Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البراغماتية... حلقة جديدة في العلاقات العربية - الإسرائيلية

معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب هي الأولى في مسار السلام مع الدولة العبرية

صورة من توقيع اتفاقات إبراهام بين إسرائيل والبحرين والإمارات في 15 سبتمبر 2020 (أ ف ب)

يقترب لبنان وإسرائيل من توقيع اتفاق تاريخي ينطوي على تسوية نزاع استمر سنوات حول حقول النفط والغاز الرئيسة في شرق البحر المتوسط، وهو ما من شأنه أن يطلق العنان لإنتاج الغاز البحري من الطرفين.

اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين الذي تم بوساطة أميركية حظي برضا الأطراف جميعاً، ووصف الرئيس اللبناني ميشال عون النسخة النهائية من العرض بأنها "مرضية للبنان وتلبي مطالبة وتحافظ على حقوقه في هذه الثروة الطبيعية".

فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد إن الاتفاق "إنجاز تاريخي سيعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي ويضمن استقرار حدودنا الشمالية".

وسيحل الاتفاق نزاعاً إقليمياً شرق البحر المتوسط في منطقة يهدف لبنان إلى التنقيب فيها عن الغاز الطبيعي، وبالقرب من مياه عثرت فيها إسرائيل على كميات صالحة للاستخدام التجاري.

وتشمل المنطقة المتنازع عليها حقل كاريش للنفط والغاز والمنطقة المعروفة باسم قانا التي من المتوقع أن تقع في المياه الإسرائيلية واللبنانية على التوالي بموجب الاتفاق، وفق ما نشرته شبكة "سي أن أن" الأميركية.

اختراق دبلوماسي

يعد الاتفاق اختراقاً دبلوماسياً كبيراً بين جارتين لا تزالان في حال حرب نظرياً، وليس لهما علاقات رسمية مباشرة.

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن مثل هذا الاتفاق يمثل اختراقاً مهماً لدولتين لديهما تاريخ طويل من الصراع، إذ احتلت إسرائيل أجزاء من جنوب لبنان بين عامي 1982 و2000، وخاضت حرباً استمرت شهراً عام 2006 مع "حزب الله"، أسفرت عن مقتل أكثر من 1500 شخص معظمهم لبنانيون.

وأشارت إلى أن الاتفاق يمكن اعتباره حلقة جديدة في سلسلة من الاتفاقات العربية - الإسرائيلية التي مثلت مساراً للتسوية السياسية للصراع بين الطرفين، ذلك المسار الذي بدأ يشق طريقه في صورة معاهدات سلام بين الدول العربية وتل أبيب، التي نستعرضها في السطور التالية.

17 أيار (مايو)

الاتفاق المزمع بين لبنان وإسرائيل ليس الأول بين البلدين، ففي عام 1983 وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل مع تل أبيب ما يعرف بـ "معاهدة 17 أيار"، وهي مشروع اتفاق سلام كان ينطوي على إنهاء الحرب بين الدولتين وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، مع إنشاء منطقة أمنية داخل الأراضي اللبنانية تتعهد الحكومة اللبنانية بأن تنفذ ضمنها ترتيبات أمنية متفقاً عليها في ملحق خاص.

وعلى رغم تصديق البرلمان على الاتفاق بأغلبية 65 عضواً، لكن سرعان ما أحبط الرفض الشعبي والمقاومة العنيفة المدعومة من سوريا الاتفاق بعد أقل من سنة من اعتماده.

كامب ديفيد

تبقى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي تم توقيعها في الـ 26 من مارس (آذار) عام 1979 بكامب ديفيد في الولايات المتحدة، الحلقة الأولى في مسار السلام بين الدول العربية والدولة العبرية، وإن ظل ذلك السلام بارداً طوال عقود.

وجاءت المعاهدة بعد أربعة حروب شكل فيها الجيش المصري نواة التحالف الذي حارب إسرائيل بين عامي 1948 و1973، وقد جرت مناقشة 22 مسودة قبل التوصل إلى صيغة نهائية ترضي الطرفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدت المعاهدة إلى استعادة مصر لشبه جزيرة سيناء عام 1982 وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية التي كانت مقامة عليها، وفي المقابل قدمت مصر لإسرائيل إنهاء العداوات وإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية معها.

ونصت المعاهدة على العبور الحر للسفن الإسرائيلية في قناة السويس، وعلى أن يكون مضيق تيران وخليج العقبة ممرين دوليين، ووفقاً لمدير برنامج العلاقات العربية - الإسرائيلية لدى معهد واشنطن ديفيد ماكوفسكي، فإن الالتزامات الأمنية والمالية التي تعهد بها الرئيس الأميركي جيمي كارتر إلى كلا الجانبين وهي 3 مليارات دولار سنوياً لإسرائيل، إضافة إلى كلف نقل القواعد إلى خارج سيناء، مع ملياري دولار في السنة لمصر، أسهمت في إبرام الاتفاق.

بيد أن هذا السلام يبقى بارداً لا يتخلله احتكاك يذكر بين المصريين والإسرائيليين، ومع ذلك يقول ماكوفسكي إن كلتا الحكومتين لا تزالان ملتزمتين به وترتبطان بتعاون أمني ودبلوماسي وثيق توسع خلال السنوات الماضية ليشمل مجالات الطاقة عبر منتدى غاز شرق المتوسط.

اتفاقات أوسلو

وبعد اتفاق كامب ديفيد بنحو 14 عاماً، عقد العرب ثاني اتفاق لهم مع إسرائيل في الـ 13 من سبتمبر (أيلول) 1993 في العاصمة الأميركية واشنطن، ففي حضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون وقع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات والرئيس الإسرائيلي إسحاق رابين "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، الذي يعرف بـ"اتفاق أوسلو"، نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي جرت فيها المحادثات السرية منذ عام 1991 وتكللت أخيراً بالاتفاق الذي فتح الطريق أمام إقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية والاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير.

ونص الاتفاق على وضع حد لعقود من المواجهات والصراع بين الجانبين، والاعتراف المتبادل لحقوقهم السياسية والشرعية وتحقيق التعايش السلمي والوصول إلى تسوية سلمية عادلة وشاملة ودائمة، وتبعه عدد من الاتفاقات الأخرى.

واتفق الطرفان على أن الهدف الرئيس من المفاوضات ضمن إطار عملية السلام هو تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية تتمثل في مجلس منتخب (المجلس التشريعي) للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة يمارس سلطات وصلاحيات في مجالات محددة ومتفق عليها لمرحلة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات، إذ تؤدي إلى تسوية نهائية مبنية على أساس قراري مجلس الأمن رقم (242) و(338) وإقرار مبادئ سلام عادل في الشرق الأوسط.

وشملت الاتفاقات الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، على أن ينتهي هذا الانسحاب في غضون شهرين، ويجري انتقال سلمي للسلطة من الحكم العسكري والإدارة المدنية الإسرائيلية إلى ممثلين فلسطينيين تتم تسميتهم لحين إجراء انتخابات المجلس الفلسطيني.

ونظم اتفاق باريس الاقتصادي في يوليو (تموز) 1994 وضع العمالة الفلسطينية والعلاقات المالية والاقتصادية بين الطرفين، وصولاً إلى اتفاق أسلو الثاني 1995 (اتفاق طابا)، والتي انطوت على الانسحاب الإسرائيلي من ست مدن فلسطينية بداية من 1996.

ويصف المنتقدون لـ "أوسلو" بأنها اتفاق استسلام، خصوصاً أنها وما لحقها من "أسلو الثاني" لم تحو أي ذكر لدولة فلسطينية، وظلت قضايا القدس واللاجئين والمياه والمستوطنات والحدود عالقة، بل يشير المراقبون إلى أنها جاءت تلبية لوضع دولي جديد في بداية التسعينيات مع سقوط الاتحاد السوفياتي واندلاع حرب الخليج الثانية التي انحازت فيها منظمة التحرير الفلسطينية للموقف العراقي، مما انتهى بها للعزلة الدولية والإقليمية، فضلاً عن تراجع قبضتها فلسطينياً في ظل صعود الحركة الإسلامية "حماس" وضعفها داخلياً بعد طردها من الأردن ولبنان.

وفي الأخير فشل "اتفاق أوسلو" لوجود ثغرات عدة في بنوده استغلتها إسرائيل في ترسيخ واقع جديد، فبحسب المنتقدين فإن "أوسلو" لم يحقق التسوية السلمية المنشودة وحسب، بل أدى إلى زيادة حدة الصراع بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وإلى تدهور أوضاع الفلسطينيين المعيشية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووفر لسلطات الاحتلال فرصة فرض حقائق جديدة على الأرض، وعلى رأسها التوسع في بناء المستوطنات، مما جعل هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة تتمتع بتواصل جغرافي وقابلة للحياة، أبعد منالاً مما كان.

وادي عربة

بعد "كامب ديفيد" و"أوسلو" وقعت إسرائيل اتفاق "وادي عربة" مع الأردن في الـ 26 من أكتوبر (تشرين الأول) 1994، والذي استعاد الأردن بموجبه أراضي الباقورة والغمر في مقابل التطبيع الكامل مع جارته لتنتهي حال الحرب بين البلدين.

وسمح اتفاق السلام للأردن بالحصول على حصته من مياه اليرموك وطبريا والاعتراف الإسرائيلي بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، مما منحه مقعداً دائماً في مفاوضات السلام بين إسرائيل وفلسطين.

وانطوى الاتفاق على عدد من البنود التي تتعلق بالحدود واحترام السيادة المتبادلة والتعاون ضد الإرهاب وفي مجالات الدفاع والأمن.

وتوسعت العلاقات لتشمل جوانب تجارية ومبيعات الغاز الطبيعي الإسرائيلي وتعاوناً على صعيد الموارد المائية.

لكن على غرار نظيره المصري، ففي حين يقوم السلام بين البلدين على أساس أمني قوي فإنه يفتقر إلى الدعم الشعبي، ويقول مراقبون إنه لأسباب سياسية وتاريخية وديموغرافية وجغرافية يعتبر الأردن حل الدولتين للقضية الفلسطينية أولوية أمنية وطنية، واليوم أضر الطريق المسدود الذي وصلت إليه عملية السلام تلك بالعلاقات الثنائية مع إسرائيل.

وعلى المستوى الشعبي يلقي معظم الأردنيين باللوم على إسرائيل في غياب الدولة الفلسطينية وتعليق إجراء مفاوضات ذات أهمية، وحتى على المستوى الرسمي يشعر صناع القرار الأردنيون بقلق عميق إزاء السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، كما تدهورت العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة الماضية، بخاصة بعد تخلى إسرائيل عن التزامها بالمشاركة في مشروع قناة البحر الأحمر-البحر الميت، الذي سيوفر مياهاً محلاة للضفة الغربية ومنطقة العقبة، وأثار بناء إسرائيل مطار "رامون" الذي يبعد ستة أميال عن مطار الملك حسين الدولي جدلاً بين البلدين.

ويقول الزميلان لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى غيث العمري وبين فيشمان، إن المعاهدة بين إسرائيل والأردن هي اتفاق يتسم "بالهدوء"، ويفتقر إلى كل من سمة كسر الحواجز التي تمتعت بها المعاهدة بين مصر وإسرائيل وخيبة الأمل المريرة من "اتفاقات أوسلو".

ومع ذلك فإنه يشكل ركيزة للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط وأحد أسس بنية الأمن الإقليمي بقيادة الولايات المتحدة.

وفي حين قد لا يكون الاستثمار في نجاحها على المدى الطويل سياسة تستأثر بالعناوين الرئيسة، يوصي الباحثان بضرورة منع مزيد من التآكل الذي قد يجعل السلام عرضة للصدمات غير المتوقعة.

اتفاقات أبراهام

وعلى مدى عقدين ظلت العلاقات العربية - الإسرائيلية تمزج بين السلام البارد وحال الحرب أو القطيعة، حتى تم افتتاح فصل جديد من السلام والتعاون الكامل بين الطرفين في الـ 15 من سبتمبر 2020 عبر "اتفاقات إبراهام"، عندما جمع الرئيس الأميركي في ذلك الحين دونالد ترمب مجموعة "غير عادية" من سياسيي الشرق الأوسط بالحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، وهم رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجية الإمارات ووزير خارجية البحرين، بحسب وصف مدير شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي مايكل سينغ خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.

ولم تكن الإمارات اعترفت رسمياً بإسرائيل، وكانت البحرين أرجأت فتح سفارة هناك، وفي الماضي غير البعيد قاطعت الدولتان إسرائيل، لكن الدول الثلاث اجتمعت معاً لتجاوز هذا التاريخ الفاتر من خلال التوقيع على "اتفاقات أبراهام" التي اتفقت فيها على إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية، ثم انضم إليها لاحقاً المغرب والسودان.

وفي تقرير نشره مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات في أبوظبي قبل عامين، تحدث دانييل شاتز الزميل والباحث غير مقيم في المركز عن الحوافز والفرص السياسية والاقتصادية لاتفاقات أبراهام، مشيراً إلى أنها بنيت على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية المشتركة بين الأطراف المعنية، وتشكل أول إنجاز مهم في عملية السلام الإقليمي منذ أكثر من ربع قرن، أي منذ توقيع "اتفاق أوسلو" الذي وصفه الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز بأنه بداية مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي سيجلب المصالحة والازدهار إلى المنطقة.

البراغماتية

ما يميز المرحلة الحالية للعلاقات بين إسرائيل والجيران العرب هو "البراغماتية"، وهو ما أكده موقف الأمين العام لـ "حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، من اتفاق ترسيم الحدود البحرية المرتقب مع إسرائيل، إذ أعرب علانية عن دعمه الاتفاق قائلاً إن ما يهم الحزب هو استخراج النفط والغاز من الحقول اللبنانية.

والثلاثاء، طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من شركة "توتال" الفرنسية البدء فوراً بالإجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية، إثر إعلان إسرائيل التوصل مع لبنان إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية.

المزيد من تقارير