نشأت المحامية ميشيل برايس في كنف أسرة محدودة الدخل في المملكة المتحدة، وكانت أول الأفراد الذين يلتحقون بالجامعة في عائلتها. هذه السيدة التي تبلغ الآن من العمر 59 سنة، هي شريكة في شركة المحاماة "غانركوك" Gunnercooke، لكنها تقول إن أياً من المراحل التي أنجزتها لم يكن ممكناً لولا الوجبات المدرسية المجانية التي تلقتها عندما كانت طفلة.
وفي إطار الجولة التالية من حملة "اندبندنت" "أطعم المستقبل" Feed the Future بالشراكة مع "مؤسسة الغذاء"Food Foundation وائتلاف منظمات مشاركة في الحملة، بهدف حض الحكومة البريطانية على توسيع نطاق الوجبات المدرسية المجانية كي تشمل جميع الأطفال الذين يعانون من الفقر في إنجلترا، أطلقنا تحركاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحمل وسم #FreeMadeMe مستوحى من تجربة المحامية ميشيل برايس، ويتضمن قصصاً مؤثرة لأطباء ومحامين ومديري مدارس وصانعي أفلام وسياسيين، وشهادات حية عن الطريقة التي ساهمت فيها الوجبات المدرسية المجانية في دعمهم للوصول إلى ما هم عليه اليوم. ونبدأ بقصة ميشيل.
تقول برايس، "ما زلت أذكر ذلك الإحساس بالخطر الشديد الذي كان ينتابني عندما كنت في المدرسة الابتدائية، مع اقتراب كل موعد لتناول وجبة غداء. فعندما كنت أصل إلى مقدم صف الانتظار، كنت أدرك أنه لم يكن في حوزتي المال الكافي لتسديد كلفتها. وما زال بإمكاني تذكر الأحاديث التي كان تدور همساً بين أفراد طاقم العمل المسؤول عن تقديم الطعام، الذي كان يسمح لي بكل هدوء ولطف بالمرور والمضي في سبيلي، ولا أزال أشعر بشدة الارتعاد من الخوف، وبنظرات الشفقة التي كانت تخترق ظهري".
وتضيف، "لكن كل ذلك تغير في عام 1973 عندما كنت في التاسعة من العمر، وبعد انتقالنا إلى لندن حينما تم لحسن الحظ إقرار تقديم وجبات مدرسية مجانية للتلاميذ. كنا نعيش في مسكن تابع للمجلس المحلي في إيزلينغتون، وكنت الابنة البكر بين 4 أطفال، وأحياناً كنت أضطر إلى ارتياد المدرسة وأنا جائعة، مما كان يجعلني أشعر بدوار يرغمني على الذهاب إلى حجرة المرضى، وتالياً مغادرة الفصل والتغيب عن الدروس. كنت أهب للدفاع عن نفسي عندما كان يسأل أحد المعلمين بلباقة عما إذا كنت تناولت طعاماً، بحيث كان يمنعني كبريائي من البوح بالحقيقة".
وتتابع ميشيل برايس، "لقد منحتني الوجبات المدرسية المجانية شعوراً بالثقة في أنني سأحصل على الطعام الذي أحتاجه في المدرسة، والتخفيف من أعباء أسرتي لتتمكن من استخدام الموارد القليلة المتاحة لها. كان الهم الأول يكمن في تأمين قوتنا اليومي. ولم يكن لدى والدي أي توقعات بأن أصبح أكاديمية أو أن أتمكن من الدخول إلى الجامعة. لذلك عندما اختارتني مدرستي الابتدائية من بين ثلاث أفضل طالبات مؤهلات لدخول "مدرسة هاكني للقواعد للفتيات" [ثانوية تختار طلابها على أساس التفوق الأكاديمي]، فوجئا بالخبر، لكنهما كانا فخورين بي للغاية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول "في المدرسة الثانوية، كان علينا أن نصطف للحصول على قسائم الوجبات المدرسية المجانية خلال اجتماعات الطلبة لنقوم بعد ذلك بالانتظار في الطابور من أجل استبدالها بوجبة غداء. كان هناك عدد قليل نسبياً منا يتناول وجبات مدرسية مجانية، لأننا كنا في مدرسة غالبية طالباتها ينتمين إلى عائلات ميسورة، وكنا نعرف باسم "فتيات الغداء المدرسي المجاني". لقد أمضيت وقتي كله في محاولة إخفاء دفتر قسائم الطعام الخاص بي، الذي كانت أوراقه تمتاز بألوانها الزاهية. كانت هناك قسيمة لكل يوم من أيام الأسبوع. وكنت أقوم بإخفائها عن الأنظار عبر دسها داخل جيب حزامي المدرسي الكحلي اللون. فلا أحد يريد أن يكون مختلفاً عن رفاقه في المدرسة. كان يعتريني كثير من الخجل والإحراج. فالفتيات في هذه السن يمكن أن تكون لديهن أحياناً سلوكيات قاسية. لم يكن لدي أي حل بديل آخر. غير أنني الآن أصبحت أدرك كم كنت محظوظة".
وتمضي المحامية في وصف تلك المرحلة من حياتها قائلة، "لا أملك صوراً لي في المدرسة، فلم يكن في مقدورنا أبداً شراء الصورة الرسمية السنوية الخاصة بطلاب كل فصل دراسي. ولم أتمكن كذلك من ممارسة أي نوع من الرياضة أو الانضمام إلى أية جمعية طالبية، لأن ذلك قد يتطلب سفراً أو نفقات إضافية. كانت طفولتي خالية من الرفاهية، لكن كان لدينا شيء واحد في وسعنا الاعتماد عليه، وهو وجبة غداء ساخنة في كل يوم دراسي".
وتشير إلى أن ما دفعها إلى تأسيس حملة #FreeMadeMe ينبع من "رؤية أن أطفال اليوم ما زالوا يواجهون حال القلق وعدم اليقين نفسها في شأن الحصول على وجبة مدرسية". وتقول "لقد تمكنت من دخول الجامعة وتحقيق سيرة مهنية ناجحة في مجال القانون جعلتني أنسى مع مرور الوقت الشعور بالإذلال الذي كان يتملكني آنذاك. لكن لماذا اخترت أن أكشف الآن عن كل ذلك؟ الجواب هو لأنني ما كنت لأكون حيث أنا اليوم، لولا وجبات الغداء المدرسية المجانية تلك، وآمل في أن يكون هناك أشخاص آخرون مستعدين للوقوف مثلي والتعبير عن الشيء نفسه".
وتختم بالقول "في كل مرة أنظر فيها إلى هؤلاء الأطفال الفقراء الذين لا يحصلون على وجبات مدرسية مجانية، لا يسعني إلا أن أفكر أنني كنت قد أكون من بينهم. لحسن الحظ أن الأنظمة المعمول بها تغيرت اليوم، بحيث لم يعد يكشف عن هوية الطلاب الذين يحصلون على وجبات مدرسية مجانية، وتالياً أصبح الأمر اعتيادياً، وأزيلت عنه وصمة العار. لكننا ما زلنا بحاجة إلى قلب المفاهيم التي تصنف الوجبات على أنها بمثابة منحة أو خدمة من الحكومة، أو أنها تشكل استنزافاً للموارد. إن تقديم وجبة مدرسية للأطفال يعد بالأحرى استثماراً في رحلتهم التعليمية وفي صحتهم وكذلك في مستقبلنا. لهذا السبب، أفتخر بأن أقف أمام الجميع وأقول علانية #FreeMadeMe (أو الوجبات المجانية جعلتني ما أنا عليه الآن).
© The Independent