Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ألقى الرجل المغربي المسؤولية الأسرية على عاتق الزوجة؟

تزايد أعداد النساء العاملات بقطاعات غير معهودة عليهن كانت في السابق للرجال فقط

آثار جائحة كورونا وتدني القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار عوامل أدخلت بعض الأسر المغربية في صعوبات اقتصادية  (أ ف ب)

بدأت بنية المجتمع المغربي تلحظ تغييراً من حيث تزايد أعداد النساء العاملات، لا سيما في قطاعات لم تكن معهود عليهن، كانت في السابق للرجال فقط، مثل حراسة السيارات وأعمال نظافة الشوارع وإصلاح الآلات الكهربائية وغيرها. ويعود السبب في ذلك إلى تولي تلك النساء (الأميات في الغالب) مسؤولية رعاية عائلاتهن، سواء بسبب حالات الطلاق (التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في المغرب)، أو بسبب خمول عديد من الرجال ورفضهم العمل وتفضيلهم الاتكال على زوجاتهم لتأمين الحاجات المالية. فهل تخلى الرجل عن دوره ومسؤوليته تجاه أسرته، وهل باتت المرأة تتولى عبء العائلة ومتطلباتها؟

تحولات اجتماعية

وبهدف رعاية الأسرة أو المساهمة في ذلك، تجد المرأة المغربية نفسها تقبل بأي فرصة عمل متاحة، وإن كانت تتم في ظروف قاسية. وبحسب الباحث المغربي في علم الاجتماع محمد قنفودي، يمكن قراءة التحول الملاحظ في خروج المرأة للعمل واقتحامها مهناً ذكورية، فضلاً عن إعادة تقسيم الأدوار بينها وبين الرجال إلى عدد من التغيرات المتداخلة بين ثلاثة مجالات: ما هو سوسيولوجي، إذ نلحظ بحسب الباحث أن التحولات الاجتماعية البنيوية التي يعيشها المجتمع المغربي اليوم أعادت تعريف الأسرة التقليدية الأبوية التي كانت تخضع لسلطة الأب أو الجد، ومنها أيضاً الثقافة الذكورية التي تعطي للأخ السلطة على الأخوات الإناث. وأيضاً انتقالها من مفهوم الأسرة الممتدة التي تميزت، فضلاً عن سلطة الرجل بالتضامن الاجتماعي والاقتصادي في التدبير المعيشي اليومي إلى الأسرة التي اشتركت في تدبيرها النساء (الأمهات والأخوات) إلى جانب رب الأسرة أو معيلها.

وأشار إلى مساهمة ذلك في بروز تكافل أسري أعاد تشكيل العلاقة الزوجية والأسرية على أساس التعاون المادي، ما دفع الأمهات وحتى الأبناء الإناث للبحث عن فرص عمل تسهم في تدبير الأزمات المالية، لا سيما لدى للأسر الفقيرة والمهمشة، بالتالي إعادة التفاوض على استغلال الفضاء العام وإعادة بناء قناعات مشتركة بين النساء والرجال، تبنى على تقبل وجود النساء ضمن المهن الذكورية.

أما من الناحية الاقتصادية، فيوضح قنفودي أن ارتفاع المستوى المعيشي، نتيجة توالي موجات الجفاف وآثار جائحة كورونا وتدني القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار والتضخم، كلها أدخلت عدداً من الأسر المغربية من ذوي الدخل أو الموارد المحدودة في صعوبات اقتصادية، جعلت دخل رب الأسرة (الأب) غير ملبٍ لاحتياجاتها الأساسية، كما أن غياب الدخل نتيجة فقدان الشغل وعدم توفر فرص العمل اضطر النساء للخروج للعمل ضمن المهن المتوفرة والمتاحة لتأمين قوت أسرهن اليومي. كل ذلك يؤكد أن اقتحام النساء لمهن "ذكورية" قد لا يكون نتيجة اختيار أو تفضيل بقدر ما يعكس واقع عدم توفر بدائل أخرى.

وبخصوص الجانب الثقافي، يشير الباحث إلى وجود تحول ملحوظ في ذهنية الأفراد ومواقفهم بخصوص المرأة ودخولها سوق العمل، فقد انتقل المفهوم السائد من الانغلاق الثقافي حول حصر أدوار المرأة في الفضاء الخاص (البيت) إلى تقبل مشاركتها الرجل في الفضاء العام وهو انفتاح اتسع إلى تقبل وجود النساء في "مهن ذكورية" كانت لوقت قريب حكراً على الرجال. ورأى أن هذا التقبل ليس عاماً إذ لا يزال البعض متمسكاً بفكرة عدم السماح للمرأة بخوض مجال العمل.

حالات

تشكو رشيدة الغربي قائلة، إن زوجها اعتاد الجلوس في المنزل ولا رغبة له في البحث عن فرصة عمل، موضحة أنها اضطرت للعمل في أحد مصانع النسيج لتحمل مصاريف العائلة إثر توقف زوجها عن العمل. من جانبه يوضح زوجها جواد. س، أن جائحة "كوفيد" خلقت أزمة اقتصادية نتج عنها تقلص في سوق العمل وهو ما أرغمه على مواجهة البطالة "في وقت يفضل فيه بعض المشغلين في بعض المجالات توظيف النساء لكونهن يقبلن بأي شروط"، على حد تعبيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبها، توضح ثورية محمد أنها اضطرت إثر وفاة زوجها للعمل في تنظيف الشوارع لإعالة أبنائها ووالدتها، مشيرة إلى وجود زميلات لها ممن اخترن العمل طواعية لمساعدة أزواجهن على المصاريف وإلى وجود أخريات أجبرن على العمل إما بعد طلاقهن أو وفاة أزواجهن، وإما لعدم رغبة أزواجهن في تحمل المسؤولية، و"هناك أزواج يرغمن زوجاتهم على إعطائهم راتبهن كاملاً لكي يبعثروه في شراء السجائر أو المخدرات أو الخمر أو لعب القمار".

لم يتغير الوضع

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، ثورية التناني لا ترجح فكرة تخلي الرجل عن المسؤولية الأسرية لحساب المرأة، مشيرة إلى توالي ظروف من قبيل جائحة كورونا التي فرضت واقعاً اقتصادياً واجتماعياً معيناً، وأن التحولات المتلاحقة التي يشهدها العالم أنتجت تغيرات سياسية واجتماعية وثقافية، قوضت أسس التفكير التقليدي بخصوص بنية الأسرة. ورأت أن التحولات التي أنتجتها الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة وتراجع القدرة الشرائية، أرغمت النساء على العمل للمساهمة في تحمل حاجات الأسرة، وليس لأخذ دور الرجل من خلال تحمل المسؤولية كاملة. في المقابل توضح الناشطة الحقوقية أن "عادة ما نلحظ تملص الرجال من مسؤولياتهم في حالات الطلاق، بحيث يرفض عدد من الرجال الإنفاق على أولادهم لاسيما حينما تحظى طليقاتهم بحضانة الأبناء.

ظاهرة الاتكال

ويتساءل جواد. س "أين العيب إذا عملت المرأة في وظيفة معينة وأعالت أسرتها، وذلك بعد سنوات طويلة من قيام الزوج بذلك الدور؟ لماذا لا يتم الحديث عن تضحيات الرجل الذي يكافح في سبيل كسب قوت أسرة، في حين تفتح سجالات وإشادات حول عمل المرأة؟ ألا تقوم مؤسسة الزواج على التكافل والتضحية؟".

من جانبه، يوضح محمد قنفودي أن ظاهرة اتكال الأزواج على زوجاتهم يدخل بدوره ضمن التحولات القيمية التي تعيشها الأسر المغربية، التي مست جوانب متعددة، منها تجاوز الثقافة الاجتماعية التي أسهمت في تغيري معيار القيم حول وظائف وأدوار الرجل كمعيل أساسي للأسرة، إلى تقبل أشكال جديدة من التدبير المالي للأسرة، مقابل اعتياد الرجل على وضعية البطالة والاتكالية. واعتبر أن هذه الحالات وعلى الرغم من أنها محصورة وغير عامة، فإنها تندر بتغيرات في التركيبة الأسرية من الناحيتين القيمية والاجتماعية، وتمكن المرأة من تولي أدوار وظيفية، تعتبر فيها فاعلاً ومنتجاً وليس مستقبلاً ومستهلكاً.

وضعية صحية

وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لمبدأ عمل المرأة، بالنظر لانعكاساته على تربية الأولاد وتماسك الأسرة، تشدد الناشطة ثورية التناني على كون عمل النساء يشكل ظاهرة صحية، لأن العمل يسهم في تطوير مكانتهن وفي تحررهن، بغض النظر عن مدى اتكال أزواجهن عليهن في مصاريف البيت، وباعتباره يسهم في توسيع نطاق استقلاليتهن. وفي شأن خصوصيات العمل اليدوي الذي تلجأ إليه معظم النساء في الأوساط الاجتماعية الفقيرة. تقول التناني، إن ذلك المجال يعاني ضعف التنظيم وغياب الهيكلة، ما يسهم في ضياع حقوق بعضهن.

أرقام

كشفت إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط (الحكومية) لعام 2020 أن22.3  في المئة من مجموع المواطنين الناشطين (القادرين على العمل)، البالغ عددهم 10 ملايين و772 ألف شخص، هن نساء، وأن 16.7 في المئة من الأسر المغربية، البالغ عددها ثمانية ملايين و438 ألف أسرة، تسيرها نساء، وأن 12.8 في المئة من المقاولات المغربية تسيرها سيدات.

تضيف المندوبية أن نسبة وجود المرأة في مناصب المسؤولية في الوظيفة العمومية بلغ 23.5 في المئة. وتشير الإحصاءات إلى أن قطاع الفلاحة والغابات والصيد البحري يشغل أكبر نسبة من النساء في حصة التشغيل النسائي في المغرب بـ43.3 في المئة، يليه قطاع الخدمات بنسبة 42.4 في المئة، ثم قطاع الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية بنسبة 13.8 في المئة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير