Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسيرات الانتحارية الروسية جلبت معها الدمار والآن أوكرانيا تقاوم

في حرب استنزاف مدفعية، احتلت المسيرات موقعاً رئيساً في قلب المعركة على أوكرانيا

صممت طائرات أطلس المسيرة للعمل حتى في ظل وجود أجهزة التشويش الروسية (بيل ترو)

تؤمن وحدة المدفعية الأوكرانية التي ينتمي إليها إيغور، بأن الشاب يجلب لها الحظ. فمن دونه، على الأرجح أنه لن يتسنى لعناصر الوحدة الجلوس، كما يفعلون الآن، في إحدى بلدات دونباس التي دمرتها الحرب لتناول البيتزا في مشهد غريب نوعاً ما نظراً إلى موقعه، خلال إحدى فترات الاستراحة من الجبهة.

فقائد الطائرات المسيرة البالغ من العمر 25 عاماً هو أعينهم وآذانهم في هذه الحرب التي تحولت إلى حرب استنزاف مدفعية.

كل يوم، في ميادين المعركة الدائرة في ضواحي دونيتسك، شرقي أوكرانيا، يحدد إيغور ومسيراته المواقع الروسية بدقة، بما يسمح بتوجيه القصف بفاعلية وتوفير كمية كبيرة من الذخيرة على الجيش وإنقاذ عشرات الأرواح.

ويقول "تضاهي أهمية الطائرات المسيرة بالنسبة إلى جيشنا أهمية عيوننا"، مضيفاً أن هوية مشغلي الطائرات المسيرة تبقى قيد الكتمان بشكل خاص بسبب الدور الحيوي الموكل إليهم في ساحات القتال، وهو ما يجعلهم مستهدفين.

"حتى الطائرات المسيرة التجارية العادية قادرة على تغيير مسار الأمور. فهي تمكننا من شن هجوم دقيق باستخدام جزء يسير من ذخيرة المدفعية. وهي تعني أنه على رغم قلة عديدنا (مقارنة بالجانب الآخر)، فنحن لا نشعر بهذا الفارق".

 

 

تعتبر الطائرات المسيرة، بالنسبة إلى الطرفين المتقاتلين في هذه الحرب التي اندلعت حين اجتاح الرئيس بوتين أوكرانيا في فبراير (شباط)، من النجوم الصاعدة في الصراع- سواء أكانت يدوية الصنع أم احترافية، مسلحة أم معدة للاستطلاع.

يقول الأوكرانيون إن الروس يفوقونهم عدداً بواقع 15 لكل واحد، وكلما أطلقوا وابلاً من الصواريخ، يقابلهم أعداؤهم بستة أضعاف هذه القوة النارية. وفي هذا الإطار، لعبت المسيرات دوراً أساسياً في تقويم هذا التفاوت، فأسهمت في إحراز المكاسب العسكرية التي تحققت حديثاً، ومنها استعادة السيطرة على 8500 كيلومتر (5200 ميل) من الأراضي بحسب مزاعم وزارة الدفاع، منذ بداية سبتمبر (أيلول) فحسب.

ولهذا السبب، تنظم عشرات المبادرات في البلاد بدءاً من مدنيين يجمعون المال لشراء بعض أكثر المسيرات القتالية تطوراً في العالم، ووصولاً إلى طباعة مسدسات ليزر مضادة للمسيرات على طابعات ثلاثية الأبعاد.

والآن، أصبح التفوق في لعبة المسيرات أهم من أي وقت مضى. أولاً، لأن روسيا تحشد أعداداً متزايدة من العناصر، بشكل يفوق حجم الجيش الأوكراني بكثير، وثانياً لأنه يبدو أنهم يمتلكون سرباً جديداً من الطائرات المسيرة.

يزعم القادة العسكريون الأوكرانيون أن روسيا ألحقت أضراراً كبيرة بالقوات العسكرية والمدنيين خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب نشرها عشرات المركبات الجوية المسيرة الانتحارية الإيرانية الصنع. وهم يحاولون بالتالي كسب معركة المسيرات.

بلغت المسيرات درجة من الأهمية دفعت الحكومة الأوكرانية إلى إطلاق حملة جمع تبرعات بعنوان "جيش المسيرات" تم في إطارها اقتناء 500 مركبة جوية من دون طيار، وفقاً للسلطات. وقد حققت بعض أنواع الطائرات المسيرة حتى -مثل بيرقدار التركية- نجومية بعد أن تكاتف مدنيون لجمع التبرعات بهدف تمويل شراء ثلاث من هذه الطائرات في الأقل.

ويقول يوري ساك، أحد مستشاري وزارة الدفاع في موضوع الهوس بالطائرات المسيرة "لدينا إذاعة اسمها بيرقدار 10، وقد كتبت أغان حتى تحتفي بهذه الطائرة المسيرة، كما أطلق البعض اسم المسيرة على حيواناتهم الأليفة ولن أتفاجأ إن علمت بأن آخرين سموا أطفالهم تيمناً بها".

"استخدمنا مسيرات بيرقدار خلال عملية تحرير جزيرة الثعبان. لعبت المسيرات دوراً جوهرياً سمح لنا بتدمير عدد كبير من العتاد العسكري الروسي".

وأضاف أن هذا الدور لم يقتصر على المسيرات المعدة للاستخدام العسكري، بل امتد إلى المسيرات المدنية العادية التي يمكن لأي شخص أن يبتاعها عبر الإنترنت.

"بعض الروايات مذهلة، مثل قصة أحد المراهقين في منطقة كييف في مكان غير بعيد عن بوتشا. كان يسير طائرته اللعبة وينقل المعلومات التي يحصل عليها إلى الشرطة والقوات الخاصة. ونجحت القوات بتدمير دبابات روسية كثيرة باستخدام المعلومات التي حصل عليها مراهق معه لعبة".

لم تعلق روسيا عما أشيع عن شراء مسيرات إيرانية جديدة تعيث خراباً في كل أرجاء أوكرانيا. ومن جهتهم، اعتبر الإيرانيون هذه الادعاءات "عارية عن الصحة".

لكن الأوكرانيين نشروا مقاطع مصورة عما يقولون إنها مسيرات قدس مهاجر-6 وشاهد 136 إيرانية الصنع، أعيد طلاؤها وتقديمها على أنها روسية. وصرحت هيئة الأركان العامة الأوكرانية أن دفاعاتها الجوية أسقطت إجمالاً أكثر من 20 مركبة جوية مسيرة في كل أنحاء البلاد يوم الخميس وحده.

ظهرت التحذيرات من المسيرات الإيرانية للمرة الأولى في يوليو (تموز) حين أفاد البيت الأبيض عن عدة رحلات قام بها مسؤولون روس إلى وسط إيران بهدف شراء عدة مئات من المسيرات. وفي ذلك الوقت، قالت واشنطن إن التدريب على استخدام هذه المسيرات قد بدأ بالفعل.

أثار النبأ سخط كييف التي خفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية مع طهران، بينما لا تزال الأخيرة تنفي الادعاءات.

 

 

تعتبر الطائرات المسيرة أخطر من الصواريخ من جوانب عدة، إذ يمكنها التحليق بحثاً عن الأهداف والعودة أدراجها إلى القاعدة في حال لم تجد مقصدها. أما مسيرات الاستطلاع، فيمكنها تحديد مواقع وحدات المدفعية بدقة، وتوجيه النيران بفاعلية.

لكن أحد التطورات المقلقة بشكل خاص وفقاً لمسؤولي الدفاع الأوكرانيين هو قيام روسيا بإطلاق سلسلة من الطائرات المسيرة في الوقت نفسه، "لإغراق" أنظمة دفاعاتهم الجوية، وإرباكها وتعطيل عملها.

وتفيد بعض التقارير بأن الطائرات المسيرة الانتحارية الإيرانية سوف تبرمج قريباً بحيث تعمل تلقائياً في أسراب- وهو تصور مرعب بالنسبة إلى المدنيين الموجودين على الأرض.

ولهذا السبب تضاعفت أعداد المبادرات المتعلقة بالمسيرات.

ويقول أنطون بيغمينوكو، 34 عاماً، وهو طبال كان يعمل في تنظيم المهرجانات الموسيقية والثقافية، وتحول الآن إلى أخصائي تكنولوجيا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا "أصبحت حرب مسيرات تجارية ومدفعية. ولذلك علينا تطوير تكنولوجيا أكثر ابتكاراً لأننا لا نملك العدد نفسه من القوات والذخيرة، بينما يستخدم الروس رجالهم بلا حساب".

ويقول إنه واجه شخصياً طائرة مسيرة: إذ رصدته طائرة مسيرة روسية خارج حدود خاركيف بالتحديد واستهدفته نيران المدفعية بعدها بقليل.

منذ إطلاق بوتين غزوه في فبراير. يقول بيغمينوكو إنه عدل 100 طائرة استطلاع تجارية لكي تحلق لفترة أطول وعلى علو أكبر وتصبح أقل عرضة للتشويش من قبل الجيش الروسي.

كما يستخدم الطابعة الثلاثية الأبعاد في صناعة آليات إطلاق من المسيرات تسهل ربط التجهيزات الطبية أو القنابل بالمسيرة وإسقاطها. وفي الآونة الأخيرة، بدأ العمل على طائرات مسيرة للتشويش على الإشارات اللاسلكية ومسيرات ليزر يمكنها حرق الكاميرات التي تزود بها المركبات الجوية المسيرة التي تحلق في السماء.

"أنا بصدد العمل على نظام ليزر يمكنه حرق كل خصائص التصوير وعدسات الكاميرا. ويمكننا في الوقت الحالي أن نحرق أوراقاً على بعد 50 متراً".

"هذه حرب الابتكار والتكنولوجيا الجديدة- وأوكرانيا بلد تكنولوجي ويمكننا أن نغلبهم".

 

 

كما تركز إحدى المبادرات في العاصمة كييف على أجهزة مضادة للمسيرات.

يعمل سلافا كاراكاش، 39 عاماً، مدير مبيعات في الشركة الأوكرانية كفيرتوس ذ. م. م (ذات المسؤولية المحدودة)، التي طورت بندقية تشويش محمولة لإشارات المسيرات.

أما شكل السلاح الذي يزن نحو 6.5 كيلوغرام ويصل سعره إلى 12 ألف دولار فأشبه بمزيج بين حقيبة يدوية وبندقية هجومية. ويبدو أنه قادر على صد أي مسيرة تجارية لمسافة ثلاثة كيلومترات إن وجته ناحية المسيرة.

وقد صنعت الشركة 150 سلاحاً تقريباً خلال الشهر الماضي ولديها 200 سلاح يعمل بالفعل على الجبهات.

ويقول لـ"اندبندنت"، "هذا يعني بأن مشغل المسيرة لا يمكنه أن يحركها أو أن يرى أي شيء أثناء تحركها، إذ يتوقف بث الفيديو والتحكم باللاسلكي وجهاز الملاحة، ثم تقوم المسيرة بهبوط اضطراري دون أن يعرف مشغلها موقعها".

"هدفنا الأساسي هو المسيرات التجارية، فكل التي تستعمل في الحرب تقريباً هي من طراز باروت أو أوتيل أو دي جاي آي، وهي تقوم بجولات استطلاع".

"لكنها عملية مستمرة لأن المسيرات تتطور كذلك. علينا أن نظل متفوقين عليها".

إن حرب تكنولوجيا المسيرات هي حرب حقيقية. الكثير من المسيرات التجارية التي تستخدم لغايات الاستطلاع تعمل على الترددات نفسها التي يعتبر اختراقها سهلاً نسبياً. ولهذا السبب، تقوم إحدى شركات تصنيع المسيرات بتطوير طائرات بلا طيار مفصلة خصوصاً، اشتراها منها الجيش الأوكراني.

بدأ إيفان تولشينسكي، الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأوكرانية ويدير شركة تصنيع الطائرات المسيرة، أطلس، بتطوير هذه المركبات الجوية منذ سبع سنوات حين كانت التكنولوجيا في مراحلها البدائية نسبياً. ويقول إن التكنولوجيا تطورت الآن.

تنتشر حالياً عدة مئات الطائرات المسيرة من طراز أطلس على الجبهات، فيما يجري تصنيع ألف مسيرة أخرى مخصصة لأوكرانيا. وقد صممت جميعها بحيث تتجاوز المحاولات الروسية للتشويش عليها أو اختراقها.

"في السابق، لم تكن هذه التكنولوجيا متوافرة في عام 2014 (حين بدأ الصراع مع روسيا). كان اللجوء إلى المسيرات هواية [ترفيهية]- ونوعية الفيديو غير جيدة بما فيه الكفاية".

ويشرح بأن طائراته المسيرة التي تصنع في لاتفيا، تجري مسحاً مستمراً على ترددات البث اللاسلكي لإيجاد تردد لا تعطله أجهزة التشويش الروسية. ويمكنها تشغيل سرب من الطائرات المسيرة كما لو كانت شبكة مترابطة، فيصبح من المستحيل بالنسبة إلى الجنود الروس أن يحددوا بدقة من أين تصدر الإشارة، لكي يصيبوا مشغل المسيرة. وإضافة إلى ذلك، الأهم أنها قادرة على التحليق من دون نظام تحديد المواقع.

"لا يمكنك شراء هذه المسيرة على [موقع] أمازون، فنحن نقرر لمن نبيعها. أنت بحاجة إلى شهادة مستخدم لكي تحصل على طائراتنا المسيرة" وهو ما يصعب مسألة اختراق برنامج هذه الأجهزة، بحسب شرحه.

ويضيف "لو نظرنا إلى مفهوم الحرب سابقاً، نرى أن المركبات الضخمة كانت تحارب مركبات ضخمة أخرى، لكن عندما نضع مسيرات كثيرة في الميدان، يمكن أن تعمل معاً كما لو أنها وحدة كبيرة، وتوصل المعلومات بشكل أسرع بكثير على الأرض".

وفي النهاية، هي تبقي الجنود على قيد الحياة. أو أقله، هذا ما تركز عليه الحديث في مطعم البيتزا في بوكروفسك في دونباس.

ويتابع إيغور، مردداً كلام مسؤولي وزارة الدفاع "إن الجيش الروسي ضخم. لم نر يوماً هذا العدد الكبير من الجنود".

ولهذا السبب، على أوكرانيا أن تكون أكثر حذقاً وتشكل الطائرات المسيرة جزءاً من هذه النقطة، كما يقول إيغور.

"ثقتنا أكبر، ويمكننا أن نضرب بفاعلية أكبر، وتحقيق مكاسب لم تكن ممكنة بطرق أخرى. فالمسيرات تقلب المعادلة [رأساً على عقب]".

© The Independent

المزيد من تقارير