Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء الصحراء في المغرب يحتفلن بطلاقهن

أجواء فرح وتقديم هدايا والأسباب اجتماعية وشخصية

تحتفل الأسر الميسورة أو متوسطة الدخل في المجتمع الصحراوي بالمغرب بإقامة هذه الاحتفالات عند طلاق المرأة (رويترز)

في العادة، يحزن أهل المرأة المطلقة خصوصا في البلدان العربية باعتبار أن الطلاق عندهم هو "أبغض الحلال"، وأنه قد يفضي إلى معاناة المرأة نفسياً واجتماعياً، فضلاً عن تأرجح الأولاد، إن وُجِدوا، بين الأب والأم.

في المجتمع الصحراوي "البيضاني" بالمغرب، يختلف الوضع تماماً، فالمرأة عند طلاقها تُستقبل في أحيان كثيرة بالفرح والاحتفال وتقديم الهدايا من قبل أسرتها وأهلها لأسباب اجتماعية وشخصية عدة، وهي الاحتفالات التي تسمى " أبراز" في اللهجة "الحسانية" الصحراوية.

دعم أسري نفسي

وتقول السيدة ميمونة، في بداية عقدها الرابع، وتنحدر من إحدى المدن الصحراوية المغربية، إن الطلاق في الصحراء لا يشبه الطلاق في باقي مناطق وجهات المملكة، فهو حدث لا يسبب بالضرورة القلق والأحزان، بقدر ما قد يكون محاطاً باحتفالات أسرية لرجوع المرأة إلى بيت والديها. وأوضحت أنها عاشت تجربة الطلاق مرتين، الأولى، في سنّ مراهقتها وتسبب الزوج الذي كان يعنّفها في طلاقها، والثانية، كان الزوج فيها يهملها ولا يهتم بشؤونها، فكان الطلاق.

وتابعت أنه بعد طلاقها الثاني أقامت أسرتها احتفالاً داخل خيمة جرياً على عادة العديد من الأسر الصحراوية، لدعمها نفسياً بخاصة أنها خرجت من تجربة الزواج الثاني منهارة نفسياً.

ووفق ميمونة، فإن الاحتفال الذي جاء بعد طلاقها الثاني كان "القصد منه إرسال رسالة ضمنية إلى طليقها الذي كان يهملها، بأن الحياة بعده مستمرة ولم تنته، وأنها لا تزال امرأة مرغوباً فيها من طرف المجتمع ولدى أسرتها، وأنه يمكنها العيش في كنف أهلها من دون الحاجة إليه".

نضج وتجربة

من جانبها، قالت السيدة سليكة، في عقدها الثالث، إنها "تعلمت الشيء الكثير خلال زواجها، واستوعبت معنى الارتباط وما يتطلبه من مسؤوليات وصبر وتضحية، إلا في حال الإهانة والإذلال من طرف الزوج، فحينها يكون الطلاق حلاً". أضافت السيدة المطلقة، قبل بضعة أشهر، أنها أصرت على أن تقيم حفلة شهدها القاصي والداني في المنطقة الصحراوية التي تقطن فيها، بهدف إعلام الجميع "أنني نلت حريتي أخيراً" .

وتابعت أن إشهار الطلاق عند المجتمع الصحراوي أشبه بإشهار الزفاف، فكما يجب على الجيران والأقارب والصدقاء وسكان المنطقة معرفة أن فلانة تزوجت، يتعين عليهم،أيضاً، معرفة أنها أنهت ذلك الزواج.

ورداً على سؤال بشأن الحكمة من إعلان الطلاق بالاحتفال، قالت سليكة إن هذا الطقس الاجتماعي يعدّ من عادات بعض القبائل الصحراوية، مضيفة أن الأمر قد يفتح الطريق لمن يرغب في الزواج من سيدة مطلقة، بالنظر إلى أن هذه الأخيرة عادة تكون ناضجة وذات خبرة في الحياة الزوجية.

عصافير عدة بحجر واحد

وتحتفل الأسر الميسورة أو متوسطة الدخل في المجتمع الصحراوي بالمغرب بإقامة مثل هذه الاحتفالات لدى طلاق المرأة وعودتها إلى بيت أسرتها الأول، باعتبار أنه تكون مكلفة مادياً، وبالتالي، الأسر الفقيرة تنأى بنفسها عن هذه الطقوس.

كذلك فإن أسرة المطلقة غالباً ما تضرب عصافير عدة بحجر واحد، فهي أولاً تبدي التضامن النفسي مع الفتاة التي ذهبت متزوجة وعادت مطلقة، وثانياً إظهار أن قرار الطلاق لن ينهي حياة المطلقة، والأمر الثالث هو الخروج في أسرع وقت من الضيق النفسي الذي يسببه الطلاق عبر إطلاق الاحتفالات، ورابعاً إغاظة طليق المرأة وأسرته أيضاً، فضلاً عن منح الإشارة إلى من ينتظر الفرصة للزواج من المطلقة.

وتتسم احتفالات الطلاق التي تطلق عليها أيضاً تسمية "أبراز" أو "التحراش" بمنح الهدايا إلى المطلقة وذويها، وتقديم ما لذّ وطاب من الأكل والشرب للحاضرين، وترديد أهازيج شعبية وزغاريد نسائية تدعو بالخير للمرأة المطلقة، وتهنئتها على "سلامتها" من تجربة زواجها الفاشل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول بعض الأهازيج الصحراوية "يا سعد زين شباب تخلات، سالمة والراجل ما مات"، ومعناها "ما أسعد شابة جميلة بطلاقها سالمة أفضل من أن تعود أرملة"، في وقت تعمد أسر عدة إلى ذبح خروف أو جمل في باب خيمة المرأة المطلقة، خصوصاً عند تقدّم أحدهم إليها للزواج منها من جديد.

قيمة التضامن

ورأى الباحث في التراث الشعبي "الحساني" بوزيد الغلى أن كلمة "أبراز" تأتي من البروز، وأنها تعني عند المجتمع الصحراوي الحفل الذي تبرز أو تحتفل فيه الفتاة المتزوجة بمعية رفيقاتها الراغبات بدورهنّ في الزواج. وتابع الغلى أن هذا المصطلح انسحب على النساء المطلقات، ما يعني أن قرار الطلاق لا يعني نهاية الحياة، وأنه قد يكون مرحلة انتقالية نحو زواج جديد لهذه المرأة المطلقة، وعزا إقامة هذا الطقس الاحتفالي إلى "قبائل الرحل السابقة التي كانت تعمد إلى الاحتفال بطلاق الفتاة من أجل انتقال الخبر إلى الآخرين، باعتبار أن انتشار الخبر حينها لم يكن بهذه السرعة في وقتنا الراهن".

وخلص الغلى إلى أن "علاقات القرابة والنسيج القبلي المتماسك في المجتمع الصحراوي عوامل تساهم بشكل كبير في تجاوز المرأة المطلقة أزمتها الأسرية والاجتماعية والانطلاق من جديد في حياتها الخاصة".

المزيد من منوعات