Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ضرب التلاميذ وسيلة غير ناجعة تعرف انتشارا في بلدان عربية

يطالب متخصصون بضرورة تعميم ثقافة اعتماد طرق تربوية للعقاب

لعل أفضل أساليب وممارسات العقاب بحسب تربويين هي تعليم التلاميذ ما يجب أن يفعلوه بإعطائهم سلوكاً بديلاً (أ ف ب)

على رغم تغير عقلية الأولياء إزاء ضرب أطفالهم في المدارس باعتباره سلوكاً غير محبذ في بعض البلدان العربية وممنوعاً قانوناً في بلدان أخرى، فإن طريقة الضرب ما زالت سائدة في مجتمعات عربية عدة وينظر إليها كوسيلة "ضرورية لفرض الانضباط وجبر التلميذ على تحسين مردوده الدراسي، وكل ما هو غير ذلك فهو تدليل للطفل وانحلال أخلاقي".
يقول إبراهيم وهو رجل تونسي خمسيني "كبرنا بالضرب وكنا نتعلم بالضرب من طرف المعلم". ويرى إبراهيم في القوانين الجديدة التي وضعت لمنع المعلم من تأديب التلاميذ "ظاهرة غريبة على المجتمع أسهمت في انحلال أخلاقي لجيل بأكمله"، وصفه بـ"الجيل العنيد الذي لا يحترم العادات والتقاليد ولا يحترم حتى من يعلمه".
من جهة معاكسة تماماً، تقول هالة إنها تعتني جيداً بمعاملة المعلمين لابنتها، وهذا ما جعلها تفضل المدرسة الخاصة "لأن عدد التلاميذ أقل والاهتمام بنفسية الطفل تكون ضمن أولويات الإدارة والمعلم".

تحقير وإذلال

من جهته، يعرف كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة عامر الجريدي، العقاب إجمالاً على أنه "حركة أو رد فعل في أغلب الحالات تجاه مَن ارتكب خطأ أو خطيئة بغاية منعه من تكراره". إلا أن "المقصد الإصلاحي في العقاب"، بحسب الجريدي، قد يؤول إلى "المنع آنياً وإلى العكس لاحقاً إن كان عنيفاً. ذلك أن العقاب العنيف الغاضب جداً يؤول في بعض الأحيان إلى خلق سلوك لا اجتماعي وعدائي ومنحرف لدى الطفل. كما أن تسليط العقاب إثر كل خطأ أو هفوة سلوكية يرتكبها الطفل أو التلميذ هو غير ذي جدوى ويحدِث مفعولاً سلبياً في نفسيته".
ويرى الجريدي أن "العقاب يكون ناجعاً إن حصل مباشرة بعد الفعلة أو الخطأ، وبأسلوب إيجابي مدروس. ثم إن العقاب وحده لا يترتب عنه سلوك جديد، هو فقط يبين ما لا يجب أن نفعله، وليس ما يجب فعله بدلاً عن السلوك الذي استوجب العقاب". ويضيف أن" العقاب الشائع معنوي أو مادي هو عنيف في طبيعته، مثل التحقير والترذيل أو اللوم الشديد والصراخ أو يكون عقاباً بدنياً أو تكليفاً بعمل غير مرغوب فيه. بالتالي، لا يمكن إحداث تغيير إيجابي في السلوك لاحقاً عبر سلوك سلبي عنيف. فمثل هذا العقاب السائد هو سبب مهم من أسباب الانحرافات السلوكية أو في حالات ألطف، اختلالات التوازن النفسي وعدم ثقة في النفس، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، والشعور بالنقص".
ولعل أفضل أساليب وممارسات العقاب الواجب توخيها بحسب الجريدي هي "تعليم التلاميذ ما يجب أن يفعلوه، أي إعطاءهم سلوكاً بديلاً من السلوك الذي أوجب العقاب"، مواصلاً أن بعض الإخصائيين النفسيين يشيرون إلى استعمال تقنية "الأربعة ماذات" المتمثلة في طرح أربعة أسئلة على الطفل حول سلوكه: "ماذا فعلت؟ ماذا حصل عندما فعلت ذلك؟ ماذا كان بإمكانك القيام به بدلاً عن ذلك؟ وأخيراً ماذا يمكن أن يكون حصل لو قمت بذلك؟".
ويرجح الجريدي أن يكون "العقاب العنيف والانفعالي من قبل المدرس، من بين أسباب انهيار المنظومة التعليمية، ولعله من العناصر المحورية في إصلاح المنظومة التعليمية. ذلك أنه لا إصلاح ناجحاً للمدرسة من دون عقاب مدروس وصادق ورصين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


إيذاء بدني ومعنوي

من جانبها، تقول الإخصائية النفسية بوزارة التربية التونسية مريم كريم إن "العقاب المادي الذي يمارسه بعض المدرسين ضد الطلاب منتشر في تونس وبعض البلدان العربية رغم القوانين الصارمة ضده". وتفيد في السياق ذاته، "تصلنا يومياً حالات لطلبة تعرضوا للعنف من طرف مدرسين، من أجل معالجة الأثر النفسي لذلك عليهم، خصوصاً الأثر السلبي الذي خلفه هذا الاعتداء بالعنف أو الإيذاء البدني والمعنوي".
وتعتبر مريم كريم أن العقاب بطرق غير تربوية "يخلف عدم الثقة بالنفس والتخلف في الإعداد المدرسي وذلك بدرجات متفاوتة. هذه المخلفات النفسية قد ترافق التلميذ لسنوات طويلة تصل في بعض الأحيان إلى الانقطاع عن الدراسة بسبب النظرة العدوانية والحقد الذي يكنه التلميذ المعنف للمدرسة والتعليم".
وتفيد كريم أن "عديداً من البلدان العربية أصبحت تفكر بجدية في أن العقاب الذي يصل إلى حد التعنيف ليس وسيلة ناجعة للتربية وفرض الانضباط مما جعل بعض هذه الدول تضع قوانين لمنعه"، لافتة في ذات الوقت إلى "أنواع أخرى من العقاب، علمية وتربوية ولا آثار نفسية سلبية لها على الطالب، بل بالعكس، تسهم في صقل موهبته وجعله يحترم قوانين المدرسة ويتعلم ثقافة الاعتذار، ويحاول إصلاح نفسه".
وذكرت الإخصائية النفسية على سبيل المثال، أنه "يمكن معاقبة التلميذ بحرمانه من أنشطة ثقافية أو رياضية وذلك بتحديد الوقت أو إلزامه دروساً إضافية أو حرمانه من الرحلات المدرسية أو تهديده بإبلاغ ولي أمره". وتفيد مريم كريم أن "تطبيق العقاب لا يكون إلا بعد التنبيه مرات عدة على التلميذ"، وبالتالي ترى أن "اللجوء أحياناً إلى هذا النوع المدروس من العقاب ضروري لضمان السير العادي للدروس وفرض الانضباط".
وزادت المتحدثة ذاتها أن "العقاب يمكن أن يعطي نتائج مبهرة في تغيير سلوك الطفل لكن يجب أن يكون بمواصفات مدروسة"، وبحسب اطلاعها على تجارب عربية أخرى تقول إن "الجزائر والمغرب والأردن ولبنان تقريباً على نفس الطريق نحو منع تعنيف الطلبة"، إلا أنها ترى أن "تجربة تونس أكثر تطوراً لأنها شُفعت بقوانين صارمة في مجلة حقوق الطفل التي تمنع ضرب وتعنيف الطفل مادياً أو معنوياً وتعاقب مرتكبه قضائياً".

المقارنة لا تجوز

أما عندما نقارن البلدان العربية بالغربية فتقول كريم إن "المقارنة لا تجوز في ظل عدم توفر نفس الظروف"، مفسرة أنه "لا يمكن الحديث عن مقارنة مثلاً والمعلم في تونس أو بعض البلدان العربية مسؤول عن 30 أو 40 تلميذاً، ونطلب منه أن تكون أعصابه هادئة وألا يغضب أحياناً". وتستدرك "لا أبرر التصرفات غير المسؤولة لبعض المدرسين لكن يجب أن نتفهم الوضع الذي يعيشه المعلم أحياناً، كما لا نستطيع مقارنة زمن مدرسي مدروس في بلدان غربية وراحة كل ساعتين، بزمن مدرسي مضغوط في بعض الدول العربية على غرار تونس".
وترى كريم أن "الأولياء اليوم عكس أولياء العقود السابقة يرفضون العقاب المسلط على أبنائهم من طرف المدرسين وحتى التلميذ في حد ذاته أصبح أكثر وعياً بحقوقه ويرفض تسليط هذه العقوبات المهينة عليهم". وتذكر أن "52 إخصائياً نفسياً مدرسياً على ذمة وزارة التربية والتعليم أي بمعدل إخصائي واحد لـ76 ألف تلميذ، غير كافٍ، في ظل تصاعد وتيرة العنف وانتشار مرض التوحد وإشكالية صعوبة التعلم، وتلاميذ ضحايا عنف ووضعيات اجتماعية صعبة".

المزيد من منوعات