Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بر الترك وإيالة طرابلس الغرب!

سلمت تركيا البلاد إلى إيطاليا بموجب معاهدة أوشي التي عقدت بين البلدين في سويسرا

عمر المختار مكبل اليدين من قبل الجنود الإيطاليين في العام 1931 (صورة ارشيفية)

تسليم ليبيا مرة وثانية! 

عاشت جدة أمي، أصيلةُ مدينة غريان، حتى روت لي في صباي، عن صباها، وعن سوط حاكمي البلاد من برّ الترك، كانت تحشّ نبات (الحلفا) صبيةً، تحت أعين الجنديّ التركي، الممتطي حصانه وفي قبضته السوط، ما تَحُشّ يُصدّر إلى بلاد الإنجليز، ليُحوّل إلى ورقٍ من النوع الرفيع، عاشت في ضنك، أول القرن الماضي في إيالة طرابلس الغرب، فيما الصبايا مثلها في إسطنبول في المدارس. ما أثار ذاكرة جدة أمي، زيارةُ جودت صوناي، رئيس برّ الترك المملكة الليبية، لم أكن ساعتها أعرف غير (حلوى برّ الترك)، كما يدعو الليبيون الحلوى الشامية، كان ذلك عام 1968. 

تذكر كتب التاريخ أن الإمبراطورية العثمانية احتلت طرابلس الغرب في 15 أغسطس (آب) 1551، حيث بقيت تحت سيطرتها حتى عام 1711، عندما استقل أحمد باشا القره مانلي بالولاية، وعُرفت تلك الفترة بالعهد العثماني الأول. وقد استمرت الأسرة القره مانلية حتى عام 1835، حيث دخلت البلاد في حرب أهلية وصراع على السلطة، بين أبناء يوسف القره مانلي الذي حكم البلاد بقوة وصرامة، بين عامي 1793 و1832 عندما تنازل لابنه علي. وفي عام 1835 احتلت البحرية العثمانية الإيالة، وعرفت هذه الفترة بالعهد العثماني الثاني، وبقيت تحت سيطرة الباب العالي حتى 1912.  

وقد سلمت تركيا البلاد إلى إيطاليا، بموجب معاهدة أوشي، التي عُقدت بين البلدين في سويسرا، بعد نجاح غزو إيطاليا الذي بدأ في أكتوبر (تشرين الأول) 1911، وكانت ولاية طرابلس الغرب، أخر نقطة تُسلمها تركيا، من ممتلكاتها في الشمال الأفريقي. 

الجمهورية الطرابلسية 

لما اندلعت الحرب الكبرى الأولى 1914، عاد التُرك إلى ليبيا التي زُجّ بها في حرب كبرى، بعد أن سُلّمت من قبلهم إلى المملكة الإيطالية. ويقول عبد الرحمن عزام أول أمين عام للجامعة العربية، ومن شارك في هذه الحرب في ليبيا، في مذكراته التي صدرت 2013، عن الهيئة العامة للكتاب في مصر، "مرت بضعة أسابيع، انهارت أثناءها مقاومة الجيوش العثمانية... وكانت محطتنا اللاسلكية، أول من التقط أنباء الهدنة بين الدولة العثمانية والحلفاء، ولما عرفنا الخبر، في مقرّ قيادة الأمير عثمان فؤاد، الوالي التركي على طرابلس تلك الفترة، في مصراته، قرّرنا كتمانه، وانتهزت الطائرات الإيطالية الفرصة، فأخذت في إلقاء، كميّة هائلة من المنشورات، تعلن فيها انتصار الحلفاء، واندحار العثمانيين وحلفائهم (الألمان)، وعقد هدنة بين العثمانيين والبلغار. وكان الأهالي قد اعتادوا، على تصديق بلاغاتنا، واتهام الإيطاليين بالكذب، في بلاغاتهم ومنشوراتهم، ولكن إعلان انتهاء الحرب، كان له صدى قوي، إلى درجة جعلت الأهالي، يتردّدون كثيراً في تصديق بلاغاتنا. ولم تفلح محاولتنا، لتكتّم أخبار الهدنة. وأصيب الأمير العثماني بانزعاج شديد، وكان أوّل ما تبادر إلى خاطره، أن ينجوَ بنفسه، في أول غواصة (ألمانية)، تصل إلى الساحل الطرابلسي. 

فرّ الترك، وتركوا الأهالي يواجهون قدرهم، فأعلنوا لمواجهة الكارثة، أول جمهورية عربية، في بلاغ، كما نُشر في المذكرات، إلى رئيس الحكومة البريطانية، جاء فيه "نتشرّف بأن نحيط فخامتكم بأن الأمة الطرابلسية، قد توّجت استقلالها، بإعلانها الحكم الجمهوري، وفي 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، أُعلن نتيجة انتخابات، مجلس شورى ومجلس جمهوريتنا. وليس بين الأمم، من هو جديرٌ بحريته واستقلاله، أكثرَ من الأمة الطرابلسية، التي تقاتل إلى الآن ثماني سنوات، ضدّ غاصب أرضها وحريتها". 

عدنا والعود أفظع! 

وعن علاقات أردوغان بالقذافي، ما جاء في ورقة للكاتب الليبي نور الدين النمر، بعنوان (عسكر تركيا ... العسكر سوسة)، وما نُشر في موقع ليبيا المستقبل في 2/8/2016، أن "السياسات الموّرثة، من المؤسسة العسكرية لإسلامييها الأتراك، من نجم الدين أربكان حتى رجب الطيّب أردوغان، هي التي مهدّت للانتهازية العشوائية، التي نلاحظها في مواقف حزب العدالة والتنمية، وزعيمه الديماغوجي من الأزمة الليبية، بدءاً بانتهاج مبدأ "عدم إنتاج ردّ فعل"، في التعاطي مع حدث الثورة الليبية عام 2011، والذي فسّره المراقبون بما يمكن تسميته، براغماتية الوجهين: وجهُ الموازنة بين حسابات الرّبح والخسارة، بناء على المصالح الاقتصادية القومية، بوصول مستوى التّبادل التجاري مع ليبيا عام 2010 إلى 9.8 مليار دولار، ووجهُ تعزيز العلاقات السياسية مع النظام الدكتاتوري السابق، الذي توّج بدعوة رئيس الوزراء التركي رجب الطيّب أردوغان، كضيف مشاركٍ في القمّة العربية في العاصمة المُصطنعة سرت! 2010، واستثمار رمزية حضوره للترويج، للبروبغاندا القذافية الغاربة، في ما سُمّي التوجه الثلاثي الأبعاد (العربي، الأفريقي، الإسلامي)، الذي كان ثمنه المدفوع ليبياً وأفريقياً، إفساح دور اقتصادي وتجاريّ لتركيا عبر النفوذ الليبيّ في أفريقيا...". وعلى ذلك فقد توّج القذافي أردوغان، بجائزته العالمية التي حملت أسمه. 

لاعب الكرة أردوغان قوميّ، مهووسٌ بالدور التركيّ، وأنه سلطان زمانه، لذا لبس لبوسَ الدين القوميّ للأمة التركية. ففي زيارته ليبيا، ومن مدينة مصراته يوم 16 سبتمبر(أيلول) 2011، التي تزامنت مع ذكرى شيخ الشهداء عمر المختار، أعلن عن وجوب اتّباع علمانيته الإسلامية، وأشاد بالشهداء الليبيين وبشيخهم عمر المختار، الذي أعدمه السفاح الإيطالي غراسياني، ولسانُ حال أردوغان: عُدنا، أكان ذلك أثناء صلاته في ساحة الشهداء في طرابلس، التي عُرفت بالساحة الخضراء عهد القذافي الذي صلّى فيها مرات عدة، أو عند ضريح عمر المختار في بنغازي، وجاء ذلك بعد تردّده بداية، في تأييد الثورة والتخلّي عن العقيد معمر القذافي، ولقد كانت تلك الزيارة، مقرونةً بزيارة دول الربيع العربي في الشمال الأفريقي: تونس ومصر. 

والآن وللمرة الثالثة 

قد يكون أردوغان الرئيس الوحيد، وفي عام 2019، من يعلن ويبشّر الليبيين، بتزويد طرفٍ منهم بالسلاح، ويُعرض الأمر في أشرطة تتناقلها محطات التلفزيون. كما ماتيو سالفيني، الوزير الإيطالي/ موسوليني اللحظة، يؤكد أن ليبيا ملاذٌ آمنٌ، وموثوقٌ به لإيواء المهاجرين غير الشرعيين. ومِن هنا باتت طرابلس مأوى، وسوقاً لعبيد عصر ما بعد الحداثة الأوروبية، وأقيمت، مراكز احتجاز للمهاجرين في ليبيا، وقد أُنجز كل ذلك بتحالف مضمرٍ، بين المصالح والنفوذ، الأردوغاني واليمين المتطرّف الإيطالي. 

أردوغان يتبجّح، وصنوه سالفيني بتدخلهما الفظّ، وعلناً يصبّان النار، على بنزين الحرب، ويدعوان كلّ خصمٍ، إلى تصفية حساباته معهما على الأرض الليبية.

المزيد من آراء