Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طب الأسنان في تركيا يجذب السياح ويعيد بعضهم مشوهين

وعود جذابة تخفي تجاوزات كثيرة عبر عروض توفرها وكالات سفر تشمل كلفة التنقل والإقامة والعلاج

يزور تركيا سنوياً بين 150 و200 ألف شخص يرغبون في معالجة أسنانهم (أ ف ب)

أدركت البريطانية رضا عظيم أن رحلتها إلى تركيا لمعالجة أسنانها قد فشلت بمجرد نزعها الكمامة التي كانت تضعها. وتروي لوكالة الصحافة الفرنسية، قال لي زوجي عند رؤيتي "ماذا فعلوا لك! إن وجهك متضرر".

وتضيف المهندسة المتحدرة من مانشستر، "كانت لدي فراغات كبيرة تحت لثتي ويمكن رؤية كل القطع المعدنية (من الغرسات). عولجت أسناني بطريقة سيئة جداً".

وتتابع، "كانوا سيجرون لي في الأساس خمس عمليات زرع"، لكن قبيل بدء العملية قال لها أطباء الأسنان إن عليهم اقتلاع كل أسنانها.

وتقول عظيم البالغة 42 سنة والتي أصبحت مضطرة لارتداء طقم أسنان اصطناعي، "بدا عليهم أنهم محترفون".

تشوهات وآلام مزمنة

ويزور تركيا سنوياً بين 150 و200 ألف شخص يرغبون في معالجة أسنانهم، بحسب جمعية أطباء الأسنان الأتراك، منجذبين بالأسعار المناسبة فيها والفكرة الترويجية القائلة بأنهم سيحصلون على ابتسامة مشرقة في وقت قصير، وهو ما جعل تركيا إحدى أبرز الوجهات السياحية لطب الأسنان إلى جانب المجر وتايلاند ودبي.

إلا أن "الابتسامة الهوليوودية" التي توفرها عيادات إسطنبول وإزمير وأنطاليا غالباً ما يؤدي الحصول عليها إلى تقليم أسنان صحية أو حتى اقتلاعها، وأحياناً إزالة الأسنان كلها.

ويقول مدير إحدى عيادات إسطنبول لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم كشف اسمه، إن "عدداً كبيراً من عيادات طب الأسنان في تركيا تعالج أسناناً لا تحتاج أصلاً إلى العلاج"، مضيفاً "يضعون قشوراً (فينير) على أسنان تحتاج فقط إلى تبييض، ويلجأون أحياناً إلى تثبيت تيجان كاملة على الأسنان".

وليست عظيم المريضة الأجنبية الوحيدة التي تعاني تشوهاً أو ألماً مزمناً نتيجة لجوئها إلى العيادات التركية.

فالبلجيكية ألانا بون (23 سنة) التي زارت أنطاليا في يوليو (تموز) 2021، هي بين السياح المتضررين الذين تحدثت وكالة الصحافة الفرنسية إليهم بعد مواجهتهم مضاعفات خطيرة.

وكانت التيجان الـ28 التي ثبتوها على أسنانها تبدو جيدة لكن من ناحية المظهر فقط. وتقول، "غرسوها في عمق كبير. وأعاني حالياً التهاباً وآلاماً لا تفارقني يومياً... ويكون الألم أحياناً لا يُطاق". وتضيف أن "الحل الوحيد هو في إزالة كل التيجان لكن الأطباء لا يعرفون ما سيعثرون تحتها".

قلق في أوروبا

ودقت الجمعية البريطانية لطب الأسنان ناقوس الخطر في شأن ما يحصل، محذرةً من "المخاطر الكبيرة التي يحملها العلاج المنخفض التكلفة" في الخارج، وأشارت إلى احتمال حدوث التهابات و"سقوط تيجان وغرسات ثُبتت بطريقة خاطئة".

ويشير باتريك سوليرا من نقابة أطباء الأسنان الفرنسية، إلى أن قلقاً بدأ ينتابه عندما رأى عدداً من نجوم مواقع التواصل يتوجّهون إلى تركيا لـ"تقليم أسنانهم".

ويقول، "لا ينبغي تثبيت تاج على سن حتى لو لم يكن شديد الإصفرار، أو تقليم سن سليم لوضع تاج عليه وهو ما يفضي إلى تشويه"، مضيفاً "يواجه السجن في فرنسا مَن يقوم بهذه الإجراءات الطبية".

إلا أن طارق إيسمن من جمعية أطباء الأسنان الأتراك، يشدّد على أن أطباء الأسنان في تركيا كانوا يستجيبون لرغبات المرضى.

ويقول إن "بعض الأشخاص يريدون أن يكون مظهرهم مشابهاً لنجوم هوليوود ويحصلون على ابتسامة مشرقة. وفي حال لم ينفّذ أطباء الأسنان الأتراك رغباتهم هذه، فسيقوم بذلك أطباء ألبان أو بولنديون".

ويشير إيسمن إلى أن نسب فشل العمليات الجراحية "تكون مقبولة إن انحصرت بين 3 إلى 5 في المئة... وقد تُسجّل في أي بلد". ويوضح أنه لم يُفصل من النقابة أي طبيب من الأطباء الـ40 ألفاً المنتسبين لها.

أكثر من 2000 عيادة غير شرعية

من جهته، يقول تركر سندالي، أحد أبرز الأسماء في المجال ويعمل فيه منذ 20 سنة، إن "أطباء الأسنان الأتراك هم الأفضل والأدنى تكلفةً في العالم".

ويفاخر بعدم "اقتلاع سن واحد مدى 12 سنة" في عيادته الواقعة بإسطنبول حيث 99 في المئة من الزبائن هم أجانب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف، "لكنني حزين لإعلامكم أن 90 في المئة من العيادات التركية تعتمد معدات رخيصة"، متهماً 2000 إلى 3000 عيادة غير شرعية بتشويه سمعة القطاع.

أما رئيسة غرفة أطباء الأسنان في إسطنبول بيرنا أيتاك، فتوجه أصابع الاتهام إلى وكالات السياحة الطبية لـ"خفضها جودة الرعاية الصحية" التي توفرها ضمن عروضها.

وسافر جميع الأجانب الذين تحدثت إليهم وكالة الصحافة الفرنسية تقريباً إلى تركيا عبر وكالات سفر ضمن عروض تشمل كلفة التنقل والإقامة والعلاج.

ومع أن أكثر من 450 وكالة سياحية طبية تحمل ترخيصاً من وزارة الصحة التركية، إلا أن وكالة الصحافة الفرنسية لاحظت أن بعضها يستخدم تقنيات مضللة لجذب الزبائن.

ومن بين هذه الوكالات السياحية "سول دانتل" التي تشير إلى أنها "عيادة متخصصة في الأسنان"، مع أن الترخيص الذي تحمله يفيد بأنها مجرد جهة وسيطة.

وعبر الصفحة الرئيسة في موقعها الإلكتروني، تعرض الوكالة صوراً وتعليقات إيجابية أفاد بها زبائن سابقون يتمتعون بابتسامة مشرقة.

وبعدما تحققت وكالة الصحافة الفرنسية من صحة هذه الصور، توصلت إلى أنها مأخوذة من قاعدة للصور، وسبق أن استُخدمت في دعايات لعيادة "بيرلا دانتل" في أنطاليا ولوكالة طبية تونسية.

المقاضاة غير شائعة

ومن بين المرضى الذين توجهوا إلى "سول دانتل" لتلقي علاج، بريطانيان قالا إنهما عانيا مضاعفات عقب معالجة أسنانهما فيها.

ويشير أحدهما إلى تضرر طاول لبّ أسنانه قائلاً، "أصبحت أنزف كثيراً عندما أغسل أسناني".

وكان هذا النجم على مواقع التواصل الذي رفض الكشف عن اسمه، سافر إلى تركيا ضمن صفقة إعلانية للعيادة، ولم يخبر متابعيه وهم بعشرات الآلاف عن المضاعفات التي عانى منها خوفاً من مقاضاته.

ولم ترد "سولي دانتل" ولا وزارة الصحة التركية على طلبات للتعليق.

ويُعتبر لجوء الضحايا إلى القضاء عند عودتهم إلى بلادهم أمراً مكلفاً وغير شائع.

ويقول باتريك سوليرا، "عندما يعود مريض ما من تركيا أو أي بلد عالج فيه أسنانه، يرفض الأطباء إكمال الإجراء الطبي لأن أسنان المريض تصبح من مسؤوليته".

تسويات مالية

ولإصلاح الأضرار في أسنانهما، دفعت رضا عظيم وألانا بون 30 ألف دولار، وهو مبلغ يفوق ما دفعتاه في تركيا بثلاث إلى أربع مرات.

ونتيجة جهود حثيثة، تمكنت المهندسة البريطانية من استرداد 3000 دولار من عيادة إسطنبول التي شوّهت فمها، إلا أن هذا المبلغ لا يكفي حتى لشراء طقم أسنان مصنوع في باكستان ومن شأنه أن يعيد لها "90 في المئة" من ابتسامتها.

وعرض عليها طبيب الأسنان التركي أن يعالجها في حال عادت إلى تركيا، لكنها كانت بحسب قولها خائفة جداً من اتخاذ خطوة كهذه. ولم ترد العيادة عند محاولة التواصل معها.

وتقول المحامية التركية بوركو هولمغرن من "لندن ليغل إنترناشونال"، "إذا أراد الشخص أن يعالج أسنانه فعليه أن يبحث بنفسه عن طبيب مناسب ويتحدث إليه مباشرةً لا أن يحصل على استشارة عبر الإنترنت".

وتشير إلى أنها ساعدت أكثر من 10 مرضى للحصول على تعويض بعدما واجهوا مشكلات نتيجة تلقيهم معالجات من عيادات أسنان تركية، موضحة أن معظم القضايا تنتهي بتسوية مالية من دون فصل طبيب الأسنان المعني من النقابة.

وتؤكد رئيسة غرفة أطباء الأسنان في إسطنبول أنها لا تزال تؤمن بالسياحة العلاجية، لكنها قلقة من عدد الطلاب الراغبين في ممارسة هذه المهنة.

وبينما كان عدد كليات طب الأسنان يبلغ 35 عام 2010، أصبحت البلاد تضم حالياً 104 كليات. وتقول أيتاك، "نخرّج أطباء أسنان سيكونون عاطلين من العمل مستقبلاً، وفي حال مارسوا المهنة فلن يولي بعضهم اهتماماً للنواحي الأخلاقية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير