Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا لم تتخلص من العبودية بل أعادت توصيفها

هناك ثغرة في التعديل الـ13 للدستور الأميركي تبقي العبودية على قيد الحياة

مدخل سجن ولاية لويزيانا، المعروف باسم أنغولا، كما بدا في عام 2008 (أ ب)

أمضى كورتس دايفيس قرابة 26 سنة في سجن ولاية لويزيانا الذي شيد على أرض كانت مزرعة أجبر العبيد على العمل فيها، واليوم يعد من أكبر السجون الشديدة الحراسة في الولايات المتحدة الأميركية.

وكان صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة من دون إمكان الإفراج، وذلك بعد إدانته بارتكاب جريمة قتل من الدرجة الثانية. لكن أفرج عنه من السجن، الذي يعرف أيضاً باسم "انغولا"، في عام 2016، بعدما وافق على صفقة بموجبها أقر بذنبه وحصل على خفض للحكم إلى القتل غير المتعمد.

وقال السيد دايفيس في مقابلة عبر الفيديو أجراها معه صحافيون عبر منصة "زوم" أوائل هذا الشهر، إنه وبينما كان سجيناً عمل في حظيرة للسمان لمدة 20 عاماً "تحت حراسة مشددة وتهديد حراس السجن".

اليوم، وبعد 150 عاماً من إنهاء العبودية رسمياً في الولايات المتحدة، سيقرر الناخبون في خمس ولايات ما إذا توجب إلغاء الثغرة البائسة الموجودة في الدستور التي أبقت على العبودية. إذ إنها تسمح للسجون بإجبار الأشخاص المدانين بجرائم محددة على القيام بأعمال إجبارية.

وقال السيد دايفيس، "نظام العدالة الجنائية في لويزيانا استغل جهاز إنفاذ القانون [الخاص به] كسلاح ضد جماعات مهمشة إلى حد كبير، وأعادوا بنا إلى ظروف العبودية أو العمل بالسخرة".

فالنزلاء في سجون لويزيانا يتقاضون 2 سنتاً للدولار الأميركي في الساعة فقط وفقاً لتقرير أصدره اتحاد الحريات المدنية الأميركي American Civil Liberties Union ومركز حقوق الإنسان في كلية القانون بجامعة شيكاغو University of Chicago Law School Global Human Rights Clinic.

لكن جميع النزلاء، في سجن أنغولا، وغالبيتهم من السود، يبدؤون العمل في الحقول، حيث كان الرقيق يعملون على مساحات مئات الأفدنة قبل أن يتحول العقار إلى سجن في عام 1880.

ولا يحصل السجناء العامليون في الحقول، الذين يراقبهم حراس من فوق صهوة جوادهم، على فرصة للراحة خلال العمل ولا لشرب الماء أو الذهاب إلى دورات المياه.

إنه عمل مربح. اعتمد مصنع للدواجن على السجناء العاملين لتجنب الإغلاق أثناء جائحة "كوفيد-19". واشترى تاجر سلع محصول من الذرة وفول الصويا من إنتاج سجون الولاية بين عامي 2017 و2020 بقيمة تقارب من 2.5 مليون دولار. كما اشترت شركات ’مزادات الثروة الحيوانية‘ الماشية التي قام عمال السجن بتربيتها بقيمة لا تقل عن خمسة ملايين دولار خلال الفترة الزمنية نفسها.

هذا الاستغلال البشع للسجناء مسموح به وفقاً للاستثناء المذكور في التعديل الـ13 للدستور الأميركي، الذي ألغى العبودية رسمياً في الولايات المتحدة عقب الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد.

وبينما يحظر التعديل الـ13 للدستور استعباد الأميركيين الا أنه استثنى العبودية كإجراء عقابي للمدانين بارتكاب جرائم. ساد بعدها عهد من "القوانين الخاصة بالسود" في الولايات الجنوبية التي عانت من تدهور اقتصادي عقب الحرب الأهلية وفرضت عبرها إجراءات عقابية مشددة على الأميركيين الذين كانوا نالوا حريتهم للتو [من الاستعباد] لجرائم بسيطة مثل السلب والنهب أو عدم الالتزام بحظر التجول، وهكذا ضمنت السلطات بقائهم مستعبدين لعقود إضافية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب اتحاد الحريات المدنية الأميركي ومركز حقوق الإنسان في كلية القانون بجامعة شيكاغو فإن هذا الاستثناء لا يزال معمولاً به في 20 ولاية، ويسمح باستغلال السجناء وعدم دفع أجورهم واستبعادهم من قوانين إجراءات الحماية والسلامة في أماكن العمل".

واليوم هناك قرابة 800 ألف سجين من أصل 1.2 مليون شخص يقبعون في سجون الولايات والسجون الاتحادية يدفعون إلى العمل الإجباري، وينتجون ما يوازي 11 مليار دولار أميركي سنوياً.

خلال عام 2018، كان الناخبون في ولاية كولورادو أول من أزالوا الاستثناء هذا من دستور الولاية من خلال عملية "اقتراع على قانون"ballot measure  [تشريع مقترح تتم الموافقة عليه أو رفضه عبر اقتراع الناخبين]، كما لحق بهم الناخبون في ولايتي نيبراسكا وأوتاه بعد عامين.

وهذا العام سيقرر الناخبون في ولايات لويزيانا وألاباما وأوريغون وتينيسي وفيرمونت ما إذا كانت دساتير ولاياتهم ستزيل هذه العبارة من دساتيرهم.

ويقود ائتلاف "#ضعوا حدا للاستثناء" #EndtheException الذي يمتد عبر عشرات الولايات والمنظمات المحلية حملة لدعم هذه الخطوة.

وقال السيد دايفيس للصحافيين إن التعديل المنتظر سيشكل "علامة فارقة" في برنامج إصلاح القانون الجنائي، كما سيشكل لحظة مهمة للحركة "التحرر من العبودية" abolitionist movement التي تسعى لإعادة النظر في شبكة البلاد الواسعة من عمالة السجون.

وأضاف السيد دايفيس "اسمعوها مني وقد قضيت 25 عاماً وتسعة أشهر و11 يوماً كخادم أجبر على العمل بغير إرادته، ولو اعتقدتم أن التعديل لن يغير من شيء فذلك لأنكم لم تعانوا أبداً ظروف العبودية".

كانت ولاية فيرمونت اشتهرت بأنها أول ولاية في أميركا تجرم العبودية بدءاً من عام 1777، وذلك قبل إعلان تحرير العبيد (1863) وقبل المصادقة على التعديل الـ13 للدستور الأميركي وحتى قبل الدستور الأميركي نفسه. لكن دستور الولاية أبقى على الفقرة التي تسمح بإجبار السجناء على العمل في حالات محددة، بما فيها كتعويض عن الديون والأضرار والغرامات.

وقال القس مارك هيوز، المدير التنفيذي لمنظمة "العدالة للجميع" Justice For All و"ضعوا نهاية للعبودية في فيرمونت" Abolish Slavery Vermont خلال لقاء الصحافيين المذكور أعلاه "نعتقد أننا في نهاية المطاف سنحقق في فيرمونت يوم الثامن من نوفمبر [يوم الانتخابات] شيئاً لم يتحقق منذ 245 عاماً في الولاية".

وفي ولاية تينيسي نص القانون أن "العبودية وإجبار الناس على العمل محظوران إلى الأبد". وبأنه "لا يوجد في هذا القسم [القانوني] ما يمنع السجين من العمل عندما يكون النزيل قد دين بارتكاب جريمة".

أما ثيدا ميرفي قائدة حملة "لا استثناءات في أعمال السجون" No Exceptions Prisons Collective في ولاية تينيسي فقالت في المؤتمر، "كما هو الحال في باقي الجنوب [الولايات الجنوبية في الولايات المتّحدة] فإن تينيسي قامت بتحول سلس من المزارع إلى السجون".

وأضافت "لم نكن يوماً أحراراً. العبودية لم تلغ أبداً بل أعيد توصيفها. لقد مضى وقت طويل على إلغاء العبودية عالمياً. وطالما وجدنا أعذاراً تسمح معاملة الإنسان وكأنه ملكية خاصة، فإن أياً من أحلامنا المتعلقة بمجتمع المساواة والعدالة لا يمكن أن يتحقق".

خلال ثلاثة أسابيع من الإضرابات داخل السجون في ولاية ألاباما الذي شكل أكبر إضراب وعمل جماعي للسجناء في تاريخ الولاية، كشف المسجونون عن أنهم تعرضوا للانتقام من حراس السجون الذين فرضوا عليهم إجراءات تمنعهم من الطعام وتبقيهم قيد الحجز الانفرادي وتجبرهم على العمل.

وكانت إدارة السجون في الولاية أعلنت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) "انتهاء" الإضرابات والتوقف عن العمل، غير أن بياناً صادراً عن النشطاء أوضح أن نهاية الحملة لا تعني بأية حال من الأحول "رفع الراية البيضاء"، وأن السجناء قد "يصعدوا إضراباتهم سلمياً" حتى تتحقق مطالبهم. وجاء في البيان "ما زلنا نطالب بالاستماع لمطالبنا أمام مشرعينا وغيرهم من المسؤولين المنتخبين. كما نطالب بأن يتم السماح لممثلينا بالحديث وأن يشكلوا صوتنا وأن يستمع الناس لموقفنا".

في ولاية ألاباما، سيقرر الناخبون ما إذا توجب استبعاد وإزالة أي شكل من التعابير العنصرية من دستور الولاية بما في ذلك فقرة متعلقة بعمالة السجناء إسوة بقانون ولاية تينيسي.

وقالت سافانا ايلدرج الناشطة البارزة في الشبكة الوطنية لإلغاء العبودية Abolish Slavery National Network خلال الحوار، "نعلم كيف يبدو ذلك، إنه أشبه بالعمل وقت ذروة الحرارة في سجون تكساس التي تفتقر لمكيفات الهواء أو كما يحدث في ألاباما من تقنين للطعام وغيره من الضروريات رداً على تظاهرات سلمية. ما لا يمكن قبوله هو استمرار ليومنا هذا حالات العمل الإجباري".

وشهدت استفتاءات مشابهة خلال السنوات الماضية تصويت الناخبين بفارق كبير لمصلحة إقرار التعديلات. ففي ولاية نيبراسكا أقرّت التعديلات بموافقة 68 في المئة من الناخبين. وفي ولاية يوتاه دعم 80 في المئة من المقترعين التعديلات، لكن في ولاية كولورادوا، وبعد إجراء استفتاء دعم فيه 66 في المئة من الناخبين إلغاء الثغرة، رفض قاض النظر في قضية طالبت بدفع أجور أعلى للسجناء العاملين.

وتطالب دعوى قضائية أخرى بوضع نهاية لعمالة السجن الإجبارية ما تزال مرفوعة أمام محاكم الولاية في حين يطالب الادعاء العام بصرف النظر عن القضية.

وكان السجينان ريتشارد ليلغيروس وهارولد مورتيس رفعا قضية ضد حاكم ولاية كولورادو الديمقراطي جاريد بوليس وإدارة السجون في كولورادو، أشارا فيها إلى أن الولاية تواصل إجبار الناس على العمل في ظروف تقترب من عمالة الرقيق أو العبودية.

وما يزال التصويت على القانون في ولاية لويزيانا هو الوحيد الذي استقطب معارضة ذات شأن. إذ قال أحد الداعمين الأوليين لمشروع القانون الذي صاغ الاستفتاء، النائب الديمقراطي إدموند جوردان، لصحيفة "ذي تايمز بيكايون / ذي نيو أوليانز أدفوكايت"The Times-Picayune/The New Orleans Advocate إنه يرغب في أن يرفض الناخبون الاقتراح. وحذر المعارضون من أن القانون [المقترح] قد تكون له عواقب غير مقصودة، وقد يؤدي إلى مفاعيل عكسية لغايته الأساسية. وطالبوا من مشرعي الولاية تعديل صياغة لغة المقترح والتقدم به في وقت لاحق.

وينص دستور الولاية في الوقت الحالي على أن "العبودية والعمل بالسخرة محظوران ويستثنى الأخير [من الحظر] في حالات تطبيق عقوبة على جريمة". وينص التعديل المقترح على استبدال الصيغة بعبارات "العبودية والعمل بالسخرة محظوران، (لكن هذا) لا يطبق على الإجراءات القانونية المتعلقة بالقانون الجنائي".

"هذا التعديل المقترح يعد مثالاً على أهمية استخدام اللغة الصحيحة عند تقديم اقتراحات بتعديل الدستور للمقترعين"، وفقاً للـ"تجمع من أجل لويزيانا أفضل" Council for a Better Louisiana وهي منظمة غير ربحية تدعو الناخبين إلى رفض التصويت ضد التعديل.

غير أن السيد دايفيس وصف هذه الطروحات "بالمخادعة في أفضل الحالات وغير أمينة على المستوى الفكري في أسوأ الحالات"، مضيفاً "النوايا التشريعية الواضحة من هذه المبادرة تهدف إلى إلغاء العبودية ومعاملة السجناء معاملة الرقيق من الدستور، لكن معارضي مبادرتنا وضعوا خطة لإرباك حملتنا وتضليل الناخبين حيال مغزى المبادرة".

وأوضح السيد دايفيس أن معارضي التعديل أشاروا إلى أن قاض صاحب آراء سياسية قد يحكم على الناس بالعبودية ثم يقول "هذا هو إجراء قانوني الفعلي في نظام العقوبات الجنائية"، ولكن هذا يتجاهل العبارات في نص التشريع الذي يحظر العبودية.

ويختم السيد دايفيس "ما دامت العبودية وعمالة الرقيق محظورتان بلا جدل، حينها، النشاط القانوني لنظام العدالة الجنائية سيكون محصوراً في نصوص قانونية خارج تلك التي حظرها القانون في تعديلنا".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير