بالتجمع لإزالة الركام وآثار التفجير سريعاً للمساهمة في إعادة ترميم الأبنية واستئناف الحياة الطبيعية للحد من الأثر النفسي للعمليات الإرهابية في أقل وقت ممكن".
وحول مستجدات القتال الذي تشارك فيه القبائل ضد الحركة أشار آدم إلى "انتظام العشائر بكثافة في القتال ضد عناصر الحركة على عكس الاشتباكات الفردية النمطية التي كانت تحدث بين الفينة والأخرى".
ووصف الأمر بأنه "تطور نوعي في مقاومة الشعب الصومالي للحركة، خصوصاً مع قيام رجال العشائر بقلب طاولة الحرب النفسية التي كانت حكراً على الحركة، على رغم حداثة الهبة العشائرية الأخيرة"، وأوضح أن "رجال العشائر تعمدوا جمع أكبر عدد ممكن من جثث قتلى الحركة لعرضها تأكيداً على إمكانية هزيمتهم وتبديداً للخوف الذي زرعوه في القلوب، بل بالغوا في ذلك بإقامة حلقات الرقص التقليدي على مرمى حجر من تلك الجثث كما حدث أخيراً بالقرب من بلدة عيل هرري".