Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بحث ترويض غيوم التشاؤم العالمية في السعودية

فائز في "نوبل" يستدعي "طائر الغابة" المنقذ في "مستقبل الاستثمار" والرميان يرى عمى الأيديولوجيا مهدداً لحقائق البيانات

إن كنت تتحدث عن التفاؤل وسط غابة من الصواريخ والقنابل القذرة وحرائق التقلب المناخي وفيضاناته وغمامة الركود التي تظلل الأسواق وسلاسل الإمداد، فإنك على الأرجح في جوار منتدى "مستقبل الاستثمار" الذي يقيم نسخته السادسة في الرياض اليوم وغداً وبعد غد، بحثاً عن ترويض غيوم التشاؤم العالمية بعمل استباقي يروم "الاستثمار في الإنسانية" عبر الاستجابة لتحديات "تمكين النظام العالمي الجديد".

إلا أن مداولات اليوم الأول في المناسبة التي اعتاد الصحافيون الأجانب إطلاق "دافوس الصحراء" عليها، لم تخل هي الأخرى من الغيوم الملبدة وإن تستسلم لها، ففي حين أقرت بأن أزمة الغذاء تهدد العالم، تسلحت بالواقعية واستدعت حلاً تراه في عدم الذهاب بعيداً في مقاومة العولمة مع العمل الجاد على بناء سلاسل إمداد وطنية، والنهج نفسه قائم في ملف الطاقة، فالتحدي القائم في نظر محافظ "السيادي السعودي" ياسر الرميان هو إدارة التحول في ميدان الطاقة بحذر، إذ كيف يحدث ذلك التحول إلى الطاقة النظيفة من دون أن يعوق العمل والنمو؟

وهنا كان المثال الحاضر هو ما قال إن بلاده تفعله، وهو "الجمع بين الحسنيين"، مذكراً بأن الظروف الجيوسياسية واقع على الأرض لا يمكن تجاهلها، إلا "أنه لا بد من أن يكون لديك شركاء للتغلب على التحديات وتستثمر في نفسك أولاً، بالعودة للمحتوى المحلي وتعظيم فرصه"، في حين رأى توجهات "التراجع عن العولمة سببها استخدام الدول سلاسل الإمداد كسلاح"، مما دفع الرياض إلى سعي جاد  نحو "توطين 65 في المئة من سلاسل الإمداد لمواجهة ذلك"، وهي مبادرة وسعتها الرياض ليمتد أثرها عالمياً، في سياق خطوة أعلنها ولي العهد أخيراً لاستقطاب أكثر من 10 مليارات دولار لاقتصاد البلاد في غضون عامين.

بل إن المسؤول المالي السعودي ألمح إلى الأمر بإيجابية أكبر عندما ناقش على طاولة النقاش سؤال الخيارات، فرأى أنك كمن لديه مصدر قوة لا يمكن أن تفرط بواحدة من أجل الإبقاء على الأخرى، وأنت في حاجة إلى الاثنين معاً، في إشارة منه على الأرجح إلى الاعتدال في سياق التحول من الطاقة الأحفورية إلى النظيفة في العالم، الذي يرى اقتصاديون وخبراء في الطاقة أن التطرف فيه بين أهم الأسباب التي أفرزت أزمة الطاقة الراهنة في العالم، التي تكافح الدول المنتجة والمستهلكة من جانبها لتلافيها على رغم المزايدات وتبادل تهم المسؤولية.

وزير الطاقة: هذه مواقفنا

وفي السياق نفسه أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن بلاده ستبقى "أكثر مورد للنفط يمكن الاعتماد عليه، وستكون المورد لكل من لديه احتياج"، على رغم أن أزمة الطاقة الحالية "قد تكون هي الأسوأ"، وأن استنزاف مخزونات الطاقة "قد تكون آثاره مؤلمة الأشهر المقبلة"، في إشارة ربما أراد بها التعليق على سحب إدارة بايدن المتتالي من المخزونات الأميركية، غير أن الأمير طمأن الأسواق بأن الرياض قررت أن تكون "الأكثر نضجاً" في التعامل مع الأزمة الراهنة مع واشنطن، وذكر مجدداً بأن "الحل في شأن أزمة الطاقة يجب ألا يأتي من دولة واحدة"، وأن العمل جار مع أوروبا لتلبية حاجاتها.

وكان الرميان هو الآخر صريحاً في طاولة النقاش التي شارك فيها مع خبراء عالميين في اعتبار "الأيدولوجيا" هي العقبة في هذا الصدد، فالطريق المنطقي بالنسبة إليه أن يقوم صناع السياسات بتحليل البيانات واتخاذ خيارات طبقاً لها، إلا أن الذي يحدث أحياناً أنهم ينساقون خلف "الأيدولوجيا" ويتخذون القرارات من واقع الاستجابة لها من دون الالتفات إلى وقائع البيانات الدامغة.

 

وحتى رجل البيئة البارز تشيرينغ توبجاي أقر خلال الجلسة الافتتاحية بأن "أولوية الناس تتعلق بالبطالة والفقر ويأتي بعدها الاحتباس الحراري، فهذا شيء منطقي فلا تتوقع من الجميع أن يصبحوا نشطاء بيئيين إذا لم تلب حجاتهم الأساس".

ولم تختلف ضمناً إجابات شركاء الرميان خلال الجلسة، فهم وإن لم يسموا "الأيدولوجيا" باسمها، إلا أن حديثهم عن الأمنيات التي ختم بها المقدم جلسته جعلتهم يكشفون إلى أي حجم يكمن حل معظم المشكلات في نبذ الأفكار المسبقة واتخاذ مبادرات خلافاً للسائد الذي أملته تلك الأفكار، فأمنية سارة مانكير هي "أن تجلس الصين وأميركا على طاولة واحدة، لأن ذلك كفيل بحل كثير من مشكلات العالم الغذائية"، بينما كانت أمنية كاثرين ماكغريجر أن ترى الاتحاد الأوروبي موحداً وقوياً"، ليباغتها مقدم "سي إن إن" في الجلسة كيست ريشارد بأنها في هذا المسار تطلب معجزة وليس أمنية قابلة التحقق، لكثرة ما يرى الانقسام مستشرياً حتى في أوروبا التي تبدو موحدة، لكن المتحدث الأميركي في الجلسة لم يكن أقل طلباً للمعجزات، وهو الذي أراد أميركا قوية بتوحد حزبيها المتصارعين.

لكن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح اعتبر أن التحول الأمني هو الذي قاد بقية التحولات التي نراها ليتبعه الاقتصادي، مشيراً إلى أن الحرب في أوكرانيا والتي لعبت أوروبا في ساحتها، انتقلت عدواها إلى الصين مما أيقظ اهتمام الدول ببناء أمنها الوطني وتقوية جبهتها على هذا الصعيد، وهو ما دفع الشركات والدول إلى البحث عن الضمانات، والدول إلى استثمار كثير من ناتجها القومي في تحديث أدواتها الدفاعية، إلا أنه يلفت مع ذلك إلى وجود "كثير من الفرص السانحة للدول والمراكز القادرة على التعامل ببصيرة مع هذا النظام العالمي الجديد" في مثل الخطوة التي قال إنها دفعت بلاده إلى إطلاق رؤية استباقية للأزمات الراهنة هي "2030" التي قادها ولي عهد البلاد الأمير محمد بن سلمان في وقت باكر قبل استفاقة العالم على جائحة كورونا.

وفيما يتعلق بالأزمة السياسية بين بلاده وواشنطن على خلفية قرار"أوبك+"، شدد الفالح، على أن الولايات المتحدة الأميركية تعد حليفاً قوياً للسعودية، مؤكداً تنامي العلاقات الاقتصادية بين البلدين أخيراً.

وأضاف أن العلاقات مع الولايات المتحدة تاريخية وصلبة سواء على المستوى الشعبي أو على مستوى القيادات والمؤسسات والشركات، مضيفاً "لكن منذ 80 عاماً مرت تحت الجسر مياه كثيرة"، مؤكداً "أن الرياض ستتجاوز التوترات الأخيرة مع واشنطن، والذي قال إنه لا مبرر لها، لافتاً إلى أن البلدين "حليفان وثيقان" منذ أمد طويل، مؤكداً أن السعودية صديقة الجميع ولديها علاقات رائعة مع دول العالم.

وأردف قائلاً إنه "على الجانب الآخر تجمعنا علاقات قوية للغاية مع شركائنا الآسيويين"، مشيراً إلى اليابان وكوريا الجنوبية. وقال إن الصين أكبر مستورد للهيدروكربونات من السعودية.

وفي هذا السياق جدد مصرفيون بارزون من "وول ستريت" اليوم الثلاثاء تحذيراتهم في شأن الاقتصاد العالمي في ظل التوترات الجيوسياسية والزيادات الحادة في أسعار الفائدة لكبح التضخم المرتفع لأعلى مستوياته خلال عقود.

وقال رئيس "غولدمان ساكس" ديفيد سولومون إن الأوضاع الاقتصادية ستشهد اتجاهاً يميل إلى التشديد النقدي بشكل كبير خلال المرحلة القادمة، وأن مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) قد يرفع الفائدة لما يتجاوز 4.5 إلى 4.75 في المئة إذا لم يلمس تغييرات حقيقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "إذا لم يلمسوا تغييرات حقيقية وظلت الوظائف الشاغرة وفيرة والعمالة المتاحة قليلة، فمن الواضح أنهم يلعبون فقط على جانب الطلب من خلال التشديد، لكن إذا لم يلمسوا تطورات حقيقية في التوجهات فأعتقد أنهم سيذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك".

وخلال مشاركته في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، قال إنه من الصعب الخروج من "التضخم المتجذر" من دون حدوث تباطؤ اقتصادي.

الأوضاع الجيوسياسية هي المحك

من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان" جيمي ديمون في الجلسة ذاتها، إن الوضع الجيوسياسي يثير القلق أكثر من احتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة.

وأضاف أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا والتوترات بين الولايات المتحدة والصين مصدر قلق أكبر من الركود المحتمل في الولايات المتحدة.

وتابع، "هناك كثير من الأمور السيئة والغامضة التي تلوح في الأفق ومن شأنها أن تدخل الولايات المتحدة في ركود، لكن هذا ليس هو الأمر الأهم الذي نفكر فيه، فنحن سنتعامل مع ذلك الوضع بالشكل الصحيح، وأشعر بقلق أكبر بكثير في شأن الجغرافيا السياسية في العالم اليوم".

الإنسانية تتجه إلى مسار مغاير

وهذا ما أيدته الحائزة على "جائزة نوبل" ليما غبوي التي استفتح بها المؤتمر نقاشاته، معتبرة أنه في ظروف لا يوجد فيها تنسيق بين المختلفين "نمضي قدماً والإنسانية تتجه إلى مسار آخر، وعلينا أن نبدأ بالنظر إلى أولوياتنا الحقيقية ونضع استثماراتنا في المكان الصحيح في الإنسانية، وهو الاستثمار الحقيقي في المستقبل"، مشيرة إلى أن مفهوم الحرب لا يقتصر على المواجهات المسلحة بل في فقدان الكرامة كذلك، وهي التي جربت الأمرين معاً في بلادها ليبيريا التي كانت ممزقة بالحرب حتى مطلع الألفية الجديدة، قبل أن تقوم بجهد لافت بتجنيد النساء سلمياً ضد الحرب.

 

وأيد هذا التفكير نظيرها الهندي كالياش ستيرثي الحائز على "جائزة نوبل" أيضاً، الذي اعتبر تعليم الأطفال المهمشين والعناية بأمهاتهم أفضل استثمار في المستقبل والإنسانية، ولا يستدعي إلا مبالغ يسيرة مما تشتري به أطراف الصراعات أسلحتها، داعياً المجتمعين إلى استلهام قصة الطائر الذي هب لإنقاذ الغابة بعد أن رأى سيد الغابة وبقية الحيوانات تفر منها، "فكل الذين كانوا في القاعة لا بد من أنهم حظوا بفرصة تلقي تعليم جيد قبل أن يكونوا هنا، وهكذا يمكن لآخرين مثلهم من ملايين الأطفال المهمشين أن يكونوا أشخاصاً مفيدين إن أتيحت لهم الفرصة".

الجائحة سرعت الحراك

في غضون ذلك أكد محافظ صندوق الاستثمارات العامة رئيس مجلس إدارة "مبادرة مستقبل الاستثمار" ياسر الرميان أن المبادرة تعد بمثابة المحرك للتعاون العالمي مع أهمية الالتزام بالمقدرات، ومن أبرزها الاستثمار في الإنسانية في نظام عالمي جديد.

وبين أن الصناعات المختلفة مثل الاتصالات والصحة وقطاع التجزئة والقطاعات الأخرى تعد من العوامل الرئيسة التي أسهمت في الحراك العالمي، مشدداً على أن جائحة كورونا أسهمت في تسريع هذا الحراك الصناعي وهو ما قادنا إلى استغلال الفرص المتاحة.

 

وأوضح أن المبادرة طورت إطاراً للحوكمة والبيئة الاجتماعية للأسواق الجديدة مع التركيز على قياس الأداء وأثر الحوكمة البيئية والاجتماعية على حياتنا، مبيناً أن البيانات تعد عاملاً مهماً في طريقة التعامل مع الأزمات العالمية مثل تغير المناخ، وأن "أرامكو" على سبيل المثال تمكنت من تطوير نظام جديد سيطلق خلال العام المقبل ويسهم في العمل على استيعاب انبعاث الغازات بوضوح.

وشدد على ضرورة أن يكون العالم منفتحاً على الابتكار وأهمية أن يكون المستثمرون متحدين للوصول إلى تحقيق الطموحات على المدى البعيد، مشيراً إلى أن السعودية تمكنت من عمل شراكات مع شركات عالمية بتناغم كامل لتحقق الاستدامة في جميع أنحاء العالم.

ونوه الرميان إلى أن صندوق الاسثمارات العامة يعد أول صندوق سيادي أصدر أول سند بمسمى السندات الخضراء، مبيناً أن سوق الكربون الطوعي تعد من أهم الأسواق التي يجب أن تتوحد فيها الجهود بين المستثمرين ورواد الأعمال لإيجاد فرص تعليمية للشباب في الاقتصاد المعرفي.

وقائع الإحصاء تظهر تحولات

كما عرض الرئيس التنفيذي ريتشارد آتياس خلال الجلسة الافتتاحية المسح الاستقصائي الذي أجرته IPSOS على 130 ألف شخص بالغ من 13 دولة، يمثلون ما يقارب 50 في المئة من سكان العالم، في محاولة من المؤسسة لتقديم رؤى حول أعلى الأولويات في العالم في ظل التحديات الاجتماعية والبيئية والهوية غير المسبوقة، بحسب قوله.
وقال إن المبادرة قامت بإعداد تقرير حول مجابهة التحديات العالمية من أجل إيجاد حلول لها شارك فيه آلاف الأشخاص، موضحاً أن نسبة 77 في المئة من المبحوثين متفائلون بمستقبل أفضل، وأن الأمان المالي يعد من أبرز التحديات التي يواجهها 50 في المئة من الأشخاص حول العالم ، إضافة إلى الكلف على الدخل فضلاً عن الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وذلك وفق الاستطلاع الذي أجري أخيراً وأبرز تفاوتاً بين الشرق والغرب في نظرتهما إلى المستقبل لمصلحة شرق الكرة الأرضية.

 

إلى ذلك شهدت جلسات المؤتمر ازدحاماً بحضور 6 آلاف مشارك من دول العالم، و500 متحدث من قطاعات مختلفة من داخل وخارجها، إذ رحب  ريتشارد آتياس بالحضور والمشاركين في أعمال الدورة الجديدة للمبادرة، منوهاً بأهمية الجلسات والمناقشات التي تشهدها النسخة السادسة للمبادرة التي سيبلغ عدد جلساتها 180 جلسة تعقد بشكل متزامن، إضافة إلى 30 ورشة عمل وأربع قمم مصغرة موزعة على الأيام الثلاثة، لمناقشة مواضيع مهمة من بينها "موازنة النجاح مع الاستدامة والصعود الجيو اقتصادي والمساواة في عالم غير متساو وما يواجه قادة العالم في محاولتهم لإعادة العالم لما كان عليه قبل جائحة كورونا، وما يواجهه من تحديات مستعصية وغير متوقعة"، مشدداً على أهمية العمل الجماعي لحقيق التأثير الكبير في مجالات دعم الإنسانية وبخاصة في ظل مايواجهه العالم من مشكلات عدة وصعبة ونظام عالمي جديد.

اقرأ المزيد