"تنظيم مكافحة هدر الطعام وتشجيع إعادة توزيعه وتدويره واستغلاله" هو مشروع قانون جديد، من المنتظر أن يناقشه البرلمان المصري، في ظل ارتفاع نسب هدر الطعام في دولة تبلغ معدلات الفقر فيها 29.7 في المئة، وفق تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن عامي 2019 و2020.
ووفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة للعام الماضي، فالعالم يهدر 931 مليون طن من الغذاء سنوياً، بينهم 9 ملايين طن من مصر فقط، ويقدر نصيب الفرد من هدر الطعام ما يقرب من 91 كغم في العام الواحد، وتشمل تلك الأرقام الطعام المهدر في المنازل فقط، في غياب بيانات عن المصادر الأخرى للهدر، حسب نص التقرير، ما يرشح معدلات إهدار الطعام الحقيقية للزيادة. وأظهر تقرير آخر نُشر في يوليو (تموز) 2021، لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي، أن فقدان هذا الكم من الطعام في مصر، ينذر بالخطر، بخاصة أنها لدولة تواجه تحديات كبيرة على مستوى الأمن الغذائي.
برنامج قومي
مشروع القانون الذي تقدمت به عضو مجلس النواب أميرة صابر، يستهدف الإسهام في تأسيس برنامج قومي لمكافحة هدر الطعام تشرف عليه الهيئة القومية لسلامة الغذاء المصرية ووزارة التضامن الاجتماعي بالشراكة مع المجتمع المدني، والعمل على تشجيع مقدمي خدمات الطعام على إعادة توزيع ما يصلح منه للاستهلاك الآدمي والتبرع به دون مقابل لبنوك الطعام ومؤسسات العمل الخيري المعنية، ومنع التخلص من الطعام غير المباع وإهلاكه. كما يهدف البرنامج إلى إعادة تدوير الأطعمة غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، وتشجيع المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات، والتكافل والتضامن الاجتماعي، مع الاستفادة من عدد من التجارب الدولية في هذا الشأن، ومن أبرزها تجارب فرنسا وإيطاليا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي والصين.
ويحظر القانون المقترح التخلص من الطعام الصالح للاستخدام الآدمي، وأشارت عضو البرلمان المصري، في تصريحات صحافية، إلى أن مشروع القانون يفرض عدداً من الحوافز والغرامات، مع استبعاد أي عقوبة سالبة للحرية، لتشجيع مقدمي خدمات الطعام، من بائعي التجزئة حتى أصحاب المطاعم، للتبرع بالفائض الصالح للاستهلاك الآدمي بدلاً من التخلص منه في النفايات.
غرامة على المهدر
وألزم مشروع القانون كل من يقدم خدمات الطعام من مطاعم وباعة تجزئة وغيرها بإبرام اتفاقيات وشراكات مع بنك أو أكثر من بنوك الطعام المصرح لها بالعمل، الواقعة في المنطقة الجغرافية المحيطة بها، لتنظيم تلقيها الطعام الصالح للاستهلاك الآدمي، وإعادة استغلاله بالشكل الأمثل.
ونص مشروع القانون على معاقبة كل من يخالف القانون وشارك بطريقة أو أخرى في هدر الطعام الصالح للاستهلاك الآدمي، بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه (5 آلاف و452 دولاراً أميركياً)، ولا تزيد على 500 ألف جنيه (27 ألف و260 دولاراً)، ويمكن إصدار قرار بوقف نشاط مقدم خدمة الطعام أو بنك الطعام المخالف لأحكام المواد المشار إليها لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وتُضاعف العقوبة في حال العودة.
ويكون تلقي بنوك الطعام للأطعمة التي يتقرر التخلص منها دون مقابل وبشكل يومي، أو حسبما ينص الاتفاق بين مقدمي خدمات الطعام وبنك الطعام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعطى مشروع القانون سلطة الإشراف على البرنامج القومي لمكافحة هدر الطعام للهيئة القومية لسلامة الغذاء، حيث تضع اشتراطات سلامة الغذاء بالنسبة إلى الطعام المتبرع به، ومعايير التغليف والتجهيز، على أن تتحمل بنوك الطعام المعنية المسؤولية عن سلامة وفحص جودة الطعام، كما يكون للعاملين في الهيئة صفة مأمور الضبط القضائي في إثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون.
ويحظر القانون نهائياً على بنوك الطعام بيع هذه الأطعمة أو مقايضتها ولو بثمن أو مقابل رمزي، على أن يكون التصرف فيها دائماً بالمجان. وأجاز لمقدمي خدمات الطعام التعاقد مع شركات إنتاج السماد العضوي، سواء مجاناً أو نظير مقابل مالي، للتخلص من فائض الطعام غير الصالح للاستهلاك الآدمي، شريطة إخطار هيئة سلامة الغذاء.
كذلك، نص القانون على إنشاء جائزة سنوية للبرنامج القومي لمكافحة هدر الطعام، تُمنح لأفضل مقدم خدمة طعام وأفضل بنك طعام، على أن تحدد قيمة الجائزة المالية ومصادر تمويلها وضوابط وإجراءات التقدم إليها والفوز بها بقرار من وزارة التضامن الاجتماعي بالاتفاق مع الهيئة القومية لسلامة الغذاء.
ولم يتجاهل مشروع القانون الطعام المهدر منزلياً، حيث أشار إلى ضرورة تنمية ثقافة ترشيد استهلاك الطعام والتخلص الآمن منه.
ويعد ذلك أول مشروع قانون يقدم للبرلمان بشأن مكافحة هدر الطعام، بعد عدد من المطالبات والاقتراحات السابقة، حيث كشف معز الشهدي، الرئيس التنفيذي لبنك الطعام المصري، في تصريحات صحافية عام 2018، أن البنك يعد مشروع قانون للحد من هدر الطعام بالتنسيق مع مجلس النواب، من طريق فرض غرامات على هدر الطعام وتقديم حوافز لمن يحافظ عليه.
الهدر في رمضان
بدوره، قال النائب عاطف مغاوري، عضو مجلس النواب المصري، في تصريحات نقلتها صحف محلية، إن مشروع قانون مكافحة هدر الطعام من أهم الخطوات الإيجابية التي تعمل على خفض الإنفاق في المواد الغذائية، وإعادة توزيع الكميات الصالحة للفئات المستحقة لهذا الدعم، منوهاً بأنه في الحفلات وغيرها من المناسبات التي تقدم "أوبن بوفيه" تُهدر كميات أكل كثيرة، وأضاف أن تلك الظاهرة من أبرز المشكلات التي يجب التصدي لها باعتبارها سلوكاً غير مقبول دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، تزامناً مع جهود الدولة في تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين.
ووفق دراسة أجراها أستاذ الإدارة المحلية بالجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا، حمدي عرفة، فإن أزمة هدر الطعام تزداد حدة في رمضان، حيث كشفت الدراسة أن المصريين يلقون 52 في المئة من استهلاكهم الغذائي في سلة المهملات خلال شهر رمضان، في مقابل 31 في المئة خلال باقي أشهر العام بسبب سوء استهلاك الطعام وسوء الحفظ والتخزين، وسوء تقدير الاحتياجات.
وأوضح عرفة، في تصريحات خاصة، أن 57 في المئة من دخل المواطنين المصريين يُنفق سنوياً على الطعام، بمعدل 605 مليارات جنيه سنوياً، وما يستخدم لا يتخطى 61 في المئة من ذلك الطعام، مضيفاً أن حجم الإنفاق الغذائي في رمضان، على مستوى الدول العربية يرتفع بنسبة 55 في المئة مقارنة بالأشهر الأخرى، حيث يهدر الفرد في العالم العربي 240 كيلوغراماً سنوياً من الغذاء، ويرتفع وزن الهدر في رمضان إلى 330 كيلو. وأضاف أن الحل يكمن في التفتيش على المحال ومقدمي الطعام والتنسيق بين الوزارات المختلفة.
تجارب دولية
ويعد هدر الطعام أزمة عالمية، حيث يُفقد أو يُهدر نحو مليار طن من الغذاء سنوياً، أي ما يعادل ثلث الطعام المخصص للاستهلاك البشري حول العالم، بينما يعاني واحد من كل تسعة أشخاص نقص التغذية، ويؤدي الإهدار إلى خسائر تقدر بنحو 940 مليار دولار سنوياً.
وسنت دول عدة قوانين لمكافحة إهدار الطعام، حيث ألزمت فرنسا المتاجر بتوقيع عقود للتبرع بالطعام غير المباع، الصالح للاستهلاك إلى المؤسسات الخيرية أو لاستخدامه في إطعام الحيوانات أو كسماد زراعي، مع معاقبة المخالفين بغرامة 3 آلاف و750 يورو (4 آلاف و78 دولاراً)، بينما أعلنت الحكومة البريطانية في عام 2018 خطة لخفض مخلفات الطعام من تجار التجزئة ومصنعي الأغذية.
وفي إيطاليا، صدر قانون للحد من مخلفات الطعام في عام 2016، بهدف خفض مليون طن من إجمالي 5 ملايين طن تُهدر كل عام، عبر تسهيل تبرع تجار الأغذية والمزارعين بالطعام للمؤسسات الخيرية وبنوك الطعام، وإيجاد طرق تغليف مبتكرة لزيادة فترة صلاحية المنتجات، وحملة إعلامية للتوعية بالحد من نفايات الطعام.
أما في الصين، فقد دخل حيز التنفيذ العام الماضي قانون يسمح للمطاعم بتغريم الزبائن الذين يطلبون وجبات طعام زائدة ولا يستطيعون إنهاء وجباتهم، ما يعرض هذا الطعام ليكون مصيره القمامة، وقد تصل الغرامة إلى 10 آلاف يوان (1545 دولاراً)، وذلك بعدما أظهرت الإحصاءات هدر 10 مليارات كيلوغرام في المطاعم وحدها.
عربياً، لم تقر أي دولة قانوناً خاصاً للحد من هدر الطعام، لكن بعض الدول وضعت ذلك الهدف في برامج وطنية، مثل الإمارات التي أطلقت الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، لخفض معدل هدر الغذاء بنسبة 15 في المئة، وكذلك المملكة العربية السعودية التي أطلقت عام 2020 برنامجاً وطنياً للحد من الفاقد والهدر من الغذاء ضمن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.