أدّت الحكومة التونسية الجديدة، برئاسة نجلاء بودن، اليمين الدستورية، في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ تونس، بعد حوالى ثلاثة أشهر من إعلان رئيس الجمهورية، قيس سعيد، الإجراءات الاستثنائية، في 25 يوليو (تموز) 2021.
وتتكوّن الحكومة من 25 حقيبة وزارية، وأكدت رئيستها نجلاء بودن، أن أولويتها ستكون محاربة الفساد، وتحسين ظروف معيشة المواطنين، إلى جانب استعادة الثقة الداخلية والخارجية في الدولة التونسية. فإلى أي مدى حققت حكومة بودن أهدافها، بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على توليها مقاليد السلطة في تونس؟
أداء سلبي
وأكد يوسف بلقاسم، مدير البرامج في منظمة "أنا يقظ" (منظمة رقابية)، الثلاثاء 21 فبراير (شباط) 2021، في ندوة صحافية خصصت لتقديم تقرير "بودن ميتر"، المتعلق بقياس مدى التزام رئيسة الحكومة، بتنفيذ الوعود التي التزمت بها، أن "رئيسة الحكومة نجلاء بودن لم تحقّق الوعود التي التزمت بها عند توليها مهامها على رأس الحكومة". وأضاف أن "المنظمة تعتبر أداء رئيسة الحكومة "سلبياً" بالمقارنة بما وعدت به، في مجال الحوكمة ومقاومة الفساد، وكذلك في المجالين الاقتصادي والاجتماعي".
وأشار مدير البرامج في المنظمة إلى أن "التقرير كشف أن 41 في المئة من الوعود التي التزمت بها رئيسة الحكومة، عند توليها مهامها على رأس الحكومة، منذ أربعة أشهر، لم تتحقق، في حين أن 47 في المئة في طور الإنجاز، و12 في المئة تعتبر وعوداً فضفاضة لا يمكن قياسها".
ويقرّ تقرير "أنا يقظ" "بفشل رئيسة الحكومة، في تحقيق خمسة وعود، في حين انطلقت في العمل على تحقيق أربعة وعود، تشمل بالخصوص تقييم وهيكلة الإدارة العمومية، وضمان نجاعة العمل الحكومي، وتطوير طرق عمل الهياكل الحكومية.
غياب استراتيجية لمكافحة الفساد
وبخصوص مكافحة الفساد، ورد في التقرير "غياب استراتيجية واضحة لمكافحة هذه الظاهرة، في ظلّ إغلاق أبواب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، منذ فترة، فضلاً عن غياب النصوص الترتيبية لتطبيق قوانين مكافحة الفساد، على غرار قانون التصريح بالمصالح والمكاسب"، كما تتحفّظ المنظمة على "السياسة التواصلية لرئيسة الحكومة التي لم يشاهدها التونسيون في أي حوار صحافي أو خطاب موجّه إلى الشعب التونسي"، مشيرة إلى وجود "تداخل بين صلاحيات رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية".
تدهور القدرة الشرائية
من جهتها، أكدت المنسقة الجهوية في منظمة "أنا يقظ"، صفاء زروقي، أن "وعدين فقط من جملة ثلاثة وعود، في المجال الاقتصادي، هي في طور الإنجاز، مستشهدة بالتقرير الأخير الذي نشرته وكالة "فيتش رايتينغ" الذي أشار إلى "توقعات الوكالة السلبية بخصوص الوضع الاقتصادي في تونس"، وفي المجال الاجتماعي، أفادت زروقي بأن "رئيسة الحكومة، انطلقت في تنفيذ وعدين مقابل فشلها في المحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي".
تركة ثقيلة من الحكم الفاسد
في المقابل، أكد سرحان الناصري، رئيس حزب "التحالف من أجل تونس"، أن "حكومة نجلاء بودن، منكبّة على معالجة الملفات الكبرى، إلا أن ثقل التركة التي ورثتها هذه الحكومة، بعد 10 سنوات، من الحكم الفاسد، على غرار الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات السابقة مع الطرف الاجتماعي، والتي من المستحيل تنفيذها"، وأضاف أن هذه الحكومة، "جاءت في ظروف استثنائية، وتركيبتها لا تملك رؤية واضحة واستراتيجية عمل متكاملة للمستقبل الاقتصادي والاجتماعي في تونس"، قائلاً، "إنها تبذل جهداً إضافياً لإيجاد حلول لمختلف المشاكل العالقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستشهد الناصري ببداية "الانفراج مع استئناف المفاوضات مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الداعمة تونس لتعبئة الموارد المالية الضرورية للميزانية، ولذلك لا يمكن محاسبة حكومة نجلاء بودن"، واعتبر أن حكومة بودن، "حكومة مؤقتة، لتسيير شؤون الدولة، في انتظار انتخاب برلمان جديد وتشكيل حكومة سياسية"، مثمّناً "التعامل الإيجابي لحكومة بودن مع الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة، من أجل تشريكهما في إيجاد حلول للوضع الراهن".
نصف ميزانية الدولة تذهب للأجور
من جهته، قال وزير الشؤون الاجتماعية، مالك الزاهي، إن "حوالى نصف ميزانية الدولة، توجّه لخلاص أجور أكثر من 700 ألف شخص في الوظيفة العمومية، والقطاع العام، وهو ما يجعل الوظيفة العمومية، غير قادرة على استيعاب مزيد من طالبي الشغل"، ولاحظ وزير الشؤون الاجتماعية، أن "وضع التشغيل في تونس يرتكز على التشغيل الهش، من خلال عديد الآليات المعتمدة"، مشيراً إلى "توجه الدولة، نحو اعتماد آليات جديدة، تمكّن من خلق الثروة، بالتشجيع على بعث المشاريع الخاصة، وتوفير الاعتمادات المادية اللازمة لذلك، مع متابعة ودعم هذه المشاريع".
وأكد رئيس الجمهورية، قيس سعيد، خلال آخر لقاء مع نجلاء بودن، في قصر قرطاج، ضرورة إدخال إصلاحات جذرية، والتصدي لسوء التصرف، وإهدار المال العام في إطار تحقيق العدالة الاجتماعية التي ينشدها الشعب التونسي.
وتزامن تسلّم حكومة بودن مهامها مع التداعيات الخطيرة لأزمة كورونا اقتصادياً واجتماعياً، ووسط ركود غير مسبوق للاقتصاد التونسي، ما جعلها أمام خيارات محدودة، في وقت يتهدّد البلاد احتقان اجتماعي وعدم استقرار سياسي.