Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدول المصدرة للغاز تحذر من "خلط الاقتصاد بالسياسة"

فاتورة دعم الطاقة الأوروبية تصل إلى 712 مليار دولار ومحللون يقولون إن الصراع بين المنتجين والمستهلكين مثل لعبة "القط والفأر"

وزير البترول المصري طارق الملا متحدثاً خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري الـ24 لمنتدى الدول المصدرة للغاز (أ ف ب)

يبدو أن الدول المصدرة للغاز انتهجت المسار نفسه لدول تحالف "أوبك+" تحت شعار "عدم خلط الاقتصاد بالسياسة"، محذرةً من أن التدخلات في أداء السوق قد تزيد من حدة اختناقها.

البيان الختامي للاجتماع الـ24 لمنتدى الدول المصدرة للغاز في القاهرة أعرب عن القلق العميق بشأن محاولات تغيير آلية تسعير الغاز وإدارة مخاطر أداء السوق وفرض حدود قصوى للأسعار بدوافع سياسية.

كما حذر من أن التدخلات في أداء السوق يمكن أن تحبط الاستثمارات وتضر بكل من المنتجين والمستهلكين على حد سواء.

في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، قررت دول تحالف "أوبك+" في اجتماع بفيينا خفض حصص الإنتاج بشكل كبير، بهدف دعم الأسعار المتضررة من مخاوف حصول انكماش.

واتفق ممثلو الدول الأعضاء الـ13 في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاؤهم العشرة على خفض بمقدار "مليوني" برميل في اليوم لشهر نوفمبر (تشرين الثاني).

وهي الخطوة التي اعترضت عليها الولايات المتحدة الأميركية، وأعربت في تصريحات رسمية عزمها خفض الاعتماد على "أوبك+" ومنتجي النفط الأجانب، وذلك بعد أن اتفقت مجموعة منتجي النفط على أكبر تخفيضات في الإنتاج منذ جائحة كوفيد-19 عام 2020.

وشهدت القاهرة أمس الثلاثاء، 25 أكتوبر (تشرين الثاني)، انعقاد الاجتماع الـ24 لمنتدى الدول المصدرة للغاز برئاسة وزير البترول المصري طارق الملا، وحضور وزراء الطاقة ورؤساء الوفود من الدول الأعضاء، إذ ضمت كلاً من الجزائر وبوليفيا وغينيا الاستوائية وإيران وليبيا ونيجيريا وقطر وروسيا وترينداد وتوباجو وفنزويلا، ومن المراقبين كلاً من أنغولا وأذربيجان والعراق وماليزيا وموزمبيق والنرويج وبيرو والإمارات.

وقت حرج

وقال وزير البترول المصري طارق الملا في الكلمة الافتتاحية إن "الاجتماع يأتي في هذا الوقت الحرج، إذ تتوجه كل الجهود العالمية نحو تحقيق هدف ثلاثي للطاقة، وهو أمن واستدامة ووفرة الطاقة".

وأكد أن "الغاز الطبيعي يعد الوقود الهيدروكربوني الأنظف وينظر إليه باعتباره الحل الأفضل لتحقيق هذا التوازن، ولذلك مصر متحمسة للعمل مع كل الدول الأعضاء بالمنتدى لتطوير مبادرات واقعية وقابلة للتطبيق يمكن من خلالها ضمان أمن الطاقة وتحول طاقي عادل".

وشدد البيان الرسمي الختامي الصادر عن وزارة البترول المصرية على أن "أهداف منتدى الدول المصدرة للغاز هي دعم السيادة الدائمة للدول الأعضاء على مواردهم الطبيعية وقدراتهم على التخطيط باستقلال وإدارة موارد الغاز الطبيعي المستدامة الكفء وتطويرها بشكل واع بيئياً واستخدامها والحفاظ عليها لصالح شعوبهم من خلال التعاون مع دول الجوار من دون معوقات".

كما أكد البيان "أهمية التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء ودعم الحوار الواضح والصريح بين المنتجين والمستهلكين وجميع الأطراف ذات الصلة، بهدف ضمان أمن كل من العرض والطلب، علاوة على ضمان شفافية وعدالة وانفتاح أسواق الغاز".

وأشار إلى "أن سوق الغاز الطبيعي تمر بتغيرات جذرية من حيث الكميات التي يتم ضخها والترتيبات الخاصة بالعقود والاستثمارات، كما لاحظ أن مراكز الغاز تشهد تقلبات شديدة وأسعار عقود الغاز طويلة الأجل تعد أكثر استقراراً ويمكن التنبؤ بها".

وأعرب البيان عن قلق الدول الأعضاء العميق بشأن محاولات تغيير آلية تسعير الغاز وإدارة مخاطر أداء السوق وفرض حدود قصوى للأسعار بدوافع سياسية، مؤكداً أن "هذه التدخلات في أداء السوق يمكن أن تزيد من حدة الاختناقات، وتحبط الاستثمارات وتضر بكل من المنتجين والمستهلكين على حد سواء".

تراجع استثمارات الغاز

وأشار البيان إلى أن "النقص في استثمارات الغاز منذ عام 2015 يرجع إلى انخفاض الأسعار والدعوات المضللة للتوقف عن الاستثمار في مشاريعه التي نتج منها خلل في العرض والطلب، مما أدى إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية وأصبحت أوروبا حالياً الوجهة المفضلة لشحنات الغاز الطبيعي المسال لتعويض الكميات التي تم خفض ضخها في خطوط الأنابيب، ومن المتوقع أن يستمر اختناق السوق على المدى المتوسط، إذ إن أغلب المشاريع الجديدة ستوضع على الإنتاج عقب عام 2025".

ولفت إلى أن "مشاريع الغاز الطبيعي تسهم في مزيج الطاقة بنسبة 23 في المئة حالياً، تزداد إلى 26 في المئة عام 2050 مدعومة بالنمو السكاني، وتضاعف إجمالي الناتج الكلي، وارتفاع مستوى المعيشة، والسياسات والتكنولوجيات التي تستهدف تحسين جودة الهواء وتخفيف آثار تغير المناخ"، مؤكداً "أهمية تطوير البنية التحتية الأساسية للطاقة، وضمان التدفق الحر للغاز واستقرار أسواق الغاز العالمية وإدانة أية هجمات متعمدة لإلحاق الضرر بها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبه قال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، الرئيس المناوب للدورة الحالية للمنتدى، إن "هذا الاجتماع يأتي في وقت مهم يتطلب خيارات وحلولاً ابتكارية لضمان أمن إمدادات الطاقة وتلبية الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي وتحقق التوازن مع أهداف التنمية المستدامة"، مشيراً إلى أهمية الحوارات والمناقشات وورش العمل التي يقوم بها المنتدى لدعم أهداف صناعة الغاز كمورد محوري في توفير إمدادات موثوقة للطاقة يحتاج إليها الجميع.

وقال وزير الطاقة القطري سعد شريدة الكعبي إن "الأزمة العالمية الحالية توضح الدور المهم الذي تقوم به صناعة الغاز الطبيعي في إيجاد مستقبل جيد وضمان إمدادات الطاقة وتحقيق أهداف التحول الطاقي نحو اقتصاد منخفض الكربون"، مشيراً إلى أهمية الحوار المستمر حول تحقيق تلك الأهداف بين المستثمرين والمنتجين والمستهلكين وأهمية دور المنتدى في دعم رؤية صناعة الغاز الطبيعي وجذب الاستثمارات اللازمة لذلك.

تصدر 72 في المئة من الإنتاج

ومن جانبه أكد الأمين العام للمنتدى محمد هامل "أهمية الحوار البناء والتعاون المشترك لمواجهة التحديات المتعددة التي يواجهها العالم، خصوصاً في أزمة الطاقة والتغيرات المتلاحقة التي تشهدها الأسواق".

وأوضح أن "منظمة الدول المصدرة للغاز تضم 19 دولة من أربع قارات، وتمثل 72 في المئة من صادرات الغاز في العالم منذ إنشائها عام 2001"، وأن "إجمالي استهلاك الغاز يمثل 23 في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة، ومن المستهدف أن يصل إلى 26 في المئة بحلول 2050، باعتباره وقوداً أحفورياً نظيفاً وسيلعب دوراً محورياً في التحول الطاقي بشكل عادل وسلس نحو الطاقة الجديدة والمتجددة".

وقال وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولغينوف إن "تباطؤ الاقتصاد العالمي منذ فبراير (شباط) الماضي والتحول إلى الاقتصاد الأخضر وانخفاض الاستثمارات في صناعة الغاز العالمية، وتسييس التجارة الدولية للغاز وفرض العقوبات على موسكو بعد إيران وفنزويلا أدى إلى خلخلة الاستقرار العالمي، وأدى تخلى أوروبا عن الغاز الروسي وقفزات في أسعار الغاز بمعدلات مرتفعة".

وأشار إلى أن "هناك نتائج سلبية على المستهلكين والمنتجين، وأن تلك الإجراءات ستقوض الأوضاع وينتج منها تأثير سلبي في الوضع الاقتصادي"، وقال إن "المنتدى يجب أن يظل محايداً، وأن يهدف إلى دعم البنية التحتية".

وأضاف المسؤول الروسي أن "عقود الغاز طويلة الأجل هي أحد الحلول لجذب استثمارات في مشاريع الغاز وتمثل شبكة حماية للعرض والطلب واستقرار سوق الغاز".

وضع سقف لأسعار الغاز

في تلك الأثناء، تتواصل مساعي الدول الأوروبية للاتفاق على وضع حد أقصى لسعر الغاز المستورد بما في ذلك الروسي، إذ جاء اجتماع منتدى الدول المصدرة للغاز أمس الثلاثاء، بعد أقل من أسبوع من انتهاء محادثات قمة بروكسل لدول الاتحاد الأوروبي على مدار يومي 20 و21 أكتوبر الحالي من دون اتفاق بشأن ما إذا كان سيجري وضع حد أقصى للأسعار بعد أن تمسكت ألمانيا برفضها، وأعلنت دول الاتحاد مواصلة دراسة الخيارات لوضع سقف للتكاليف.

ووفقاً لوكالة "رويترز"، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين "لدينا الآن خريطة طريق جيدة جداً ومتينة لمواصلة العمل بشأن موضوع أسعار الطاقة". وأضافت "أيد قادة الاتحاد الأوروبي المقترحات التي قدمتها المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع لإطلاق معيار سعر بديل للغاز الطبيعي المسال والشراء الطوعي المشترك للغاز، على رغم أن القوانين لتحقيق ذلك ستحتاج إلى التفاوض بشأنها خلال الأسابيع المقبلة".

تناغم بين "أوبك+" والدول المصدرة للغاز

في غضون ذلك أكد المتخصصون في حديثهم لـ"اندبندنت عربية" على وجود تناغم كبير بين دول تحالف" أوبك+" والدول المصدرة للغاز في التصدي لمحاولات الغرب وأميركا لتسييس الاقتصاد.

وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال قال إن "الدول المصدرة للغاز تسير على نهج دول تحالف أوبك+ في التصدي لمحاولات دول الاتحاد الأوروبي لخلط الأوراق السياسية بالاقتصاد في محاولة لتركيع روسيا".

وأوضح أن "دول تحالف أوبك+ تصدت بالفعل للمحاولات ورفضت الضغط الأميركي الرافض لخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً خلال الشهر المقبل"، وأكد أن "العلاقة بين منتجي ومستهلكي الغاز تشبه العلاقة بين القط والفأر وستظل هكذا طالما هناك إنتاج وهناك استهلاك".

ويرى كمال أن "من حق منتجي الغاز الحصول على أعلى المكاسب في موقف قد لا يتكرر مرة أخرى في ظل أزمة الطاقة التي تعانيها أوروبا منذ الحرب الروسية – الأوكرانية، وبالمقابل من حق الدول المستهلكة الحفاظ على رصيد استراتيجي لتأمين حاجة شعوبها"، لافتاً إلى أن "أسعار الغاز في الوقت الحالي قد تكون متضخمة نوعاً مثل أسعار النفط المرتفعة ومن حق الدول الحصول على الطاقة بسعر عادل".

في غضون ذلك، انخفضت الإثنين الماضي أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى نحو 100 يورو لكل ميغاواط / ساعة للمرة الأولى منذ يونيو (حزيران) الماضي، إذ أدى الطقس الدافئ والمخزونات الوفيرة وتحركات الاتحاد الأوروبي لاحتواء الأزمة إلى تخفيف المخاوف بشأن نقص الشتاء.

درس قاسٍ

من جانبه، قال الباحث في شؤون الطاقة رمضان أبو العلا إن "محاولات أوروبا لكبح أسعار الغاز تمثل اعتداء على حقوق منتجي الغاز"، مؤكداً أن "تضارب المصالح يحكم الموقف في تلك الحالة".

وأضاف أن "التناغم بين الدول المصدرة للنفط ونظيرتها المصدرة للغاز سيكون بمثابة درس كبير للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا"، مشيراً إلى أن "التاريخ لم يشهد إخضاع الدول المصدرة للنفط أو الغاز حتى قبل تأسيسهما"، مستشهداً بموقف الدول العربية في حرب أكتوبر 1973 بين مصر وسوريا من جانب وإسرائيل من جانب آخر.

ورجحت دراسة لمركز "براغل" المتخصص في الاقتصاد السياسي والسياسات العامة الأوروبية، أن تصل فاتورة برامج دعم الطاقة بخطط حكومات أوروبا إلى 710 مليارات يورو (712 مليار دولار) وفقاً لوكالة "بلومبيرغ".

فاتورة دعم الطاقة الأوروبية

وأشار المركز الألماني ومقره بروكسل إلى ارتفاع مخصصات دعم الطاقة الأوروبية فعلياً من 550 مليار يورو (551 مليار دولار) إلى 710 مليارات يورو، موضحاً أن برنامج دعم الطاقة الألماني بمفرده يصل إلى 200 مليار يورو (200.62 مليار دولار) كما يمثل إنفاق الاتحاد الأوروبي على دعم الطاقة قرابة ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول الكتلة.

وتحل ألمانيا المرتبة الثانية في نسبة الإنفاق المطلقة بعد مالطا بنسبة 7.4 في المئة، بينما تأتي السويد في آخر قائمة الدول المنفقة بنسبة 0.3 في المئة، بينما خصصت بريطانيا قرابة 79 مليار جنيه استرليني (91.5 مليار دولار) في أعقاب خفض الحكومة خطة تجميد أسعار الطاقة إلى ستة أشهر بدلاً من عامين، بحسب "بلومبيرغ".

في سياق متصل، تدرس مصر والجزائر تأسيس شركة متخصصة مشتركة لتنفيذ الدراسات والأعمال الهندسية المتعلقة وتنفيذ المشاريع وإدارتها في البلدين بمجال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما بعد توقيع مذكرة تفاهم بين وزير البترول والثروة المعدنية المصري المهندس طارق الملا مع وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب أمس الثلاثاء.