Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يغير تفجير "جسر القرم" مسار الحرب في أوكرانيا؟

رمزية الحادثة وتوقيتها نالا من شخصية بوتين واستهداف البنى التحتية يبدّل قواعد الصراع ومراقبون يرجحون تصعيداً خطيراً

تزامن تفجير جسر القرم مع انتكاسات ميدانية عسكرية للقوات الروسية في عديد من المناطق الأوكرانية (أ ف ب)

دخلت الحرب في أوكرانيا منعطفاً جديداً، يبدو وفق مراقبين "أكثر خطورة وتصعيداً"، وذلك منذ ساعات الصباح الأولى من يوم السبت الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أن انفجرت شاحنة مفخخة على جسر القرم، المنشأة الأساسية ذات القيمة الرمزية الكبرى لشخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والكرملين، نظراً إلى أهميته الاستراتيجية والعسكرية لموسكو وشبه الجزيرة التي ضمتها من أوكرانيا عام 2014.

فالرد الروسي وإن لم يتأخر على مدار اليومين الأخيرين إلا أن انحناء الحرب الدائرة في الجغرافيا الأوكرانية منذ فبراير (شباط) الماضي باتجاه استهداف الرموز الكبرى، بدءاً من "اغتيال" ابنة الفيلسوف الروسي المقرب من الكرملين ألكسندر دوغين، وتنفيذ أعمال تخريبية ضد خطي أنابيب السيل الشمالي (نورد ستريم 1 و2)، وأخيراً تفجير جسر القرم بالتزامن مع انتكاسات ميدانية عسكرية للقوات الروسية في عديد من المناطق الأوكرانية، يزيد من صعوبات الصراع ويرجح تصعيد وتيرته بشكل قد "لا يمكن التنبؤ به"، بحسب تقدير كثيرين، لا سيما مع احتدام الاتهامات بين المعسكرين، ووسط المخاوف من "جدية" التلويح الروسي باستخدام أسلحة استراتيجية ونووية.

والأحد التاسع من أكتوبر استهدفت عمليات قصف روسية دامية مجدداً مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، واليوم الإثنين تعرضت مناطق أوكرانية عدة وبينها العاصمة كييف لقصف غير مسبوق بحدته تضمن أكثر من 80 صاروخاً "عالي الدقة"، وفق وزارة الدفاع الروسية، وذلك للمرة الأولى منذ يونيو (حزيران) الماضي، صاحب ذلك تجديد الرئيس بوتين لتحذيره، إذ قال في مستهل اجتماع متلفز مع أعضاء مجلس الأمن الروسي اليوم الإثنين، أن رد بلاده على أية هجمات أوكرانية أخرى سيكون "شديداً. ويجب ألا يكون هناك شك في ذلك"، موضحاً أنه "لم يكن من الممكن ترك (الهجمات الأوكرانية) تمر من دون رد. إذا تواصلت فسيكون الرد الروسي شديداً ومتناسباً مع مستوى التهديد".

في المقابل ترى كييف وفق ما أعلن وزير خارجيتها دميترو كوليبا أن الرئيس الروسي يشن ضربات كثيفة على أوكرانيا، لأنه "يائس بسبب الهزائم في ساحة المعركة"، موضحاً بحسب تغريدة له على "تويتر" اليوم الإثنين، أن "بوتين يائس، ويستخدم إرهاب الصواريخ، ليحاول تغيير إيقاع الحرب لصالحه".

محطة فاصلة

في وقت لم تؤكد فيه كييف ولم تنف ضلوعها في شأن التفجير الجزئي لجسر القرم، إلا أن اتهام الرئيس الروسي بوتين، لأجهزة الاستخبارات الأوكرانية بالوقوف وراء الانفجار، ووصفه الحادثة بأنها "عمل إرهابي" ضد منشأة رئيسة في البنى التحتية، فتح الباب بترقب رد فاعل واسع وسريع من الجانب الروسي على الحادثة.

وبحسب مقطع مصور بثه الكرملين أمس الأحد قال بوتين خلال اجتماع مع رئيس لجنة التحقيق الروسية، إن "المنفذين والمخططين هم أجهزة الاستخبارات الأوكرانية". وأضاف "ليس هناك أدنى شك في أنه عمل إرهابي يهدف إلى تدمير بنية تحتية مدنية روسية ذات أهمية كبيرة".

ويعود الترقب بتصعيد روسي واسع إلى الرمزية والأهمية الكبرى على الصعيدين الاستراتيجي والسياسي التي يمثلها جسر القرم الذي شيد على مضيق كيرتش، بكلفة مالية تجاوزت 3.6 مليار دولار أميركي. وبجانب أن بوتين هو من قاد بنفسه شاحنة افتتاح الجسر في مايو (أيار) 2018، كان طوال سنوات عمل الجسر الطريق الوحيد المستخدم لنقل الإمدادات والمعدات العسكرية إلى القوات الروسية في أوكرانيا، فضلاً عن قربه من ميناء سيفاستوبول الذي يعد تاريخياً قاعدة لأسطول البحر الأسود الروسي.

كذلك على صعيد توقيت الحادثة التي تصادفت مع العيد الـ70 لميلاد بوتين، فإنه وبحسب ما تقول صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إنه في حال كانت أوكرانيا وراء تفجيره الجزئي، فإن استهدافه يمثل "ضربة قوية" لروسيا تتمثل بتمكن القوات الأوكرانية من إلحاق أضرار ببنية تحتية حيوية وبعيدة عن الجبهة، فضلاً عن توجيه الحادثة رسالة كبيرة داخلياً وخارجياً، مفادها "بأن المناطق التي ضمتها روسيا إليها سابقاً أو لاحقاً ليست آمنة، ولا يستطيع الجيش الروسي حمايتها بأي شكل كان".

ولطالما اعتبر الرئيس بوتين، التهديدات الأوكرانية السابقة بضرب الجسر، "خطاً أحمر وهدد بالانتقام حال الإقدام على مثل تلك الخطوة"، إذ كان الجسر هو الرابط المباشر الوحيد بين شبكة النقل في روسيا وشبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو من أوكرانيا في عام 2014، وهو أطول جسور أوروبا إذ يبلغ طوله 19 كيلو متراً.

ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإنه على مدار قرن من الزمان فشلت جهود بناء جسر عبر مضيق كيرتش الذي يمتد بين سلسلتين جبليتين، لكن بوتين وضع ثقله وراء المشروع، وأمر ببنائه عام 2016، رغم التحديات الهندسية التي تشمل قاع البحر المغطى بنحو 250 قدماً من الطمي الناعم المترسب من تدفقات أنهار مختلفة.

وفي عام 2018 عندما تم افتتاح الجسر الجديد أشاد بوتين به باعتباره إنجازاً "رائعاً" يجعل "شبه جزيرة القرم و(مدينة وميناء) سيفاستوبول الأسطورية أقوى، وكلنا أقرب لبعضنا بعضاً"، بحسب تعبيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورغم إعلان روسيا عدداً من الإجراءات للدفاع عن جسر القرم، فإنه منذ بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، لمح مسؤولون أوكرانيون في أكثر من مناسبة إلى رغبتهم في تدمير الجسر الذي ينظر إليه في الجمهورية السوفياتية السابقة على أنه "رمز للاحتلال الروسي" لشبه جزيرة القرم.

ورداً على التلميحات المستمرة باستهدافه من قبل الأوكرانيين عملت السلطات الروسية خلال الأشهر الماضية على تشديد الإجراءات المضادة للدفاع عن الجسر، ونشرت سفينة مزوّدة بمجموعة من عاكسات الرادار لحماية الجسر من أي هجوم، بحسب ما تقول صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

ورغم أن جسر القرم بقي خارج نطاق استهداف العسكرية طوال الأشهر الماضية، غير أنه وخلال الشهرين الأخيرين، ضربت سلسلة من الانفجارات مواقع في شبه جزيرة القرم، بما في ذلك قاعدة ساكي الجوية البحرية، وسط تزايد ثقة كييف بأنها تستطيع استعادة شبه جزيرة القرم من روسيا.

سيناريوهات التصعيد

وفق كثير من المراقبين كان لحادثة تفجير جسر القرم ما بعدها على صعيد الحرب الدائرة في الجغرافيا الأوكرانية، في وقت رأى فيه بعضهم الحادثة بأنها كانت بمثابة "إذلال لبوتين شخصياً"، لما يمثله الجسر من رمزية كبيرة لديه.

وبحسب إيغور سابوتين، الباحث والمحلل الروسي، فإن استهداف جسر القرم يدفع بالحرب والعالم كله إلى الاصطدام بتهديدات أمنية متزايدة، موضحاً في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن "الحرب بدأت تأخذ مساراً مغايراً تخرق فيه القواعد، وتتجاهل أخلاقيات العمليات العسكرية، ما ينذر بتأجيج الصراع"، في إشارة إلى اغتيال ابنة الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، وعمليات التخريب التي شهدتها خطوط الغاز الروسية "نورد ستريم 1 و2"، فضلاً عن تفجير جسر القرم.

ويتابع سابوتين "عندما يكون استهداف البنية التحتية الأساسية المدنية بمثابة قاعدة في هذا الصراع، فهذا يعني أن العالم بأسره سيواجه أخطاراً أمنية متزايدة، ستضاف إلى التداعيات غير المسبوقة التي خلفتها الحرب إلى الآن على صعيدي الأمن الغذائي والطاقوي".

ووفق ما كتبه جيمس كيلنر في صحيفة الـ"صنداي تليغراف" البريطانية أمس الأحد فإن "فلاديمير بوتين سيصعد هجومه على أوكرانيا بعد الإذلال الأخير"، مشيراً إلى تحذيرات سابقة أطلقها بوتين من أن أي هجوم على مضيق كيرتش سيكون خطاً أحمر ويطلق "يوم القيامة".

وبينما نقل كيلنر عن ألكسندر باشكين السيناتور الروسي قوله "كان ذلك (تفجير الجسر) إعلان حرب بلا قواعد"، مضيفاً أن رد الكرملين سيكون "مناسباً وواعياً وربما غير متماثل"، نقل عن محللين آخرين قولهم إن الخطر الأكبر يكمن في تزامن حملة التصعيد مع تزايد خطر الحرب النووية.

كذلك نقلت الصحيفة عن الجنرال ريتشارد دانات، رئيس أركان الجيش البريطاني السابق، قوله إنه "يتوقع مزيداً من القصف العشوائي للأهداف المدنية الأوكرانية"، وإن هناك أيضاً "تهديداً بأن بوتين قد يصبح نووياً لا سيما أنه يتعامل مع الهجوم على الجسر باعتباره استهدافاً لشخصه".

جوهرة التاج

من جانبها ووفق ما رأته صحيفة "الغارديان" البريطانية فإن استهداف جسر القرم "جوهرة التاج" يزيد الضغط على الرئيس بوتين، لا سيما على صعيد "رمزية اللحظة" التي تأتي بعد يوم من عيد ميلاده الـ70 وما يزيد قليلاً على أسبوع بعد إعلانه عن الضم غير القانوني لأربعة أقاليم أوكرانية أخرى.

وذكرت "الغارديان" أن "جسر القرم كان جوهرة تاج مشاريع البنية التحتية لبوتين" التي وصفتها وسائل الإعلام الروسية بأنها "بناء القرن" الذي يهدف إلى "تجسيد ملكية روسيا المزعومة لشبه جزيرة القرم"، وكان حلقة رئيسة لنقل المعدات العسكرية للجنود الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا، بخاصة في الجنوب، وكذلك لنقل القوات إلى الخطوط الأمامية. مضيفة أن السؤال الأهم الآن، كيف سترد موسكو؟ على وقع النجاحات الميدانية الأوكرانية الأخيرة، ووسط القلق المتزايد بين النخب والمعلقين الروس في شأن كيفية سير الحرب.

ووفق "الغارديان" فإن الكرملين كان يواجه انتقادات غير مسبوقة من القوميين والمدونين المؤيدين للحرب خلال الفترة الأخيرة، الذين كانوا "يوبخون" قيادته بسبب الإخفاقات العسكرية الأخيرة للجيش في أوكرانيا. وفي مواجهة ضغوط متجددة من اليمين، يبدو من المؤكد أن بوتين سيضطر الآن إلى إيجاد رد على ما يبدو بالفعل "كواحد من أكثر الحوادث إحراجاً منذ بداية الحرب".

إلى ذلك يتخوف مراقبون غربيون من أن يلجأ بوتين المحاصر إلى أسلحة نووية في ساحة المعركة في محاولة لوقف خسائره، معتبرين أنه يجب أن تكون هناك عزلة دولية أوسع لموسكو لمنع بوتين من استغلال المشاعر المعادية للغرب في روسيا.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية فإن "الهرب إلى الأمام" هو الخيار الذي يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التجأ إليه في الظرف الحالي، إذ يبدو مصمماً على المضي قدماً في هذا الاتجاه، من دون أن يلوح في الأفق أي سيناريو محتمل للخروج من الحرب، مع استحالة الدخول في مفاوضات بالوقت الحاضر والتهديد باستخدام السلاح النووي من "الدب الروسي".

والخميس الماضي، حذرت واشنطن من "حرب نهاية العالم" في حال استخدام السلاح النووي، وتساءل الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات له، "كيف سيجد بوتين مخرجاً؟ كيف يتموضع بحيث يحفظ ماء الوجه ولا يخسر جزءاً كبيراً من سلطته في روسيا؟"، هذه أسئلة تتردد في جميع العواصم الغربية التي تسعى لفهم أهداف بوتين وتبحث عن وسيلة لوقف الحرب.

المزيد من تقارير