Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نار حوادث الطيونة التي كادت تحرق لبنان

ما زالت محاولات تنحية القاضي طارق البيطار عن ملف انفجار مرفأ بيروت مستمرة

أظهرت تسجيلات أن بعض المسلحين كانوا يطلقون النار بشكل عشوائي باتجاه المباني السكنية في عين الرمانة (أ ب)

صباح 14 أكتوبر (تشرين الأول) من 2021 لم يكن يوماً عادياً في لبنان، إذ فجأة لعلع الرصاص عند مستديرة الطيونة على الحد الفاصل بين منطقتي الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت وعين الرمانة بالضاحية الشرقية، ذلك الخط الذي شكل جبهة حرب منذ 1975 حتى 1990 ومنه انطلقت شرارة الحروب المتناسلة في لبنان مع حادثة بوسطة عين الرمانة في 13 أبريل (نيسان) 1975.

في ذلك الوقت بقيت الحادثة تتفاعل ضمن الحدود الأمنية والسياسية على رغم حجمها الكبير وخطورتها، لكن في 14 أكتوبر كان الفارق كبيراً، إذ إن الاشتباكات التي حصلت كانت تنقل مباشرة على الهواء وخلقت ذعراً كبيراً من أن تكون شبيهة بما حصل في 13 أبريل، فتعيد تفجير الحرب الأهلية من المكان الذي انطلقت منه قبل 46 عاماً.

في ذلك اليوم بناء على دعوة من الثنائي الشيعي "حركة أمل" و"حزب الله" توجهت أكثر من تظاهرة من أكثر من مكان نحو قصر العدل في بيروت بهدف المطالبة بتغيير المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار.

كان المطلوب إحداث ضغط في الشارع لكي ينصاع مجلس الوزراء فيقرر تغيير القاضي بقرار ينفذه وزير العدل هنري خوري المحسوب على "التيار الوطني الحر" المتحالف مع "حزب الله" ويبلغه إلى مجلس القضاء الأعلى مع اسم القاضي البديل فيوافق عليه، لكن رياح التغيير لم تتماش مع رغبات الثنائي والتيار.

وفيق صفا في قصر العدل

في 20 سبتمبر (أيلول) قبل 24 يوماً من حادثة الطيونة قصد مسؤول الأمن في "حزب الله" الحاج وفيق صفا قصر العدل ليطالب القضاة بقبع القاضي طارق البيطار، وبناء على اتصال مسبق مع مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، تم تحديد موعد له مع العلم مسبقاً بمن يكون الرجل وبما يمكن أن يطلبه.

وصل صفا إلى قصر العدل مع مرافقيه ودخل مكتب عبود في الوقت المحدد وبدأ الكلام في صلب الموضوع بعد تبادل عبارات المجاملة الأولية والتعارف عن قرب ثم تحول اللقاء إلى جدل مع تصاعد اللهجة في الحديث.

نتيجة اللقاء رفض عبود طلب صفا بتغيير القاضي طارق البيطار لأنه مستقل في عمله ولا يمكن أن يخضع للضغوط السياسية وباعتبار أن القانون يسمح بكل المراجعات والاعتراضات ضمن سياق متكامل، لكن "حزب الله" لم يكن في هذا الوارد على الإطلاق، بل كان يريد تنفيذ مطلبه من دون مناقشة.

خرج صفا من مكتب عبود غاضباً، وفي طريقه التقى إعلامية يعرفها وطلب منها أن تبلغ البيطار بأنه سيتم قبعه من التحقيق في قضية المرفأ، علماً أن مكتب القاضي البيطار يقع في الطابق الثالث، بينما مكتب القاضي عبود في الطابق الرابع وخرج صفا من قصر العدل ووصلت الرسالة إلى البيطار فتجاهلها.

البيطار محققاً عدلياً

في الرابع من أغسطس (آب) 2020 وفي تمام الساعة السادسة وثماني دقائق مساء، انفجر نحو 2750 طناً من نيترات الأمونيوم كانت مخزنة في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت، الأمر الذي أدى إلى تدمير المرفأ وأحياء كاملة من المناطق المحيطة به وكان أحد أضخم وأقوى الانفجارات غير النووية في التاريخ.

أحيلت القضية إلى المجلس العدلي في لبنان وتم تعيين القاضي فادي صوان محققاً عدلياً وبعدما بدأ تحقيقاته ارتسمت لديه خيوط عن الجريمة الكبيرة تتعلق بالجهة التي كانت تستفيد من النيترات والباخرة التي نقلته إلى لبنان قبل نهاية عام 2013 وكيف تم إنزال الحمولة كاملة في المرفأ وتخزينها في العنبر رقم 12.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونتيجة لهذه المعطيات كانت هناك شكوك وأدلة تتعلق بعدد من الوزراء الذين يدورون في فلك "حزب الله" مع رئيس الحكومة السابق حسان دياب ورئيس جهاز أمن الدولة والمدير العام للأمن العام.

عند هذا الحد تم تهديد القاضي صوان فاختار أن ينكفئ عن الملف وأن يخرج منه طوعاً مع نهاية عام 2020، فتم تعيين القاضي طارق البيطار محله في 19 فبراير (شباط) 2021، وقبل المهمة بعدما كان رفضها سابقاً وباشر بإعادة درس الملف وانتهى إلى ما انتهى إليه القاضي صوان، وأكده وأكد مذكرات التوقيف التي كانت صدرت وزاد عليها.

نتيجة لذلك اتهمه "حزب الله" بأنه يعمل على تسييس الملف وبأن هناك مؤامرة تستهدفه لاتهامه بأنه هو من جلب الباخرة بالتضامن والتكافل مع النظام السوري من أجل استخدامها في البراميل المتفجرة وصناعة الصواريخ بعد أن كان النظام السوري تخلى عام 2013 عن أسلحته الكيماوية بعد التهديد الأميركي.

الحصار والتظاهر

تمت عملية محاصرة القاضي البيطار عبر الطرق القانونية من خلال تقديم طلبات لكف يده ومنعه من استكمال التحقيق، لكن هذا الأمر لم يكن كافياً لإرضاء "حزب الله" الذي أراد تغييره وقبعه، فكانت تظاهرة 14 أكتوبر لهذا الهدف.

كان من المعروف أن التظاهرة ستمر في مناطق غير مؤيدة لـ"حزب الله" و"حركة أمل" وفي طرق شكلت خطوط تماس خلال الحرب وكان من المحسوب احتمال خروج المتظاهرين عن الانضباط بسبب العشوائية في التنظيم والتحرك وكثرة عدد المشاركين والتجييش الذي حصل ولذلك اتخذ الجيش اللبناني تدابير أمنية مشددة لمنع حصول أي احتكاك.

لكن ما حصل لم يكن في الحسبان عندما حاول عدد من المتظاهرين الدخول عبر أحد المفترقات إلى داخل منطقة عين الرمانة، فحصل أن تصدى لهم شاب يسكن في الحي وسانده رفاق له وحصل إطلاق نار بعدما بدأ المتظاهرون بتكسير مداخل الأبنية وأثاروا الذعر بين السكان وسقط عدد من الجرحى خلال الإشكال وتوسع إطلاق النار وفر المتظاهرون باتجاه الطيونة وبدأ استقدام المسلحين من داخل أحياء الضاحية الجنوبية وتوسع إطلاق النار فصدرت أوامر من قيادة الجيش بإطلاق النار على كل من يطلق النار بعد طلب خروج جميع المسلحين من المنطقة.

خلال كل هذه المعمعة التي استمرت أكثر من خمس ساعات سقط عدد من القتلى والجرحى وكانت مشاهد الاشتباكات تظهر المسلحين الذين يطلقون النار باتجاه عين الرمانة والمواجهات التي حصلت مع الجيش وأظهرت أيضاً كيف سقط عدد من المسلحين قتلى على الأرض.

اتهام "القوات اللبنانية"

انتهت العمليات العسكرية وفرض الجيش اللبناني سيطرته على الأرض وانسحب المسلحون بعد المواجهات التي أعادت إلى الأذهان ما حصل في الحرب الأهلية وبدأ التحقيق عند القضاء العسكري وبدأ توقيف المتهمين وكان العدد الأكبر منهم من أبناء عين الرمانة بعد محاولات لاتهام حزب "القوات اللبنانية" بأنه هو الذي تصدى للتظاهرة وشارك عناصر تابعون له في إطلاق النار.

ولذلك طلب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي استجواب رئيس حزب القوات سمير جعجع والادعاء عليه، الأمر الذي ترك ذيولاً سياسية وردود فعل متضامنة معه رفضاً للتحقيق مع جهة واحدة، بينما المطلوب لتستقيم العدالة أن تشمل التوقيفات المسلحين الذي ظهرت صورهم في الأفلام التي صورت بالهواتف وعرضت على الهواء مباشرة عبر محطات التلفزة المحلية والدولية التي توجهت إلى المنطقة وأن تشمل أيضاً الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي تولى التحريض على قبع القاضي طارق البيطار وكان مسؤولاً مع "حركة أمل" عن تسيير التظاهرة مع العلم المسبق بخطورة ما يمكن أن ينتج منها.

شملت التوقيفات نحو 40 شخصاً أطلق سراحهم تباعاً وآخرهم أربعة وافقت محكمة التمييز العسكرية على إطلاق سراحهم مقابل كفالات مالية، وبذلك يكون تم إطلاق جميع الموقوفين حتى أن الشاب الذي حصل معه الإشكال الأول أوقف ثم أطلق سراحه ذلك أن معظم الذين قتلوا أصيبوا بعد بدء الاشتباك برصاص من رفاقهم أو من عناصر الجيش اللبناني الذي لم يكن أمامه خيار آخر غير ذلك لمنع حصول الفتنة ولذلك لم يوضع موضع الاتهام والتشكيك حتى من جانب "حزب الله".

بعد عام على الحادثة كان لا يزال التحقيق مجمداً بعد تقديم طلبات لكف يد المحقق العسكري فادي صوان لأن "حزب الله اعتبر أنه يسيس الملف وهو كان قاضي التحقيق في ملف تفجير المرفأ وتم في المقابل تقديم طلبات لكف يد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي باعتباره متحيزاً للحزب والتيار الوطني الحر ويصر على استدعاء رئيس حزب القوات سمير جعجع، الأمر الذي لم ينفذه صوان.

على رغم ذلك لا تزال المحاولات مستمرة لقبع القاضي طارق البيطار وآخرها كان من خلال محاولة تعيين قاض رديف له بطلب من وزير العدل هنري خوري يستطيع تحريك الملف والدخول إليه، الأمر الذي اعتبر مخالفة قانونية لأن المحقق العدلي يبقى سيد ملفه ولا يمكن تعيين قاض آخر معه.

وعندما فشلت المحاولة عاد الوزير وطلب من مجلس القضاء الأعلى الاجتماع لبت هذه المسألة، لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود رفض الأمر واعتبره تدخلاً سياسياً في القضاء ومحاولة لتطيير التحقيق في قضية مرفأ بيروت.

عبود اتهم بأنه يغطي القاضي طارق البيطار ويحميه وأنه شريك معه في توجيه التحقيق ولذلك بدأت المطالبات بتطييره أيضاً، وبت هذه المسألة يتسابق مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون باعتبار أن تغيير البيطار وتعيين محقق عدلي رديف له أو تغيير عبود من المسائل التي تصبح غير قابلة للتحقيق في ظل حكومة تصرف الأعمال، بالتالي يبقى التحقيق معلقاً حتى يستعيد البيطار دوره في هذا الملف بانتظار عهد جديد يحرر قصر العدل من التدخلات والضغوط ويمنع تسيير تظاهرات من أجل تغيير أحد القضاة.

المزيد من تقارير