Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا فقدنا علاقتنا بالغابة- وهكذا نستعيدها

يبدو جلياً عدم اكتراث الحكومة البريطانية بالعالم الطبيعي المعتل، ولكن مشاريع استعادة الحياة البرية لا تنفك تتزايد

للأسف، نقطع الأشجار بوتيرة أسرع من أي وقت مضى (غيتي)

رسم الخشب تاريخ البشرية برمته، بدءاً من استخدامه لإشعال النار وصولاً إلى بناء السفن والكاتدرائيات لاحقاً.

ما زالت أعداد كثيرة من منازلنا وأثاثنا ومصنوعاتنا اليدوية كالآلات الموسيقية تعتمد على الخشب. والنجارة التي تمثل إحدى أقدم المهن لدى جنسنا البشري، لم تفقد قوتها واستمراريتها حتى الآن.

غير أن ظهور الإنسان العاقل تسبب أيضاً في كارثة لغابات كوكبنا، التي بلغ استنفادها حد الخطر، ذلك أنه إلى جانب الطلب على الأخشاب، ما انفك الطلب على الأراضي- بغرض الزراعة بشكل أساسي- يلحق خسائر فادحة بالأراضي الحرجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الواقع، ما زلنا نعتمد كثيراً على وجود الخشب كمواد أساسية في أعمال البناء والتصنيع، لكننا بدأنا ندرك أيضاً أن فقدان الغابات والأراضي الحرجية يطال ما هو أبعد من هذا المورد- بدءاً بامتصاص وتخزين المستويات المتزايدة من الكربون في الغلاف الجوي وصولاً إلى دعم النظم الإيكولوجية الغنية، وحتى المنافع التي يعود بها على الصحة العقلية والنفسية للإنسان.

للأسف، نقطع الأشجار بوتيرة أسرع من أي وقت مضى. منذ عام 1940، نزيل 45 ألف ميل مربع من الغابات الاستوائية المطيرة سنوياً.

بلغ العالم "حده الأقصى من الغابات" منذ حوالى خمسة إلى ستة آلاف سنة مضت، بعد نهاية العصر الجليدي الأخير، إنما قبل أن يروح البشر يلوحون بفؤوسهم جدياً.

في المملكة المتحدة، يظهر تحليل تناول حبوب الطلع أو اللقاح الذي ضمنه رولاند إينوس كتابه "العصر الخشبي" الصادر عام 2021، أن غطاء الأشجار تراجع من حد أقصى شغل 80 في المئة من شتى الأراضي إلى 10 في المئة فقط منها بحلول وقت صدور "كتاب يوم القيامة" في 1086، وانخفض إلى سبعة في المئة فقط بحلول بداية القرن الرابع عشر.

وبحلول زمن الثورة الصناعية والتوسع الحضري الناجم عنها، كان البشر قد أخذوا فعلاً في الانعزال عن العلاقة الطويلة التي أسسها نوعنا مع العالم الطبيعي والأشجار في المناطق الحرجية المتبقية.

ولكننا ندرك الآن أننا نلحق بأنفسنا ضرراً كبيراً: بين أيدينا ثروة من الأدلة العلمية التي توضح أن مجرد الذهاب إلى الغابة كفيل بتحسين مزاجك، ومستوى انتباهك، وحالتك النفسية. لقد ثبت أن التنزه بين الأشجار يخفض مستويات هرمون التوتر "الكورتيزول" في الجسم مع تهذيب الحالة المزاجية وخفض مستويات القلق.

في الحقيقة، من الصعب أن يتصور المرء جسامة ما ضاع منا. وتعد المملكة المتحدة الآن واحدة من أكثر دول العالم استنفاداً للطبيعة.

وكما خسرنا أشجارنا خسرنا أيضاً أنواعاً حية كثيرة كانت تتخذها موطناً لها. الوشق، والذئاب، والقنادس، وقطعان الماشية البرية، والدببة، والسناجب الحمراء، وخز الصنوبر... كلها كانت من بين الحيوانات التي عاشت في مختلف أنحاء المملكة المتحدة، غير أن الصيد الجائر وفقدان الموائل دفعا بقسم منها إلى الانقراض والقسم الآخر إلى حافته.

وفرة الأشجار التي غمرت البلاد ذات مرة لم يتبق منها سوى مناطق صغيرة في زوايا معزولة من البلاد.

في تصريح أدلى به إلى "اندبندنت" قال غاي شروبسول، مؤلف كتاب "الغابات المطيرة المفقودة في بريطانيا" الذي يصدر قريباً، إنه "في قديم الزمان، غطت مساحة شاسعة جداً من الغابات أرض بريطانيا، وقد أشير إليها غالباً باسم "وايلدوود" (الغابة الوحشية)".

"في قديم الزمان، غطت مساحة شاسعة جداً من الغابات أرض بريطانيا، وقد أشير إليها غالباً باسم "وايلدوود" (الغابة الوحشية)".

في الواقع، "ما زال الحجم الفعلي للكثافة التي بلغتها تلك الغابة الوحشية محل جدل وإن كان ضئيلاً- هل كانت غابة ظليلة مغلقة تقفز السناجب فيها من فرع إلى آخر قاطعة مسافة البر البريطاني "من شرق إنجلترا إلى مغربها" كما جاء في المقولة القديمة، أم كانت عبارة عن فسيفساء من الواجهات المفتوحة التي تشغلها سهول السافانا"، أضاف شروبسول.

ولكنه يقول إن البحوث عموماً تدعم أكثر فأكثر فرضية المساحات الطبيعية الكثيفة نوعاً ما.

"مع تراجع الغطاء الجليدي في نهاية العصر الجليدي الأخير، نتحدث عن 12 ألفاً إلى 10 آلاف سنة مضت. ثم نمت أنواع مختلفة من الأشجار مع ذوبان الجليد وتراجع أحوال التندرا الجبلية والألبية، واشتداد حرارة المناخ.

"فرضت موجات من أنواع الأشجار المختلفة هيمنتها في أماكن وأوقات معينة- البتولا شجرة من الأشجار المستعمرة الأولى غالباً، وكانت شجرة البندق مستعمرة غابرة في القدم. شهدت البلاد كل تلك الحقب المختلفة المهمة من التراكيب المتنوعة من الأشجار. نعتقد أن ثمة نوعين رئيسين من الغابات، ذات الأوراق العريضة والصنوبرية، ولكن ليس الأمر كذلك على الإطلاق. إنها في الواقع مجموعة أكثر تفصيلاً من ذلك بأشواط".

 إضافة إلى الغابات الواسعة ذات الأوراق العريضة التي غطت معظم الأراضي، تمتعت المملكة المتحدة بنظام إيكولوجي مزدهر للغابات المطيرة شكل جزءاً كبيراً من الساحل الغربي.

يقول شروبسول إنه خلال الفترة التي حظيت فيها البلاد بالقدر الأقصى من الغابات، "كانت لدينا على الأرجح غابة مطيرة معتدلة تغطي حوالى 20 في المئة من بريطانيا- في المناطق الأكثر رطوبة في غرب بريطانيا".

للأسف، لم يتبق اليوم سوى أقل من واحد في المئة من تلك الغابات المطيرة، موفراً لنا لمحة صغيرة فقط عن النظم الإيكولوجية المذهلة التي ازدهرت ذات يوم.

معلوم أن الغابات المطيرة المعتدلة نادرة على مستوى العالم ويتهددها خطر أكبر مقارنة مع الغابات الاستوائية المطيرة. كذلك تختلف عن الأحراج الأكثر جفافاً بأن لديها مستوى عالياً من الرطوبة التي تحافظ عليها نتيجة الظروف المحلية- لا سيما تأثير البحر- إنما أيضاً بواسطة الغابة نفسها التي تحبس الرطوبة، وتسمح تالياً لأعداد مهولة من النباتات بالنمو.

وبرز بشكل خاص المستوى العالي للنباتات الهوائية أو التعايشية كما تسمى- التي تنمو على نباتات أخرى بعيداً من مستوى سطح البحر.

وفق شروبسول تلك النباتات "ليست متطفلة، إنما ببساطة تستخدم الأشجار كسقالات لها. تستمد ما يكفيها من عناصر غذائية ورطوبة من وجودها على شجرة بدلاً من الاضطرار إلى تثبيت جذورها في الأرض."

تشمل النباتات الهوائية الشائعة الأشنات، وحشيشة الكبد، والطحالب، والسراخس، وفضلاً عن أنها تعيش على الأشجار وترتفع حتى مظلة الأشجار العليا، يغطي كثير منها أيضاً الصخور والخشب المتساقط وأجزاء أخرى من الغابة، ما يعني أن النظام الإيكولوجي بأسره يعج بالحياة طيلة أيام السنة.

"تتراكم التربة على قمم الأشجار، بسبب وجود كائنات من قبيل الطحالب التي تعيش وتموت على الأغصان، فينتج من عملية التحلل هذه نوع من مادة عضوية تسمى "الدبال"، حيث يمكن لنباتات أخرى أن تثبت نفسها"، يقول شروبسول.

تحدث في هذا الشأن أيدان ماكورميك، مسؤول عن استعادة الحياة البرية من مبادرة "نورثوودز" في المؤسسة الخيرية "اسكتلندا: الصورة الكبيرة"، وخبير في الغابات المطيرة المعتدلة، فأخبر "اندبندنت" أن الدخول إلى واحد من الأجزاء القليلة المتبقية من الغابات المطيرة المعتدلة في بريطانيا تجربة تبعث على الهدوء والبهجة. إنه عالم أخضر كثيف من السراخس والطحالب والأشنات التي تغطي كل شيء من الأرض إلى مظلة أشجار السنديان الملتوية".

"غالباً ما يكون صوت الماء قريباً، وجنباً إلى جنب مع الضوء الأخضر الناعم والرائحة العذبة للنباتات، يخلق مشهداً طبيعياً سريالياً يستدعي مجموعة من الحواس، لا بد من أن يستمتع به كل إنسان مرة واحدة أقله."

حتى أن "مابينوغيون" Mabinogion، مجموعة من 11 قصة نثرية جمعت من مخطوطات ويلز التي تعود إلى العصور الوسطى، علماً أنها كانت في الأصل جزءاً من التقليد الشفهي للشعراء في المنطقة، مرتبة في ما يسمى "الفروع"، حيث تشكل القصص الأجزاء المكونة للشجرة.

يقول شروبسول إن "اسم "غويديون" الساحر المخادع [في الأساطير الويلزية] يعني "المولود من الأشجار". يأخذ أزهار البلوط واللزان المكنسي وإكليلية المروج ويحولها إلى" بلودود"، المرأة المصنوعة من الزهور.

يقول شروبسول: "في رواية أخرى، تسمى "معركة الأشجار" [قصيدة ويلزية من العصور الوسطى محفوظة في مخطوطة من القرن الرابع عشر]، يحرك الساحر غويديون غابة برمتها [كي تقاتل الأشجار كما لو أنها جيشه]- وذلك قبل بضعة آلاف سنة من زمن كتابة الشاعر والكاتب الإنكليزي دون رونالد تولكين عن الأحداث".

في الحقيقة، توفر لنا هذه الروايات القديمة نافذة بالغة الأهمية على العلاقة السابقة التي ربطتنا كبشر بالغابات.

ومع تعاظم الجهود المبذولة في سبيل استعادة بعض ما فقدناه من تلك الغابات، تفاقمت أيضاً المعوقات أمام المهتمين الذين يسعون إلى الحفاظ على علاقات تاريخية أكثر حداثة مع المساحات الطبيعية الخالية.

لقد خلف التصاعد في مطاردة الغزلان وإطلاق النار على طيور "الطيهوج" أو الطريس خلال العصر الفيكتوري تركة كبيرة، مع تكريس منظمات كثيرة نفسها للحفاظ على سفوح التلال الخالية من الغابات المغطاة بشجيرات "الخلنج" حيث تعيش طيور الطيهوج وتتكاثر، أو الأراضي العشبية التي طالها التشذيب المجردة من الشتلات في سفوح التلال التي تسكنها الغزلان.

سنوياً، يدفع الناس الأموال من أجل إطلاق النار على الطيهوج والغزلان، لكن العبء البيئي المتمثل في السماح لهذه المساحات الطبيعية المصطنعة بالاستمرار صار موثقاً بصورة متزايدة، وما برح يتنامى رد الفعل العكسي تجاه هذه الممارسة.

"كثيرون ممن يقولون إنه لا ينبغي لنا إعادة توطين الأنواع الحية في البرية، أو المضي قدماً في هذا النوع من استعادة وترميم النظم الإيكولوجية، يستخدمون حججاً تتصل بما يسمى بـ"الأراضي الطبيعية الثقافية" في "ليك ديستريكت" [أو أرض البحيرات] أو تلال ويلز، غير أنها في الواقع حجة غير منسجمة مع التاريخ تماماً- فمن ذا الذي نحتفي بثقافته؟"، يسأل شروبسول.

"لماذا ترانا نحافظ على مساحات طبيعية عارية شكلتها ثقافة معينة حريصين على أن لا يشوبها أي تغيير، عوض النظر إلى كيف عاشت الثقافات السابقة، ربما، بشكل أكثر انسجاماً مع غابات البلوط الأطلسية والغابات المطيرة المعتدلة وغيرها من الغابات القديمة؟".

علاوة على ذلك، حتى عندما نتعرف إلى الثقافات العريقة ونحتفي بها، لا نضيف بالضرورة إلى صورنا عن الماضي مستويات عالية جداً من المساحات الخضراء التي لونت الطبيعة آنذاك.

يقول شروبسول إن "الناس هنا في منطقة دارتمور مولعون، وهم محقون تماماً، بحصون التلال التي تعود إلى العصر البرونزي، ولكن لا يسود اتجاه بأنها كانت مغطاة أكثر بالأشجار في تلك الأيام".

"كانت مرتفعات دارتمور تحتضن ربما أشجار البندق والبلوط. تلك هي البيئة التي سكنتها هذه الثقافة التاريخية. لا بد من أنهم اصطادوا الذئاب والغزلان والأيائل- كل تلك الكائنات المفقودة التي باتت الآن مجرد أشباح في المساحات الطبيعية"، وفق شروبسول.

لا ريب في أن حجم فقدان العالم الطبيعي الذي نواجهه اليوم مهول، غير أنه ليس مستعصياً على الحل.

لحسن الحظ، مجموعة كبيرة من جهود استعادة الحياة البرية جارية في مختلف أنحاء البلاد، فقد علمت "اندبندنت" من ريتشارد بانتنغ من "ريوايلدينغ بريطانيا" Rewilding Britain (استعادة الحياة البرية في بريطانيا) أن نحو 900 مشروع تشكل الآن شبكة من برامج استعادة الحياة البرية التي تخوضها هذه المنظمة.

بعض هذه المشاريع يشمل برامج إعادة التحريج على مستوى المساحات الطبيعية كما الحال في منطقة كاريفان Carrifran، وهو وادي بمساحة ألف و600 فدان في تلال بلدة "موفات" في المرتفعات الجنوبية في اسكتلندا، الذي شهد تحولاً كبيراً على مدار العشرين عاماً الماضية بفضل بذل جهود في غرس الأشجار الأساسية.

وتشمل مشاريع رئيسة أخرى جهود "تريز فور لايف" Trees For Life (الأشجار من أجل الحياة) لاستعادة غابة "كاليدونيان" التي امتدت عبر رقعة شاسعة من اسكتلندا.

بناءً على الأجزاء الصغيرة المتبقية من الغابة الأصلية التي لم تتعرض لأي مس بعد قرون من الزراعة وتربية الماشية وإزالة الأشجار وقطع الحطب وبناء السفن، أعادت المنظمة السناجب الحمراء إلى الغابات في "المرتفعات الشمالية الغربية" Northwest Highlands التي لم يسكنها هذا الحيوان طوال أكثر من 50 عاماً، وقد سعت إلى إعادة القنادس إلى الأنهار والبحيرات.

يساعد تشارلز دونداس، الرئيس التنفيذي لـ"صندوق بوردرز فورست" (الغابات على الحدود)، مالكي الأراضي في تنفيذ مشاريع استعادة الحياة البرية على نطاق المساحات الطبيعية في اسكتلندا، فضلاً عن مساعدة مالكي الرقع الصغيرة من الأراضي في العمل على زرع الأحراج وإدارتها.

وأخبر دونداس "اندبندنت" أن "ممارسة الضغط من أجل الأشجار إحدى أسهل المهمات التي توليتها على الإطلاق. إنك تدفع باتجاه باب مفتوح. الجميع، بغض النظر عن أعمارهم أو قناعاتهم السياسية، يرون القيمة التي يكتنزها حفظ الغابات الأصلية الأم.

"تتجلى الصعوبة ما إن تصبح مالكاً لأرض وتبحث عن عائد مالي لاستثمارك- أو في الواقع، وزيراً في الحكومة يبحث عن شيء يمكن أن يسهم في الناتج المحلي الإجمالي للأمة مع توفير الوظائف وكل شيء آخر"، وفق دونداس.

"ولكن في القطاع البيئي، أعتقد أننا بدأنا في تنسيق جهودنا كي نحصي بشكل أفضل الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي تعود بها الأراضي الحرجية والغابات المحمية"، قال دونداس.

كانت جهود سابقة لاستعادة الحياة البرية قد بينت العائد الحقيقي على الاستثمار الذي يتحقق بمجرد أن يبدأ السائحون في الوصول- مثلاً، سرعان ما جلبت عودة النسور البرية ذات الذيل الأبيض إلى جزيرة "مل"Mull  منافع جمة على المنطقة. يقول دونداس إن الأرض التي تستعيد أشجارها الأصلية تنال القدر عينه من الفوائد.

"المشاهد الأكثر جمالاً التي ترسمها المساحات الطبيعية المغطاة بالأشجار تشكل فائدة ملموسة للمرافق السياحية في المنطقة. أضف إلى ذلك، حقيقة أن هذه الأراضي المشجرة ستكون موطناً لأعداد إضافية من النباتات والحيوانات أيضاً. ذلك كله يصير نقطة جذب لمزيد من التنوع، بل لتنوع اقتصادي أكبر أيضاً.

يصف دونداس مشاريع استعادة الحياة البرية بأنها "نوع من القفزة الإيمانية".

"يتحدث الناس عن "إرجاع الأراضي إلى الحالة الطبيعية الأصلية" أو استحداث "غابة وحشية "أو "استعادة البراري"، بيد أننا نعمل على ذلك متوسلين التدخل البشري الأكثر عدوانية عبر زراعة كل شجرة موجودة هناك. تقول إحدى المدارس الفكرية إنك إذا أردت حقاً أن تعيد شيئاً ما إلى طبيعته البرية، عليك أن تتركه وشأنه تماماً، ولكن هذه العملية ستستغرق قروناً من الزمن. ببساطة، ليس متوفراً مصدر بذور الأشجار، ذلك أننا نعيش في هذه الأراضي المتدهورة.

"نحن في صدد إنشاء مصدر للبذور سيسمح لهذه الغابات بأن تصبح ذاتية التنظيم داخل الطبيعة بعد بضعة قرون. كبشر، قضينا تماماً على التوازن الذي تتسم به الطبيعة. علينا أن نستخدم القوة التي نمتلكها كبشر بغية ممارسة تأثيرنا في كفة الميزان، والسعي إلى الدفع بالأمور إلى سابق عهدها في الاتجاه المعاكس".

يقول أيدان ماكورميك من "نورثوودز "إنه في السنوات الأخيرة، شكلت كتب من قبيل "وايلدينغ" بقلم إزابيلا تري، الذي يحكي قصة تحويل مزرعة متعثرة في مقاطعة ساسكس إلى ملاذ بارز للحياة البرية، يعود بمردود مالي أكثر من ذي قبل- شكلت عاملاً محفزاً رئيساً في تعزيز الاهتمام في استعادة الطبيعة البرية، بين أوساط أصحاب الأراضي ومن لا يملكون مساحات كبيرة من الأراضي، على حد سواء.

"يتنامى الطلب بين صفوف الأشخاص الذين لديهم أراض يريدون إرجاعها إلى حالة أكثر طبيعية، ونحن في "نورثوودز" نمدهم بالمساعدة. نسهم في تجديد الأراضي الرطبة والأراضي العشبية، ولكن ربما تكون استعادة الأراضي الحرجية التوجه الأبرز بين معظم الأشخاص الذين يرغبون في خوض مجال ترميم النظم الإيكولوجية"، وفق ماكورميك.

"يود أصحاب الأراضي التصرف بها على نحو مختلف، وفي حال لم تكن تمتلك أرضاً، فعندئذ كمجتمعات، يعكف الناس على تجديد الطبيعة البرية لملاعب مدارسهم وحدائقهم، وتبدو المشاركة في [تنفيذ ذلك] بطريقة مختلفة أكبر مقارنة بالأوقات السابقة. إنه نهج محلي جداً، وحقيقي. يرى الناس التغيير ويودون أن يكونوا جزءاً منه"، يوضح ماكورميك.

كذلك يقول إن "استيعاب العمليات الطبيعية المطلوبة لتحقيق هذا الطموح آخذ في التحسن أيضاً".

في الماضي، كان [ينظر إلى استعادة الطبيعة البرية للأراضي على أنها] "زراعة أكبر عدد ممكن من الأشجار"- ولكن الآن أصبح فهم هذه العملية أكثر دقة. إنها في الواقع تتمثل في الابتعاد من الائتمانات الكربونية وزراعة أكبر عدد ممكن من الجذوع، والتحول إلى إنشاء الغابات الفعلية التي فقدناها، وهي لا تختصر بالأشجار، بل تتعدى ذلك إلى التنوع في الأنواع الحية".

في حين أن الرغبة عينها في حماية العالم الطبيعي وإعادة بناء ما فقدناه كانت حتى الآن بمثابة نقطة جذب قادرة على توحيد دعاة المحافظة على البيئة، وملاك الأراضي، وأنصار حماية البيئة، والعلماء، وشرائح من العامة، ثمة شعور قوي بأن ما تحقق حتى الآن قد أبصر النور من دون أي جهود من جانب الحكومة البريطانية.

في الحقيقة، واجهت رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس موجة انتقادات من مجموعات حفظ رئيسة كثيرة بشأن خطط ترمي إلى تمزيق الحماية البيئية القائمة، ودعم استخدام الوقود الأحفوري الضار، وإلغاء إصلاحات رئيسة في إدارة الأراضي.

يقول شروبسول: "يبدو عجيباً تماماً أن تسعى الحكومة إلى التخلص من جميع الإصلاحات التي [خططت لها]".

"كثير من المزارعين يريدون تحقيق شيء مختلف، إضافة إلى نشطاء بيئيين وأعضاء في مجموعات الحفاظ على البيئة. ثمة استنكار حقيقي، ورد فعل واقعي، وقد أثلج ذلك صدري"، يضيف شروبسول.

وفي رأيه، "الحكومة ستخسر".

يوافقه بانتينغ الرأي، موضحاً أن "القيمين على استعادة الطبيعة البرية ودعاة الحفاظ على البيئة والمدافعين عنها والمزارعين- كل من يحب الطبيعة- يعتريهم قلق كبير بشأن المصير الذي نتجه إليه.

"نرى ما يبدو أكبر هجوم على الطبيعة شهده أي منا في حياته من طريق تهديد مخطط إدارة الأراضي البيئية [Elms] وتمزيق القوانين البيئية، ومناطف الاستثمار غير المدروسة. يبعث هذا الواقع على قلق كبير جداً. الحكومة تخطئ في تقديره بحق. انتخابياً، إنه توجه مجنون"، على ما جاء في كلمات بانتينغ.

ويكشف أن "مختلف الميادين تقابل ذلك بالرفض، بما في ذلك المؤسسات الخيرية التي لا تخرج عن الصمت بسهولة- من قبيل "الجمعية الملكية لحماية" (RSPB).

ويصف بانتينغ استعادة الحياة البرية بأنها "سرد من الأمل يتصدى لأزمة المناخ ويحقق فوائد للناس."

بدوره، يشير الباحث رولاند إينوس بأنه لا بد من النظر إلى قصة الإنسان باستمرار على أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعلاقتنا بالخشب.

ويشير إلى أن العصور، الحجري والحديدي والبرونزي، اعتمدت على الخشب وعملت على جعلنا أقرب إليه.

يبقى أنه لما كنا نواجه التهديد الوجودي الذي تمثله أزمة المناخ الآخذة في التفاقم، ربما حان الوقت لأن يلجأ مزيد منا إلى إعادة إحياء علاقاتنا مع الغابات والأخشاب فيها، للمساعدة في نمو أحراجنا، وتقدير القيمة التي تكتنزها، وتعزيز رفاهنا، وسلامة كوكبنا المريض.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات