Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف غدت المسيرات سلاح الإرهاب في أفريقيا؟

كان استخدامها مقتصراً على أغراض تنموية وسلمية وإنسانية

حددت الطائرات المسيرة كتهديد إرهابي من قبل مجلس الأمن الدولي بعد مشاركتها في الحرب الأوكرانية (غيتي)

من الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعي، مروراً بالقرصنة الرقمية، ثم حشد الجيوش الإلكترونية، وصولاً إلى استعمال الطائرات المسيرة (من دون طيار)، قدم انتشار التكنولوجيا والتطور السريع في الرقمنة مجموعة متنوعة من الوسائل تستخدمها التنظيمات الإرهابية لتحقيق أهدافها الواسعة. وإن كانت الوسائل الأولى تقتصر على تجنيد إرهابيين من مختلف دول العالم عن طريق الاستقطاب والتحريض لارتكاب جرائم إرهابية تكون أحياناً انتحارية، وكذلك جمع المعلومات والتمويل، فإن المسيرات تنفذ هجماتها من دون الحاجة إلى عنصر بشري، إضافة إلى أنها توفر كثيراً من الجهد والمال.

وتناول مجلس الأمن الدولي هذا الأمر في عدد من القرارات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وآخرها القرار 2617 في العام الماضي، أشار فيه إلى "التكنولوجيا الناشئة". وقررت "لجنة مكافحة الإرهاب" التابعة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة عقد اجتماع خاص في شأن "مكافحة استخدام التقنيات الجديدة والناشئة لأغراض إرهابية" في الهند، يبدأ في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

وقبل ذلك، وضع المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب بقيادة ألمانيا والولايات المتحدة "مذكرة برلين"، وهي مبادرة حول إساءة استخدام الأنظمة الجوية من قبل الإرهابيين لشن هجمات ضد البنية التحتية والأماكن العامة. ويحث الدول على مراعاة قرارات مجلس الأمن التي تحظر تقديم دعم للجماعات والمنظمات الإرهابية، بمحاولاتها تطوير أو تصنيع أو استعمال مواد محظورة أو نقلها أو تنفيذ هجمات بالطائرات المسيرة، التي أقر مجلس الأمن إساءة استخدامها على مستوى العالم.

وبعد تحديد الطائرات المسيرة كتهديد إرهابي من قبل مجلس الأمن في الحرب الأوكرانية، وتقول أوكرانيا إنها طائرات مسيرة إيرانية الصنع استخدمتها روسيا لاستهداف مواقع داخل أراضيها، واستخدمها الحوثيون ضد مواقع مهمة في السعودية، فإن الدور آت لأفريقيا بعد إدراك أخطارها من خلال الهجمات التي تنفذها الجماعات الإرهابية لتعطيل البنية التحتية أو الهجوم على تجمعات بشرية وأهداف مدنية وعسكرية، واستغلالها كأداة للمراقبة. والأخطر من ذلك أن دور هذه الجماعات بدأ يتضخم نتيجة لتأثير هذه الهجمات، مما يزيد من طموحها المتمثل في تهديد الحكومات من أجل فرض أي نوع من التغيير السياسي أو تلبية مطالبها من أي نوع.

سوق سوداء

ونمت سوق الطائرات المسيرة بسرعة كبيرة خلال العقد الماضي، وكان استخدامها مقتصراً على أغراض تنموية وسلمية وإنسانية، في مجالات الزراعة والتعدين وإيصال الإغاثات إلى مناطق النزاعات والمناطق المنكوبة بالفيضانات والكوارث الطبيعية التي يصعب الدخول إليها، وعمليات الأمن البحري وشرطة الحدود، إضافة إلى أغراض الترفيه وتوسعت دائرتها باتجاه اجتذاب الهواة. وتمثل جنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا أكبر سوق في القارة السمراء للطائرات المسيرة في قطاعي التعدين والزراعة، فمعظم مواد تصنيعها متاحة قانونياً. وقد سمح حجمها بعرضها الذي يبلغ نحو 0.6 متر بكثافة إنتاجها تجارياً بكلفة منخفضة. وبعد أن بلغت مبيعاتها العالمية 14 مليار دولار في عام 2018، فإنه يتوقع أن تصل إلى 43 مليار دولار في عام 2024، وفقاً لموقع "درون إندستري إنسايتس".

وتزايد الطلب على الطائرات المسيرة مع تزايد النزاعات إذ دخلت كأداة جديدة في الحروب الداخلية، وعمليات مكافحة الإرهاب، ضد "حركة الشباب" في الصومال، وتنظيم "القاعدة" في ليبيا، وفي النزاع الليبي - الليبي، حتى إن المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة وصف ذلك بأن "سماء ليبيا تحولت إلى أكبر مسرح لحرب الطائرات المسيرة في العالم".

ورفع عدد من الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، القيود عن الطائرات المسيرة للاستعمال التجاري، ومع تحسينها المستمر وعملها في أكثر من مجال، يتوقع أن تنتقل من المجال الجوي إلى تحت سطح الماء. وفي الوقت الذي يجري خلاله تنفيذ مشروع مشترك بين "مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب" ومعاهد عالمية لبحوث التسليح في النزاعات، لتقييم تطور الطائرات المسيرة، بتصنيفها إلى أنواع للهواة، وأخرى تجارية وعسكرية، وفق نظام تسجيل يضمن تتبعها، فيتوقع أن تتحول الصناعة والحصول عليها من سوق سوداء موازية للسوق النظامية، ويسهم في ذلك حجم الأرباح المالية التي تحققها هذه الصناعة.

سلاح ذو حدين

وتعمل الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا على ضبط تكتيكاتها بإدخال أشكال التطور الرقمي في نشاطها، وعملت في البداية على دمج الوسائل المحسوسة بالوسائل الإلكترونية، وأسهم طابعها اللا مركزي وتوزعها بين عدد من دول المنطقة، بشكل أكبر من مستوى تطور أفرادها ومقدرتهم التقنية، في خلق شبكة تواصل صعب اختراقها والوصول إليها في الفضاء الإلكتروني، مما يسر على أعضائها الاختباء من أعين السلطات واستخباراتها والاستعاضة بالنشاط الرقمي.

وتبذل الجماعات الإرهابية جهوداً متزايدة في استغلال الطائرات المسيرة التجارية الصغيرة لشن هجماتها المسلحة، وتعد جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا رائدة في هذا المجال، كما أن الحكومة النيجيرية تستخدم طائرات مسيرة صينية الصنع مسلحة ضد "بوكو حرام"، بينما تطور أيضاً طائراتها المسيرة المحلية بدعم من باكستان، إضافة إلى تنظيم "داعش" والتنظيم المنافس له في إقليم غرب أفريقيا "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة"، ويتشابك نشاط هذه الجماعات من غرب القارة في مالي إلى بوركينا فاسو وساحل العاج والنيجر والسنغال وموزمبيق ونيجيريا والكاميرون وتشاد، وصولاً إلى شرقها في كينيا والصومال وإثيوبيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأظهرت حركة "الشباب" الصومالية قدراً كبيراً من استعمال التقنية، ففي عام 2016 سجلت استعانتها بتكنولوجيا الأجهزة المتفجرة وتصميم هجماتها بالعبوات الناسفة من خلال تكتيكات وتقنيات وإجراءات محسنة على الطائرات المسيرة في شن هجمات على منشآت الحكومة الصومالية، كما سجلت تهديداً موجهاً لكينيا مطالبة بخروج القوات الكينية من الصومال. وأسهم في هذا الوضع انسحاب الولايات المتحدة من الصومال وفقاً لأمر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب نهاية 2020، وانسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي "أميصوم"، والاستعاضة ببعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية "أتميس"، مما جعل القوات الصومالية في مواجهة حركة "الشباب".

وبينما يشكل تزايد حيازة واستعمال الطائرات المسيرة من قبل الإرهابيين تهديداً أمنياً للحكومات الأفريقية، فإن بعضها استعان بالوسيلة ذاتها في معاركها ضد الجماعات الإرهابية والمتمردين. ففي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، أكدت الحكومة الصومالية استخدام الطائرات التركية من دون طيار لأغراض الاستكشاف والاستطلاع والمراقبة، وفي العمليات العسكرية الجارية في مناطق عدة في جنوب ووسط الصومال.

ديناميات الردع

ومنذ بداية حرب "تيغراي" في إثيوبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، قالت "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" إن القوات الإثيوبية شنت عليها غارات جوية باستخدام طائرات مسيرة هجومية ألقت قنابل أسفرت عن قتل مدنيين في المناطق المأهولة بالسكان وعلى مخيمات النازحين، وأخرى على مستشفى في عاصمة الإقليم ميكيلي. وجاء هذا التحول نسبة لوعورة المنطقة، ولأن قوات "تيغراي" تمتلك قدرات تسليحية برية كبيرة، لكن قواتها الجوية لا تضارع القوات الجوية الفيدرالية، فغير الجيش الإثيوبي استراتيجيته وتحول إلى القتال الجوي، مما ألحق خسائر بشرية ودفاعية بقوات "الجبهة".

وصنفت إثيوبيا من أكبر مستخدمي الطائرات المسيرة في القارة الأفريقية، وانطلاقاً من حرص الحكومة الفيدرالية الإثيوبية على تحقيق النصر على قوات "جبهة تيغراي"، استبقت حضورها في الإقليم الوعر من خلال الطائرات المسيرة، ويتردد أن مصادرها المتعددة تتنوع بين إيران وتركيا والصين. ودخول الطائرات المسيرة في الحرب على رغم تطور سلاح الجو الإثيوبي ربما يكون بغرض تشتيت الهجوم ما بين كيان القوات الرسمية وأخرى مموهة، وأسهم في ذلك تعقيد المنطقة مما حد من المراقبة الدولية، وبالفعل، تمكنت القوات الفيدرالية بعد استخدام الطائرات المسيرة بكثافة، من صد تقدم قوات "تيغراي" باتجاه الشرق، وتراجعت إلى شمال الإقليم، وفضلت قطع طريق الإغاثة الدولية الذي سيطرت عليه قوات "عفر" الموالية لنظام آبي أحمد على قطع الإمدادات العسكرية عن قواتها.

وأثمرت الجهود الحثيثة التي بذلها النظام الإثيوبي في تطوير وتوسيع نطاق البنية المؤسسية لقواته الجوية وأدخل الطائرات المسيرة باعتبارها أحدث الوسائل للهجوم، وانصبغت بطابع دفاعي. وقالت الحكومة إن "لها الحق في استخدام أي أسلحة تراها مناسبة". وبالتوازي مع استخدامها في إثيوبيا والصومال، وبعض القواعد العسكرية في جيبوتي، فإن هناك إشارات لهيكلة مؤسسية جديدة لديناميات الردع والصراع في منطقة القرن الأفريقي قد تسود في المرحلة المقبلة ملتحمة مع محاولات في الإطار نفسه يبذل في غرب أفريقيا وشمالها.

أولويات مستقبلية

وتشير هذه الوقائع إلى أن ساحة المعركة المقبلة بين الجماعات الإرهابية أو المتمردة والحكومات ستكون نتيجة للتوسع في استخدام الطائرات المسيرة، من واقع إمكان شرائها وتكييفها واستخدامها لتعطيل البنية التحتية للدولة المعينة مثل المطارات ومحطات الطاقة وشبكات الاتصالات وغيرها. وفي الوقت ذاته، يبرز احتمال استخدام الطائرات المسيرة في مكافحة الإرهاب ورد الهجمات من هذه الجماعات، مما يعني ازدواجية دورها، وما يمكن أن يقف عائقاً في وجه الحكومات الآن هو إمكان صياغة معايير قانونية واضحة تنظم هذه العمليات لاعتبارات عسكرية استراتيجية مسموح بها، أو لأغراض تنموية أو في برامج المساعدات الإنسانية مثل تلك التي أنشأتها منظمة "يونيسف" وهيئة "الإغاثة الدولية" و"برنامج الغذاء العالمي" في مالاوي وموزمبيق وغيرهما، لتكون أولويات مستقبلية، وفي المقابل، صياغة قوانين تجرم اتساع نطاقها لأهداف مشبوهة.

وفي تقريره عن "دور الطائرات المسيرة في الهجمات الإرهابية المستقبلية"، ذكر توماس جي بليدج من "رابطة جمعية جيش الولايات المتحدة" التابعة للقوات البرية الأميركية أن "الطائرات المسيرة لديها القدرة على المواجهة وتوفير الوقت والجهد ما يمكن الإرهابيين من القيام بهجمات متعددة في وقت واحد تقريباً، ونظراً إلى الزيادة الهائلة في أنواعها، وعوامل قدراتها وسهولة تشغيلها وتكلفتها المنخفضة، مما سيجعلها السلاح المفضل للإرهابيين في المستقبل القريب".

وتذهب بعض الدول المصدرة للطائرات المسيرة إلى أفريقيا إلى جعل هذه الصناعة ضمن استراتيجيتها لتحقيق نفوذ ومكانة دوليتين. وغير الفواعل الدولية يمكن أن ينمو كيان افتراضي ينشط في تصنيع هذه الطائرات التي صارت ذراعاً مهماً لتوجيه ضرباتها إلى كل من يقف عائقاً أمام تطور برنامجها. ويخشى أن تستخدمها الجماعات الإرهابية في توزيع مواد كيماوية أو أسلحة بيولوجية، مما يتعين على اجتماع لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن أن توجه استخدام الطائرات المسيرة لأغراض مشروعة وتقيد ما دون ذلك.

المزيد من تحلیل