نص القانون الانتخابي الجديد في تونس الذي أقره الرئيس قيس سعيد على أنه "يتم تمويل الحملة الانتخابية وحملة الاستفتاء بالتمويل الذاتي والتمويل الخاص دون سواهما، وفق ما يضبطه هذا القانون".
وقد أثار هذا النص جدلاً في الساحة السياسية التونسية حول أهمية التمويل العمومي للحملة الانتخابية في ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين، وسد المنافذ أمام المال السياسي الذي قد يخرب العملية الديمقراطية.
وأجمعت مختلف الجمعيات الناشطة في المجال الانتخابي على ضرورة توفير التمويل العمومي للحملات الانتخابية، مثلما جرت العادة في الانتخابات السابقة حفاظاً على العملية الانتخابية من تسلل المال السياسي الذي شوه صورة البرلمان في فترة ما قبل 25 يوليو (تموز) 2021 عندما أصبح مهربون وأصحاب نفوذ مالي نواباً.
فتح الباب أمام الرشوة وشراء الذمة
وطالب مرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات بالعودة إلى نظام التمويل العمومي للحملات الانتخابية وإخضاعها للمراقبة، محذراً من فتح الأبواب أمام "السمسرة والرشوة وشراء الذمم" من خلال طريقة التمويل.
وأكد المدير التنفيذي لمرصد "شاهد" الناصر الهرابي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "الحملة الانتخابية يجب أن تكون متكافئة ومتساوية بين جميع المرشحين، وذلك من خلال آلية التمويل العمومي للحملة الانتخابية، في إطار سقف محدد".
وأضاف الهرابي أن المرسوم 55 المتعلق بالانتخابات تحدث فقط عن التمويل الذاتي والتمويل الخاص، ولم يذكر التمويل العمومي، وهو ما سيؤدي إلى "وجود أصحاب المال والأعمال أو المدعومين من أشخاص ومجموعات نافذة، بما لا يسهم في تنقية المناخ السياسي".
وشدد المدير التنفيذي لمرصد "شاهد" على أن "هذا القانون قد لا يفرز برلماناً يمثل جميع التونسيين". ويرى أن "النظام الأمثل الذي يمكن أن يضمن حداً أدنى من المساواة بين المرشحين للانتخابات التشريعية، بين الشباب ورجال الأعمال مثلاً، هو نظام استرجاع مصاريف الحملة الانتخابية الذي تم اعتماده في الانتخابات التشريعية 2019".
ومن جهته وصف رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد" بسام معطر إلغاء التمويل العمومي للحملات للمرشحين في الانتخابات التشريعية، بـ "الإجراء غير المقبول"، لأنه ينتج "عدم تكافؤ الفرص بين المرشحين".
وأوضح معطر أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون "ذات بعد فردي ومحلي، وقد تنتج تشتتاً كبيراً في المشهد البرلماني القادم".
قانون في خدمة الأحزاب الفاسدة
شدد العضو السابق في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عبدالجواد الحرازي في تصريح خاص أن "الديمقراطية تقوم على المساواة، وهذا القانون يمس من حقوق الفقراء الذين لا يمكنهم الترشح للانتخابات التشريعية، والمفروض أن المجموعة الوطنية تسهم في دمقرطة الانتخابات وفي تمويل الحياة السياسية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الحرازي أن "لحظة 25 يوليو (تموز) 2021 جاءت للقطع مع المال السياسي الفاسد الذي أوصل عدداً من المهربين ورجال الأعمال إلى البرلمان"، محذراً من أن يعاد السيناريو نفسه في البرلمان المقبل.
كما حذر الناشط السياسي ورئيس حزب "التحالف من أجل تونس"، سرحان الناصري، من "حرمان شخصيات سياسية وازنة لها إمكانات كبيرة، إلا أن غياب التمويل العمومي للحملة الانتخابية سيفقدهم إمكانية الترشح للانتخابات التشريعية المقبلة".
ويرى الناصري أن "القانون الانتخابي الجديد يخدم الأحزاب الفاسدة التي اشتغلت بالمال السياسي الفاسد طيلة فترة ما قبل يوليو 2021".
وحفاظاً على مصداقية الانتخابات، تطور القانون الانتخابي في فترة ما بين 2011 و2018، حيث تم منع التمويل الأجنبي للحملة الانتخابية مهما كان نوعه، كما تم منع تمويل الحملات الانتخابية من قبل الخواص، بينما حافظ القانون الانتخابي على مبدأ التمويل العمومي للحملات الانتخابية.
قيس سعيد يرفض التمويل العمومي
يذكر أن الرئيس قيس سعيد يرفض التمويل العمومي الذي تمنحه الدولة للمرشحين للقيام بحملاتهم الانتخابية، مبرراً ذلك بأنها "تقتطع من أموال الشعب"، ويعول سعيد على تجميع الأموال من المتطوعين الشباب، ولم يتمتع بالتمويل العمومي للحملة الانتخابية في الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 التي وصل من خلالها إلى كرسي الرئاسة، وقال حينها إنه "دفع مبلغاً مالياً قدره 50 ديناراً (17 دولاراً) فقط".
وحسب ما ورد في الروزنامة الانتخابية التي أعلنتها هيئة الانتخابات تنطلق الحملة الانتخابية يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لتتواصل إلى 15 ديسمبر (كانون الأول) 2022 على أن يتم أيام 15 و16 و17 ديسمبر المقبل الاقتراع بالخارج، في حين سيكون يوم 16 ديسمبر يوم الصمت الانتخابي في تونس، واليوم الذي يليه، أي 17 ديسمبر هو يوم الاقتراع.
ويتم الإعلان عن النتائج الأولية ما بين 18 و20 ديسمبر في حين سيكون الإعلان عن النتائج النهائية يوم 19 يناير (كانون الثاني) 2023، أي إثر الانتهاء من النظر في الطعون والبت فيها.
وسيكون الاقتراع في الانتخابات التشريعية لأول مرة في تاريخ تونس السياسي على الأفراد وعلى دورتين بدلاً من القوائم، بحسب ما جاء في القانون الانتخابي، كما ستعيش تونس انتخابات المجلس الوطني للأقاليم والجهات (غرفة ثانية) مباشرة إثر انتخاب البرلمان.