Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما حسابات وتعقيدات التوازن في العلاقات الأميركية - السعودية؟

إعادة تحديدها ما زالت مستمرة من الجانبين ولم تصل إلى تلبية طموحاتهما

لقاء بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن في جدة (رويترز)

ربما لا يكون قرار تحالف "أوبك+" للدول المنتجة للنفط بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، بداية من الشهر المقبل، موجهاً إلى الرئيس جو بايدن أو الولايات المتحدة، على رغم أن الإدارة الأميركية تعتقد أن طريقة خفض الإنتاج قد تكون ضارة سياسياً لكل من الرئيس والديمقراطيين، ومع ذلك، هناك حسابات وتعقيدات ينبغي على إدارة بايدن أن تزن بها خطواتها التالية، والتي ستؤثر ليس فقط على العلاقات الأميركية - السعودية، ولكن أيضاً على إيران، وأمن الطاقة العالمي، ومجموعة واسعة من تحديات الأمن القومي في الشرق الأوسط، فما هي هذه الحسابات؟

معاملة بالمثل

على رغم أن قرار تحالف البلدان المصدرة للبترول "أوبك+" بخفض إنتاج النفط الخام بمقدار مليوني برميل يومياً، لا يعادل الحظر الذي فرضته "أوبك" على الولايات المتحدة والغرب في 1973، فإن واشنطن نظرت إليه باعتباره يمثل انتكاسة لسياسة الرئيس بايدن الخارجية وضربة للولايات المتحدة وحلفائها على جبهات عدة، ومع ذلك، فإن الموقف يستدعي من وجهة نظر كثيرين في الولايات المتحدة، نوعاً من التعاطي الهادي والقرارات الحكيمة غير المتهورة، وبخاصة تجاه السعودية التي تعد أحد أهم حلفاء أميركا في العالم.

وتكشف تطورات الأيام القليلة الماضية عن أن عملية إعادة تحديد وضبط العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية لا تزال مستمرة من الجانبين، وأنها لم تصل بعد إلى المكان الذي يلبي طموحات كل من واشنطن والرياض، بخاصة بعد زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية في يوليو (تموز) الماضي، والتي أثبتت أن العلاقة بين البلدين معقدة، وتنبني في سعيها إلى التوازن على المعاملة بالمثل وبحسب الحاجات، مع قليل من الدفء الذي ميز العلاقات بين البلدين على مدى أكثر من سبعة عقود.

إجراءات محفوفة بالمخاطر

وبينما يطالب بعض أعضاء الكونغرس الديمقراطيين بإعادة تقييم العلاقة الاستراتيجية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة والسعودية في ضوء هذا الواقع، بما في ذلك محاولة إحياء تشريع "نوبك" الخاص برفع الحصانة السيادية لشركات النفط المملوكة للدول التابعة لمنظمة "أوبك"، بحيث تكون مهددة برفع قضايا احتكار ضدها في المحاكم الفيدرالية الأميركية، تحذر صحيفة "واشنطن بوست" من أن استدعاء هذا القانون محفوف أيضاً بعواقب محتملة، بما في ذلك اتخاذ إجراءات قانونية انتقامية ضد الولايات المتحدة.

وفي ظل هذا الوضع، يعيد الرئيس بايدن حسابات الخطوات التالية لإدارته، من أجل إبقاء الأمور تحت السيطرة، وسط ردود الفعل الملتهبة داخل حزبه، وعلى بعد أربعة أسابيع من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي.

مشكلة توقعات

وبحسب مدير مبادرة "سكوكروفت" جوناثان بانيكوف لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي في واشنطن، فإن المشكلة الأساسية بين الولايات المتحدة والسعودية، هي مشكلة التوقعات المستمرة والمتباينة بين الجانبين، إذ تفضل السعودية الانخراط في السياسة العالمية على أساس المعاملة بالمثل، ولا تستند على فكرة العطاء من دون توقع شيء في المقابل، وذلك على غرار الطريقة التي تنخرط بها كل من الصين وروسيا بشكل عام في العالم، في حين أن تلك ليست الطريقة التقليدية التي تدير بها واشنطن سياستها الخارجية التي تقوم على ما تعتبره علاقات استراتيجية طويلة الأمد.

وفي وقت تعتقد فيه الرياض بصدق أن القضايا الاقتصادية المرتبطة بأسعار النفط تختلف عن المتطلبات الأمنية والتعاون المستمر مع الولايات المتحدة، إلا أن الأمن الاقتصادي هو جوهر الأمن القومي بالنسبة لواشنطن، وفقاً لبانيكوف المسؤول السابق في الاستخبارات الوطنية الأميركية في الشرق الأدنى.

وبصرف النظر عما تعتقد واشنطن أن دعم الرياض لتخفيض الإنتاج من شأنه أن يدعم موسكو في وقت تتحدى الولايات المتحدة قدرة روسيا على شن حرب ناجحة في أوكرانيا، وتعمل على تقييد وصول مزيد من رأس المال لموسكو من مبيعات النفط، فإن السعودية أعلنت بوضوح أن التخفيضات تخدم بالأساس مصلحتها الحيوية، بالنظر لاحتمالات الركود العالمي المقبل الذي ينذر بدفع أسعار النفط إلى مزيد من الانخفاض، وحتى على المدى الطويل، فإن تسارع تحولات الطاقة العالمية بعيداً من الوقود الأحفوري، قد يجعل كل الدول المنتجة للنفط تعتقد أنه لم يبق أمامها سوى سنوات عديدة من ارتفاع أسعار النفط لتحصيل الإيرادات اللازمة لإصلاح اقتصادها.

توخي الحذر

ومع بقاء مشكلة التوقعات المتباينة بين الرياض وواشنطن ينصح عديد من الخبراء والمراقبين في الولايات المتحدة، إدارة بايدن بتوخي الحذر حين تقرر خطواتها المقبلة التي بحسب موقع "المونيتور" الأميركي، ستؤثر ليس فقط على العلاقات الأميركية - السعودية، وإنما أيضاً على إيران، وأمن الطاقة العالمي، وعديد من التحديات المتعلقة بالأمن القومي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

على رأس القضايا التي ينبغي على إدارة بايدن أن تأخذها بالحسبان، الدور الحيوي الذي تلعبه السعودية في عديد من قضايا المنطقة، وهي القضايا التي طرحت خلال زيارة بايدن للسعودية، الصيف الماضي، فحين سأل الصحافيون بايدن إذا كان يأسف الآن لزيارته السعودية، أوضح أن الرحلة لم تكن أساساً من أجل النفط، وإنما كانت حول الشرق الأوسط وترشيد وتنسيق المواقف، وهو محق في ذلك إذ بحثت القمة ردع إيران، سواء كان هناك اتفاق نووي أم لا، ووقف إطلاق النار في اليمن، وأزمة الغذاء العالمية، وأمن الطاقة في العراق، والتكامل الإقليمي، والتنسيق ضد تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وكلها قضايا ذات أولوية قصوى بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وتلعب فيها السعودية دوراً محورياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبدو أن التصور بأن رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط ستؤدي إلى خفض كبير في أسعار النفط، لم تكن واقعية على الإطلاق، لأن الانخفاض في أسعار وقود السيارات داخل الولايات المتحدة بعد الرحلة، كان يرتبط أكثر من أي شيء آخر بانخفاض أسعار السلع العالمية قبل حدوث ركود أوروبي، وربما عالمي محتمل، ولم يكن ذلك نتيجة لاتفاق شامل بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما يقول تقرير للمجلس الأطلسي.

من السيئ للأسوأ

إذا كانت هناك بعض البدائل التي تدرسها إدارة بايدن، فإنها قد لا تمثل حلاً ناجعاً، فمن غير الحكمة إطلاق مزيد من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للولايات المتحدة، والذي وصل بالفعل إلى أدنى مستوياته منذ منتصف الثمانينيات، كما أن سيناريو رفع العقوبات الأميركية عن فنزويلا بما يسمح بالاستفادة من نفطها، لا يبدو متاحاً حتى الآن من الناحية السياسية والعملية، فقد صرح مسؤولون أميركيون أن فنزويلا ما زال أمامها كثير لتفعله قبل رفع العقوبات عنها، وحتى إذا حصل هذا، فإن بدء إنتاج الشركات الأميركية للنفط في فنزويلا، سيتطلب فترة زمنية قد تصل إلى ستة أشهر قبل أن يتدفق مزيد من النفط إلى السوق.

أما الحديث عن أنه يمكن تعويض خفض مليوني برميل يومياً من نفط "أوبك+" بمقدار واحد إلى 1.5 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني، إذا تمكن الطرفان من الاتفاق على العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة، وأن إيران ربما تتحرك في هذا الاتجاه، إلا أن كل شيء تعقد بسبب الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة طهران، وقد يصعب بشكل كبير في هذا السياق أن تستجيب واشنطن لهذه الرغبة.

ولهذا، فإن الأمور قد تتحرك من السيئ للأسوأ، ومن دون التحالف الأميركي - السعودي، فإن الأزمات الإقليمية والعالمية يمكن أن تزداد سوءاً ولن تتحرك إلى الأفضل، فالعالم على أعتاب ما يرجح أن يكون شتاءً صعباً لأمن الطاقة الأوروبي، ولا نهاية تلوح في الأفق في حرب أوكرانيا، وقد تطلب الولايات المتحدة وأوروبا والعالم من الرياض ودول "أوبك+"، في المستقبل القريب زيادة الإنتاج، إذا ارتفعت الأسعار بشكل أكبر، ولهذا فإن أي نوع من التهديدات، لن تكون بالضرورة أفضل استراتيجية، إذ يمكن للرياض أن توسع تعاونها مع موسكو وبكين إذا شعرت بمزيد من الابتعاد الأميركي.

العلاقات الأمنية

في مواجهة مطالب البعض في الكونغرس بإعادة النظر في التعاون الأمني الأميركي مع السعودية، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل إنه لا توجد خطط لإعادة النظر في العلاقات الأمنية بين البلدين، في وقت طالبت كارين إليوت هاوس التي ألفت كتاباً عن السعودية، منتقدي بايدن بتوخي الحذر وأن يضعوا في اعتبارهم الوضع المتقلب في المنطقة، واحتمال أن يزداد الوضع سوءاً إذا شعرت إيران بنقص التزام الولايات المتحدة الأمني في المنطقة.

كما يحذر جوناثان بانيكوف من أنه إذا اتخذت الولايات المتحدة قراراً متسرعاً وغير حكيم بسحب مظلتها الأمنية على الفور من السعودية، فإن واشنطن تخاطر برؤية الصين تملأ تلك الفجوة، على رغم أن بكين كانت مترددة في الماضي في لعب دور الضامن الأمني في الشرق الأوسط، كما أن السؤال الأكبر هو ما إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي ستحاول القفز لسد فجوة توريد العتاد العسكري بدلاً من الولايات المتحدة، مثلما توصلت شركة "داسو" الفرنسية المصنعة لطائرات "رافال"، إلى اتفاق مع الإمارات العربية المتحدة لبيع 80 من طائراتها الأحدث، بعد أن ألغت أبوظبي صفقة لشراء طائرة "إف-35" الأميركية الصنع.

وإذا فعلت واشنطن ذلك، فسيتم تقويض نفوذ الولايات المتحدة لإعادة تحديد ملامح علاقتها مع السعودية، أما إذا لم تفعل، فسيتعين على الولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت ستحاول إقناع الرياض بإعادة التواصل مع واشنطن بطريقة استراتيجية أو قبول علاقة المعاملة بالمثل القائمة على المصلحة.

العامل الاقتصادي

ويغفل البعض في واشنطن عن إدراك العامل الاقتصادي وراء القرار السعودي، فعلى رغم أن العلاقات مع الولايات المتحدة مهمة، فإنه بالنسبة إلى السعودية، فإن الأمن الاقتصادي، بالتالي الأمن القومي، يعتمد على أسعار النفط، والتي من شأنها أن تساعد في تحقيق الأهداف الطموحة لرؤية 2030، أي بعد ثماني سنوات فقط، لتلبية مشاريع السعودية، بما في ذلك مدينة "نيوم" المستقبلية، لكن أسعار النفط التي تجاوزت 100 دولار للبرميل، في يوليو الماضي، قبل زيارة بايدن، انخفضت إلى 79 دولاراً في 30 سبتمبر (أيلول) قبل أن تقفز إلى 92 دولاراً للبرميل خلال الأيام الماضية.

هناك أيضاً عامل آخر وهو احتمال أن تستمر حال عدم اليقين في السوق الناجمة عن حرب أوكرانيا، بخاصة في ظل الخطط التي تقودها الولايات المتحدة لفرض حد أقصى لسعر الصادرات النفطية الروسية، إذ قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان لتلفزيون "بلومبيرغ"، إن الافتقار إلى التفاصيل وعدم الوضوح في شأن كيفية تنفيذ سقف السعر، يزيد من المخاوف في شأن "فترة من عدم اليقين"، وهو ما يبدو أنه غير مقبول من جانب السعودية.

ومع تواصل الحرب، واستمرار أزمتي الطاقة والغذاء، من المحتمل أن تتوقع واشنطن مزيداً من التنافر من الشركاء والحلفاء خارج التحالف الغربي الذين يفضل كثيرون منهم نتيجة دبلوماسية للحرب عاجلاً وليس آجلاً.

المزيد من تحلیل