Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أن يغيب الاقتصاد والحرية... هكذا اختلفت احتجاجات الحجاب في إيران

ارتبطت التظاهرات بشعارات إنسانية فاستجاب لها مشاهير الفنانين والشخصيات الاجتماعية والسياسية داخل طهران وخارجها

امتدت الاحتجاجات إلى الجامعات الإيرانية وانضم إليهم طلاب المدارس من ذكور وإناث (أ ف ب)

تستمر الاحتجاجات في شوارع إيران للأسبوع الرابع وفي حين أنها ليست ظاهرة جديدة في البلاد إلا أن استمرارها نحو شهر من دون قدرة النظام على إخمادها أو إضعافها يجعل التساؤل حول ما الاختلافات بين هذه الاحتجاجات وتلك التي اندلعت خلال أعوام 2017 و2018 و2019، أو الاحتجاجات التي عرفت بالثورة الخضراء عام 2009. تساؤل تردد كثيراً في التحليلات التلفزيونية التي تتناول التطورات الإيرانية وعما إذا كانت التحركات سبباً لإسقاط النظام الممتد منذ أكثر من أربعين عاماً.

نجد أن الاختلاف بين احتجاجات الحجاب الجارية الآن وغيرها من تظاهرات يدور حول رد رمزية الحجاب ودور المرأة والشعارات التي يرددها المتظاهرون، إضافة إلى مدى انتشار التظاهرات والمشاركين فيها، فضلاً عن الدعم الدولي الرسمي وغير الرسمي.

اندلعت تحركات الحجاب في منتصف سبتمبر (أيلول) احتجاجاً على مقتل شابة إيرانية كردية داخل مركز للشرطة توبيخاً لها لعدم تماشي حجابها مع قواعد الحجاب الصارمة التي تضعها السلطات الإيرانية ونمت بعد ذلك الاحتجاجات لتصبح مناهضة لحركة الحجاب القسرية، مما أدرج البعد النسوي في القضية وتم رفع شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، وهي مطالب بحقوق حرم منها الإيرانيون خلال الـ40 عاماً الماضية.

أما مدى انتشار التظاهرات فقد انتشرت داخل عشرات المدن، لا سيما محافظات الأقليات وأقيمت المسيرات الاحتجاجية في مدن عدة، لكنها لم تتركز في حي أو شارع معين. ليست النساء اللاتي يقعن على قائمة انتهاكات الحقوق في إيران هن من شاركن في التظاهرات فقط، بل تعاطف معهن الرجال وامتدت التحركات إلى جميع الجامعات الإيرانية والجديد أنه انضم إليهم طلاب المدارس من ذكور وإناث والأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، فانتقلت الاحتجاجات إلى المدارس وظهرت صور عدة لتلميذات يخلعن حجابهن.

كانت النساء والفتيات من جميع الأعمار القوة الدافعة في هذه التحركات وهن المروجات الأساسيات للقيم التي تطالب بها هذه الحركة الجديدة في إيران، بما يشير إلى جيل جديد من الشباب الإيرانيين الذين يبرعون في التكنولوجيا ويتوقون إلى الحرية. كما انضم إليهم التجار وعمال مصافي النفط الذين دعوا إلى إضرابات وتوقف عن العمل، وربما تدخل الجمعيات النقابية والعمالية على الخط لتتعمق التظاهرات التي تنكرها عقلية النظام.

تختلف احتجاجات الحجاب أيضاً في كونها ليست مرتبطة بقادة أو رموز، بل ارتبطت بشعارات إنسانية، لذا استجاب مشاهير الفنانين والشخصيات الاجتماعية والسياسية داخل إيران وخارجها.

وتشتد التظاهرات في توقيت يتزامن مع صورة الحكومة الإيرانية ونظام ولاية الفقيه كنظام غير كفوء وغير قادر على تلبية مطالب الناس وتورطه في الكوارث البيئية والاقتصادية الكبرى، كما يعاني الانقسامات الاجتماعية الخطرة والفساد المستشري وفقدان الشرعية، ومن ثم فإن شرعية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أدنى مستوى لها منذ تأسيس النظام الإسلامي الإيراني.

وعلى رغم محاولة بعضهم الربط وإيجاد التشابه بين احتجاجات الحجاب حالياً مع ثورة 1979 التي أطاحت شاه إيران حيث لعبت النساء دوراً رئيساً في تلك الانتفاضة أيضاً، إذ ارتدين الحجاب لإظهار رفضهن للحظر المفروض على غطاء الرأس الذي فرضه والد الشاه عام 1936، لكن صعود شرطة الأخلاق وفرض الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة وبشكل متزايد في القطاع الخاص، أثرت في حرية الجميع، الرجال والنساء على حد سواء.

لكن بالفعل تختلف هذه الاحتجاجات عن ثورة 1979 إذ إنها انتقلت إلى شريحة عريضة من المجتمع بما يتناسب مع تعدد المظالم التي تقاسي منها فئات كثيرة داخل إيران، فالجميع يعاني سياسات النظام الاقتصادية في مواجهة العقوبات الغربية وعدم كفاءة الحكومة المتشددة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أيضاً تتميز هذه الاحتجاجات بتباري النظام والمتظاهرين من الشباب في توظيف الإنترنت والتكنولوجيا كل في مواجهة الآخر، فبينما قطع النظام الإنترنت منذ اندلاع التظاهرات لمنع التواصل بين المحتجين وتنسيق المسيرات نجد أن المواطنين يسعون إلى الالتفاف على هذه القيود عبر استخدام الإنترنت المتصل بالقمر الاصطناعي، فضلاً عن ابتكار طرق أخرى للاحتجاج، فهناك استخدام واسع النطاق لوسائل التواصل الاجتماعي في إيران، حيث جيل من الشباب البارعين بالتكنولوجيا وكيفية استخدام التطبيقات عبر الإنترنت لحشد المعارضة.

عامل آخر أسهم في إعطاء زخم للاحتجاجات في إيران هو الدعم الغربي، فبينما لم يتحرك المجتمع الدولي لدعم المتظاهرين خلال تحركات 2017 و2018 و2019 التي اندلعت على خلفية الضائقة الاقتصادية وتداعيات انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، كما لم يتم الدعم من قبل خلال تظاهرات الحركة الخضراء التي جرى اعتقال رموز المعارضة الإصلاحية فيها عام 2009 خلال إدارة باراك أوباما، نجد الأمر مختلفاً هذه المرة، فجاء الدعم الغربي على مستوى رسمي وغير رسمي، وإلى جانب تظاهرات الإيرانيين في الشتات، جاء دعم الشخصيات المعروفة الفنية والرياضية والحركات النسوية العالمية التي تعاطفت مع قضية المرأة والشعارات المرتبطة بها من حرية وحياة، ومن ثم كان لذكاء الشعارات المرفوعة دورها في كسب تأييد دولي حولها.

كما قام إيلون ماسك بتفعيل Starlink لمساعدة الإيرانيين في الوصول إلى الإنترنت وبث التطورات الداخلية لتوثيق انتهاكات النظام، كذلك اخترقت مجموعة "أنونيموس" Anonymous  بث التلفزيون الإيراني أثناء حديث المرشد علي خامنئي. ومن جهة أخرى أصدرت كندا والولايات المتحدة عقوبات على الشخصيات والكيانات المرتبطة بمؤسسات الأمن وقمع التظاهرات، فأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها فرضت عقوبات على عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين، كما يبحث الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات ومنع دخول الشخصيات الإيرانية المرتبطة بالقمع في إيران.

إن إشكالية النظام الإيراني الحالي أنه يتجاهل حقيقة أن في عالم اليوم لا يهم المواطن سوى الاقتصاد والحرية، وحينما يغيب العنصران عن معادلة الحكم في إيران إذاً سيستمر زخم هذه التظاهرات.

كما أن تجاهل المطالب الحقيقية للمتظاهرين وإنكار الوقائع التي أدت إلى اندلاع شرارة الاحتجاجات الممتدة منذ شهر يرسلان إشارات إلى المواطنين مفادها بأن النظام لن تتغير عقليته، بالتالي مع استمرار الدعم الغربي الرسمي وغير الرسمي ربما تتواصل الاضطرابات داخل البلاد على أمل أن يظل العالم يسمع صوت الإيرانيين وصوت جيل جديد لا يخشى بطش المؤسسات الأمنية التي نقلت كثيراً من مراكز الشرطة بعيداً بعد إضرام النيران فيها، ومن ثم هناك جيل جديد لا يخشى القمع ويسعى إلى الانتصار.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء