Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤتمر مصر الاقتصادي... كم كلفة الخروج من النفق؟

الحكومة تمنح الأولوية لكبح التضخم على حساب قوة الجنيه ومحللون يرفضون تخارجها لحساب القطاع الخاص

كشف السيسي أن الأزمة العميقة التي عانتها مصر تطلبت إجراءات حادة وقاسية (صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية على "فيس بوك")

قدمت الدولة المصرية رؤيتها للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها الاقتصاد المصري خلال فعاليات اليوم الأول من المؤتمر الاقتصادي 2022، وتضمنت الرؤية الرسمية للدولة كشف حساب لما نفذته خلال السنوات الماضية، وخطتها العاجلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية الصعبة، وسط خلافات المحللين ما بين مؤيد ومعارض جزئياً أو كلياً للرؤية الرسمية للدولة في أول أيام المؤتمر.

وكشف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن الأزمة العميقة التي عانتها الدولة خلال الـ 50 عاماً الماضية تطلبت إجراءات حادة وقاسية وحلولاً جذرية ومستمرة لعلاج جميع الاختلالات، مضيفاً خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية أنه "عام 2015 عندما قمنا برفع الدعم جزئياً عن الوقود هناك من قال إنني أغامر بشعبيتي، وفي تقديري أنه كان لا بد من استثمار الرصيد الموجود لدى الناس من أجل الإصلاح وعدم إهدار هذه الفرصة التي ربما لن تتكرر مرة أخرى لمن يتولى المسؤولية".

الرئيس المصري أشار إلى أن "أي مسار اقتصادي وأي حلول تطرح تستوجب من متخذي القرار والمسؤولين النظر إلى البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وما إذا كانت ستساعدهم في تمرير هذا المسار أم لا".

وتابع، "يمكن القول إن كل رجال الاقتصاد والمفكرين يستطيعون وضع خرائط قوية ومهمة جداً، لكن الأهم هو النظر إلى كلفة القرار، فإذا كانت هذه الكلفة أكبر من العائد فلا داعي لاتخاذه".

واستشهد السيسي بقرارات الإصلاح الاقتصادي عام 1977 (رفع الدعم عن رغيف الخبز وعدد من السلع الأساس في عهد الرئيس الراحل أنور السادات) قائلاً إن "تلك القرارات كشفت أن رد الفعل عليها كانت أكبر من العائد منها، لذا تم التراجع عنها آنذاك".

نتائج ترسيم الحدود

وأشار الرئيس المصري إلى أهمية اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وكل من قبرص واليونان في البحر المتوسط والسعودية في البحر الأحمر، قائلاً "إن حقل ظهر للغاز الطبيعي لم يكن ممكناً اكتشافه لو لم يتم ترسيم الحدود مع قبرص واليونان في البحر المتوسط والسعودية في البحر الأحمر"، ولفت إلى أن "الاتفاق وفر 120 مليار دولار سنوياً تعادل قيمة الغاز المستخدم لتشغيل محطات الكهرباء.

وتابع، "تم اكتشاف حقل ظهر ولولاه لكانت مصر مظلمة الآن، إذ لم نكن نملك توفير ملياري دولار شهرياً بالأسعار السابقة للغاز لتشغيل محطات الكهرباء، أما بالأسعار الحالية فقد تصل الكلفة إلى 10 مليارات دولار شهرياً لشراء الغاز المطلوب لتشغيل المحطات".

وأكد أنه "لا بد من إجراءات حادة وواضحة لمعالجة جميع المشكلات التي تواجه الاقتصاد المصري منذ عشرات السنين، وكان واضحاً عمق الأزمة التي تعانيها مصر وتتطلب إجراءات حادة لعلاج الاختلالات على مدار الـ 50 عاماً الماضية".

وأوضح أنه "تم تنفيذ مشاريع بـ 7 تريليونات جنيه (357.14 مليار دولار)، وهو رقم متواضع لكنه يوازي حجم اقتصادات دول صغيرة"، مشيراً إلى أن "الحكومة مطالبة بإنشاء 60 ألف فصل دراسي سنوياً لمواجهة الزيادة السكانية، لكن قدرة وإمكانات وموارد الدولة لا تستطيع تلبية جميع حاجات المواطنين".

وكشف عن أنه خلال السنوات الثلاث الماضية تم إجراء من 300 إلى 400 ألف عملية لإنهاء قوائم الانتظار (عدد المواطنين المنتظرين لإجراء عمليات جراحية دقيقة).

وتابع، "تم إنشاء العاصمة الإدارية من موازنة شركة العاصمة الإدارية، والدولة لم تتحمل أية كلفة في الإنشاء، وعلى رغم الإنجازات التي تحققت فإن هناك من يتعامل مع الدولة كخصم، وفي المقابل فإننا نعمل على تنفيذ مسارات من أجل مواجهة تحديات الدولة، وبالفعل جرى وضع استراتيجية مواجهة المشكلات التي تواجه مصر".

470  مليار دولار كلفة التغيير

وأشار السيسي إلى أن "هدف الحوار الوطني سماع المقترحات التي تسهم في حل المشكلات"، لافتاً إلى أن "الجهاز الإداري للدولة لم يكن مستعداً بالكفاءة المطلوبة لتنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي، لذلك نتحرك كدولة في مواجهة العوز والفقر عبر قدرات وموارد متاحة لدينا، وفي الوقت الحالي فإن الجهاز الإداري هو الذي يقود عملية الإصلاح والبناء".

الرئيس المصري أكد أن "أحداث عام 2011 كانت بمثابة إعلان وفاة للدولة المصرية، وكلفة التغيير وصلت إلى 470 مليار دولار، خصوصاً أن حال التشكيك مستمرة في الدولة المصرية منذ 80 عاماً، واستمرار التشكيك يخلق مجتمعاً غير سوي، كما أن الدولة المصرية لم يكن بمقدورها مواجهة الضربات الخارجية مثل الحروب والعمليات الإرهابية".

وفي كلمته خلال المؤتمر قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن "السيطرة على معدلات التضخم في الوقت الحالي أهم من الحفاظ على سعر صرف الجنيه"، مضيفاً أن "بعض الدول قد تلجأ إلى خفض قيمة عملتها لتعزيز الصادرات".

وتابع أن "المصريين لديهم انطباع بأن سعر صرف الجنيه مرتبط بقوة الاقتصاد، وبالتالي عندما ينخفض الجنيه يرى المصريون الاقتصاد سيئاً، علاوة على الانخفاض الهائل الذي حدث في إجمال الديون من الناتج المحلي".

وتراجعت العملة المصرية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، إذ تسجل حالياً 19.71 جنيه في مقابل الدولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري وسط زيادة كبيرة في الطلب على العملة الأجنبية ونقص في المعروض منها.

وارتفع الدولار الأميركي بأكثر من 25 في المئة منذ مارس (آذار) الماضي في مقابل الجنيه.

وتسارعت معدلات التضخم في مصر خلال سبتمبر (أيلول) الماضي لأعلى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، إذ سجلت أسعار المستهلكين 15 في المئة على أساس سنوي في مقابل 14.6 في المئة خلال أغسطس (آب)، في حين قفز التضخم الأساس الذي يستبعد أسعار السلع الأكثر تقلباً إلى 18 في المئة.

ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ" يرى رئيس البحوث في "نعيم" المالية آلن سانديب، أن "التضخم وسعر الصرف مهمان ومترابطان اقتصادياً واجتماعياً وعلى صعيد السياسات، ففي حين أن التضخم مقياس اقتصادي رئيس، لا سيما من ناحية القدرة الشرائية للمواطنين التي يلعب فيها سعر الجنيه دوراً أساساً، فإن استقرار سعر الصرف أيضاً أمر بالغ الأهمية لجذب استثمارات جديدة للبلاد".

إلغاء الاعتمادات المستندية قريباً

وحول القيود المفروضة على الاستيراد من قبل البنك المركزي، أكد رئيس الوزراء المصري أن حكومته تعمل على إلغاء نظام الاعتمادات المستندية خلال الفترة القليلة المقبلة لإزالة المعوقات أمام المستوردين والمستثمرين.

وتابع مدبولي أن "المؤتمر الاقتصادي يتزامن مع أزمة اقتصادية لم يشهدها العالم منذ 80 عاماً، ومصر ليست بمنأى عنها، بل صنفت كواحدة من الدول الأكثر تأثراً بهذه الأزمة"، مؤكداً أن "مصر تحتل المركز الخامس إقليمياً في إنتاج الغاز بحجم إنتاج سنوي بلغ 58.5 مليار متر مكعب".

وأوضح أن "الاستثمارات العامة الموجهة لقطاع التعليم تضاعفت ثماني مرات لتصل إلى 40 مليار جنيه (ملياري دولار أميركي) خلال العام المالي 2020 - 2021، مقارنة بخمسة مليارات (254 مليون دولار) عام 2012 - 2013.

وفي مطلع مارس (آذار) الماضي أوقف البنك المركزي المصري التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، وأقر العمل بنظام الاعتماد المستندي بدلاً منها، باستثناء 15 من السلع الأساس، مما خلق أزمة لدى المستوردين لعدم قدرتهم على توفير العملة الأجنبية.

وتسبب القرار في تكدس البضائع داخل الموانئ المصرية، وبدأت آثاره تنعكس على السوق المحلية بخاصة في ما يتعلق بندرة بعض السلع واتجاه التجار إلى رفع أسعارها بنسب قياسية عبر القطاعات التجارية كافة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال أولى جلسات المؤتمر بعنوان "السياسات المطلوبة لتعزيز قدرة الاقتصاد المصري على مواجهة الأزمات"، قالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد إن "معدلات البطالة في مصر شهدت أدنى مستوياتها على مدار 20 عاماً، إذ كانت الدولة تعاني كون المعدل يتجاوز حاجز التسعة في المئة خلال سنوات سابقة، لكن هذا المعدل بات يشهد تراجعاً بشكل متواتر إلى ما دون الثمانية في المئة مع توقعات بمزيد من الانخفاض".

وأكدت إدراك الدولة للفجوة بين مخرجات العملية التعليمية وحاجات سوق العمل في مصر، لذا بدأت في معالجة تلك الفجوة من خلال تطوير برامج التعليم العالي والتوسع في برامج التعليم الفني والمهني، مشيرة إلى أن "ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال الشراكة التامة مع القطاع الخاص".

في المقابل، رفض نائب رئيس الوزراء الأسبق زياد بهاء الدين تخارج الحكومة وانسحابها من النشاط الاقتصادي في الوقت الحالي، وقال في كلمته خلال إحدى جلسات المؤتمر "لسنا بحاجة إلى تشريعات جديدة لجذب الاستثمارات، لكننا نحتاج إلى مراجعة التشريعات التي صدرت منذ فترة"، مشيراً إلى أن "استقرار الأوضاع الأمنية ووجود بنية تحتية جيدة للدولة من أهم العوامل التي تؤدي إلى زيادة الاستثمار، لكن تلك العوامل الجيدة تحتاج إلى إعادة النظر في منظومة الضرائب، سواء ضريبة الدخل أو ضريبة القيمة المضافة وغيرهما".

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة "كارنيغي" في واشنطن عمرو حمزاوي إن "أهمية المؤتمر الاقتصادي ترتبط بأهمية التفكير الحر والنقاش حول التوجهات الكبرى للاقتصاد المصري ومؤشرات أدائه، وكذلك حول التداعيات الاجتماعية لهذا الأداء على المجتمع والمواطنين".

التواصل مع الرأي العام

وتابع حمزاوي في كلمة مسجلة خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر أن "هناك توجهات كبرى ترتبط بدور الدولة والقطاع الخاص، ومؤشرات ترتبط بمعدلات التنمية المستدامة والميزان التجاري بين الصادرات والواردات، وضرورة دفع الصادرات المصرية إلى الأمام، ومؤشرات أخرى ترتبط بأزمة الدين الخارجي والمحلي"، مضيفاً "أرجو أن تفكروا في سبل التواصل الشفاف والمستدام مع الرأي العام لعرض تفاصيل ومخرجات النقاش وكيفية التأثير المحتمل لهذه المخرجات على التوجهات الكبرى السياسية الاقتصادية".

وقال المحاضر في الجامعة الأميركية هاني جنينة إن "المكاشفة والمصارحة التي تحدث بها المسؤولون خلال المؤتمر أمر جيد يدعو للتفاؤل"، مؤكداً لـ "اندبندنت عربية" أن "الأهم من التصريحات هو أن يخرج المؤتمر في النهاية بروشتة علاج للاقتصاد المريض تتضمن توصيات قابلة للتنفيذ".

وحول مواجهة الحكومة لسعر الصرف أم التضخم، قال المتخصص في الاقتصاد الكلي هاني توفيق "ليس المهم الاختيار بين بديلين، بل مراقبة وضمان استقرار الأسعار"، موضحاً لـ "اندبندنت عربية" أنه "يجب الحفاظ على معدل التضخم عند مستوى مناسب لأوضاع المصريين".

ولفت إلى أن "التوقعات تشير إلى استمرار معدلات التضخم حتى نهاية العام الحالي مع ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي بشكل كبير".