Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل باتت المجاعة في أميركا واقعا يجب مواجهته؟

بايدن عقد مؤتمراً لم تشهده الولايات المتحدة منذ 5 عقود فهل يحقق ما فشل فيه نيكسون؟

أزاح بايدن الستار عن خطة حكومية موسعة لمكافحة المجاعة تعتمد على التزامات بقيمة 8 مليارات دولار من القطاع الخاص (أ ب)

قبل أيام تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر الرئيس الأميركي جو بايدن وهو يتلفت بحثاً عن السيدة الراحلة جاكي والورسكي وهي عضو في الكونغرس ظن بايدن أنها ما زالت على قيد الحياة، على رغم أنه كتب قبل شهر معزياً عائلتها.

جذب الفيديو أنظار الناس في الولايات المتحدة وخارجها، وتلقفه معارضو الرئيس الديمقراطي المشككون في قدراته بالحفاوة والتداول، إلا أن الموضوع الذي لا يقل أهمية عن أهلية بايدن وتوارى في الجدل الذي أعقب زلته هو ما ناقشه المؤتمر الذي تحدث الرئيس من على منصته متعهداً القضاء على المجاعة في أميركا.

مؤتمر المجاعة الذي نظمته إدارة بايدن الأسبوع الماضي وحضره جمع من المشرعين والناشطين الصحيين والمزارعين وقادة الأعمال يعد الثاني من نوعه على مستوى البيت الأبيض بعد القمة التي دعا إليها ريتشارد نيكسون قبل 53 عاماً للقضاء على المجاعة، غير أن جهوده ومساعي الرؤساء الذين خلفوه كان مصيرها الفشل تاركين ملايين المواطنين في واحد من أغنى بلدان العالم، يواجهون صعوبة في الحصول على الغذاء.

الهدف الصعب

تعهد بايدن خلال المؤتمر الأخير بأن يضع حداً للمجاعة في بلاده بحلول 2030، أي بعبارة أخرى، النجاح في ما فشل في تحقيقه أسلافه، إلا أن هذا الهدف الذي تعثر في تحقيقه نيكسون المثقل بصراعات الداخل والخارج وقتها، لا يبدو سهل المنال اليوم بالنسبة إلى بايدن الذي تعيش بلاده حالاً مشابهة لما كانت عليه في السبعينيات، فهي اليوم تحت رحمة الاستقطاب السياسي وأمام تمدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا وزحف الصين المتسارع لتصبح أقوى اقتصاد في العالم.

علاوة على ذلك تشهد الولايات المتحدة اليوم تضخماً حاداً وارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية بوتيرة هي الأسرع منذ أربعة عقود وتتزايد المخاوف من ركود ربما يدفع مزيداً من الأميركيين إلى هوة البطالة.

وبينما تتزايد صفوف الأميركيين أمام بنوك الطعام الخيرية، أزاح بايدن الستار عن خطة حكومية موسعة لمكافحة المجاعة تعتمد على التزامات بقيمة 8 مليارات دولار من القطاع الخاص، منها 4 مليارات دولار ستخصصها المؤسسات الخيرية التي تسعى إلى مساعدة شرائح أكبر من الأفراد في الحصول على الغذاء الصحي، ومن أبرز الشركات المساهمة "غوغل" و"والغرين"، أكبر سلسلة صيدليات في الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المستهدفات الجديدة تعزيز الأبحاث في مجال التغذية وتشجيع شركات الأغذية على تقليل استخدام الصوديوم والسكر، إضافة إلى التوسع في استخدام "طوابع الطعام" أو ما يعرف رسمياً بـ"برنامج المساعدة الغذائية التكميلية" الذي يمنح المحتاجين بطاقة ائتمان لاستخدامها في المتاجر، إلا أن هذه الخطوة تتطلب موافقة الكونغرس، مما يجعل تحققها أكثر صعوبة من غيرها في ظل الانقسام السياسي.

وترى إيلين واكسمان من مركز الأبحاث Urban Institute أن إنهاء المجاعة بحلول 2030 يتطلب تركيزاً وتنظيماً مكثفين محذرة من إيقاف بعض الإجراءات التي اتخذت أثناء الوباء لمكافحة المجاعة، في وقت ترتفع أسعار الغذاء، وقالت إن هذه الخطوة من شأنها "تسريع انعدام الأمن الغذائي، لا الحد منه".

إشراك القطاع الخاص

ليس من الواضح كم من الوقت سيستغرق دخول هذه المبادرات التي أعلنت عنها إدارة بايدن حيز التنفيذ، إلا أن الحاجة إلى مواجهة مشكلة الأمن الغذائي باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى بحسب "نيويورك تايمز" في ظل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا التي قفزت بمعدلات التضخم العالمي وأسعار الطاقة والغذاء في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى تزايد أعداد الأميركيين الذين يواجهون صعوبة في تأمين الغذاء لأسرهم، إذ كشفت إحصاءات حديثة لوزارة الزراعة الأميركية عن أن 13.5 مليون شخص في الولايات المتحدة عانوا انعدام الأمن الغذائي عام 2021.

وفيما يحتاج بايدن إلى دعم الحزبين لتحقيق أهدافه الطموحة كالقضاء على المجاعة، إلا أن بعض الجمهوريين قالوا إنهم شعروا بأنهم مستبعدون من المؤتمر الأخير وشككوا في ما إذا كان سيسفر عن نتائج ملموسة، وأعرب غلين طومسون، النائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا عن استيائه، مشيراً إلى أن المؤتمر تحول إلى "تجمع سياسي انتقائي هدفه الوحيد الإبقاء على الأيديولوجيات الحزبية".

 

ومن التحديات التي تواجه الإدارة الأميركية إشراك القطاع الخاص على نحو فاعل في مبادراتها ولذلك يسعى البيت الأبيض إلى الحصول على دعم شركات المواد الغذائية التي غالباً ما تقاوم اللوائح الجديدة، وليس من الواضح بعد مدى فاعلية خطة إدارة بايدن، بخاصة أن تنفيذ الإجراءات التي تضمنتها يعد طوعياً لا إلزامياً، ومع ذلك، كشف مسؤولون في الإدارة الأميركية قبل المؤتمر عن أن شركات عدة ستعلن التزامات لتحسين الأمن الغذائي.

وستطلق شركة "كروغر" ثاني أكبر سلسلة متاجر بيع بالتجزئة بعد "وول مارت" مع جمعية القلب الأميركية مبادرة بقيمة 250 مليون دولار تحت عنوان "الغذاء دواء"، وستعمل جمعية المطاعم الوطنية مع سلاسل الوجبات السريعة لضمان احتواء وجبات الأطفال على الماء أو الحليب أو العصير بدلاً من المشروبات الغازية، كما ستطلق منظمة Rethink Food غير الربحية مبادرة لنقل الطعام غير المستخدم إلى المناطق التي تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لم تأخرت أميركا؟

فشل الإدارات الأميركية في القضاء على المجاعة دفع الناشط أندي فيشر إلى البحث عن الأسباب وتوصل إلى أن بنوك الطعام التي تعتمد عليها الحكومة الفيدرالية جزء من المشكلة المستعصية منذ عقود، وفي كتاب بعنوان "المجاعة الكبيرة: التحالف غير المقدس بين الشركات الأميركية وجماعات مكافحة المجاعة"، جادل فيشر بأن بنوك الطعام على رغم كونها مؤسسات حيوية ومحبوبة، إلا أنها لا تحل المشكلة الأساسية من جذورها.

ويدعو فيشر في كتابه المنشور عام 2017 إلى التركيز أثناء مكافحة المجاعة على الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي والعمل على تحسين الصحة العامة والحد من تفاوت الدخل بدلاً من الاعتماد على الأعمال الخيرية، مشيراً إلى أن هذا النهج الخيري الذي أثر في مساعي الولايات المتحدة للقضاء على المجاعة نما في أوائل الثمانينيات عندما أجبر الركود الاقتصادي إدارة رونالد ريغان على تخفيض دعمها للبرامج الفيدرالية كقسائم الطعام، مما أدى إلى تنامي أعداد بنوك الطعام الخيرية، ومنذ ذلك الحين تتبنى الولايات المتحدة نهجاً خيرياً تعزز بعد إصلاح الرعاية الاجتماعية الذي تبناه بيل كلينتون وأسهم في تقليل دور الحكومة لدعم الفقراء.

ولذلك يطالب فيشر بتغيير طبيعة بنوك الطعام بحيث يكون الركون إليها فقط في حالات الطوارئ ولا تصبح سمة ملازمة للمشهد الأميركي، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة معالجة التفاوت في الدخل ورفع الأجور، حتى يتمكن الناس من إطعام عائلاتهم من دون دعم الحكومة.

وعلى رغم أن انعدام الأمن الغذائي ما زال هاجساً في الولايات المتحدة، إلا أنها لا تزال أفضل بكثير من بلدان أخرى عدة، ووفقاً للبنك الدولي عانى نحو 193 مليون شخص حول العالم انعدام الأمن الغذائي عام 2021.

المزيد من تقارير