Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية تجرب حظها مع "خادم الأدب" وخصمه اللدود

يتحفظ بعض المؤلفين عن التعامل مع "الوكيل الأدبي" فيما لا تثق دور النشر بكفاءة من ينتمون لهذه المهن

تعد تجربة "الوكيل الأدبي" في العالم العربي نادرة جدا بسبب تفضيل دور النشر التواصل المباشر مع الكاتب (اندبندنت عربية)

تتطلب عملية صناعة الكتاب لدى الدول التي تملك قطاع نشر ناضجاً وجود أطراف عدة تشكل عوامل الإنتاج، يشترك فيها الناشر والمؤلف بطبيعة الحال، وطرف ثالث يدعى "الوكيل الأدبي" الذي يعد طرفاً في الثالوث الرئيس لخروج كتاب إلى الرف.

ويعنى الوكيل الأدبي بكل العملية التي تسبق وصول الكتاب إلى الناشر، والعمليات التي تلي الطباعة من تقييم وتطوير للمحتوى، ومن ثم المهام التي تلي عملية النشر من تسويق خارج إطار رفوف المكتبات في وسائل الإعلام والمنصات، وترجمة المؤلف للغات أخرى وتحويلها إلى كتب رقمية وصوتية، وكل ما هو خارج عن مهام المؤلف والناشر الرئيسة.

إلا أن هذا الخادم لا يحظى بقبول كاف في سوق النشر العربية، والسعودية بالتحديد، إذ يلجأ الكاتب إلى دار النشر مباشرة رافضاً الاستعانة بوكيل، في حين لا تطلب الدور وجود وكيل يتولى المهام الكثيرة التي تناط بها بسبب فتح أبوابها للكتاب بشكل مباشر، مما يجعل حضوره هامشياً ومغيباً عمداً من طرفي الإنتاج الثقافي في السعودية.

معايير دور النشر

نجحت تجربة الوكيل الأدبي في الدول الغربية بسبب أن دور النشر لا تقبل الاتصال بالكاتب بشكل مباشر إلا في حالات ضيقة، إذ يتطلب أن يملك المؤلف وكيلاً يتولى بالنيابة عنه مهمة التواصل مع دور النشر ويتقاسم المهام مع الدار وفق ما يتم الاتفاق عليه.

إلا أن هذا لا يحصل عادة في الدور العربية، بل تتجاوز بعض دور النشر ذلك بأن ترفض التعامل مع الوكلاء وتفضل التواصل مع المؤلف مباشرة.

وعبر استطلاع لآراء بعض الوكلاء في معرض الرياض الدولي للكتاب، يتهم بعضهم دور النشر بأنها ترغب في الاستفراد بالكاتب للحصول على صفقة جيدة معه بعيداً من المتخصصين، وهو ما يرد عليه مؤسس دار "رشم" صالح الحماد بالنفي، مضيفاً "الضغط الذي أتعرض له كناشر جراء اضطراري إلى التواصل مع المؤلف بشكل مباشر كبير جداً، ولا يستحق الفارق المالي الذي يمكن توفيره عن طريق إقصاء الوكيل الأدبي من عملية الإنتاج".

وأضاف "نحن على استعداد إلى أن ندفع للوكيل ضعف ما يأخذه الآن ويخلصنا من مهام مثيرة لا تدخل ضمن عملية النشر لأنها منهكة ومكلفة جداً، لكن أريد وكيلاً يتوافق مع معاييري".

الأمر ذاته أكده مدير عام دار "تشكيل" السعودية معجب الشمري، الذي قال "في الأساس الوكلاء يأخذون نسبتهم من المؤلف وليس منا، لذلك نحن لا نستفيد من غيابهم"، مضيفاً "في المقابل وجوده مفيد لتحمل مهمة التواصل مع الكتاب وإيصال النصوص بالعمل معهم إلى أفضل شكل ممكن قبل أن نطلع عليها نحن، أما في الوضع الحالي فنحن نتواصل مع ما يقارب 400 مؤلف في السنة حول العالم، لكل منهم مطالبه وطريقته".

الوكلاء لا يفهمون متطلباتي

وعن سبب عدم الاعتماد عليهم على رغم الإيمان بأهميتهم، يقول الحماد "غالب الوكلاء الذين تواصلوا معي في الفترة الماضية يقدمون لي مالاً مقابل طباعة كتب موكليهم، ونحن لا نعمل بهذه الطريقة لأننا لسنا مطبعة، بل حتى عندما نتواصل مع الكاتب بشكل مباشر نحن لا نأخذ منه حتى قيمة الطبعة الأولى، وما إن نجد وكيلاً جيداً نستطيع أن نتوافق على معايير للأعمال التي يمكن أن يرسلها لنا نوقع معه"، مؤكداً أنهم في "رشم" اتفقوا مع حاتم الشهري أحد الوكلاء المرخصين قبل أيام قليلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دفعنا هذا إلى سؤال الشهري نفسه، الذي رأى بأن هذه الحالة طبيعية لأن "مفهوم الوكيل الأدبي جديد على القطاع في السعودية، وأزمة الثقة هذه يمكن أن يقلصها التنظيم الذي تقوم به الوزارة للعلاقة بينهما"، متوقعاً أن تنتهي هذه الأزمة لو سار العمل بالوتيرة التي يسير بها الآن.

وكانت هيئة الأدب والترجمة والنشر قد اعتمدت قبل عام من الآن تنظيم الوكلاء في السعودية، عبر الترخيص لعدد ممن استوفوا الشروط، وهي خطوة تعد الأولى من نوعها في البلاد.

تجربة حديثة

وتتفق بعض دور نشر مع الشهري في تبرير حداثة التجربة وعدم وجود عمل متصل يمكن من خلاله تقييمهم، بوصفه سبباً في عدم التعامل معهم بشكل مكثف على رغم رغبتها فعلاً بعمل ذلك، وفقاً لمعجب الشمري.

وأضاف "التجربة لم تكن موجودة أصلاً كما ينبغي حتى نرفضها، كان الوكلاء يعملون في الدور فقط ولا يوجد من يمكن التعاقد معهم، لكن بعد ترويج الفكرة وتنظيم المهنة ظهروا، وفعلاً وقعنا مع أحدهم في أول أيام المعرض".

وعلى رغم قلة عددهم وحداثة التجربة فإن مشاريع هيئة الأدب والنشر والترجمة أسهمت في الزج بهم كشركاء بشكل شبه إجباري، إذ أطلقت الهيئة مبادرة للترجمة تدعم فيها المترجمين والدور التي تترجم إلى العربية من دور نشر أجنبية، ليجد الناشرون الذين قرروا المشاركة في الترجمة أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع وكلاء بسبب اشتراط "الأجنبية" وجوده وفقاً لمعايير سوقها في النشر.

وعن المهام التي تريد "تشكيل" توافرها في الوكيل حتى تتعاقد معه، يقول مديرها "التسويق والتحرير اللغوي وبقية المهام التي تسبق تسلم الكتاب، ومن ثم سنتولى نحن الباقي"، وهو ما وجدوه فعلاً في من تعاقدوا معه في المعرض.

المؤلفون أيضاً

حداثة التجربة هذه انعكست على نظرة المؤلفين أنفسهم، كما يقول الروائي -نشر هذا العام روايته الأولى (أحد الذين لم يضحكوا البارحة)- ياسر هادي، إنه عندما كان يبحث عن ناشر لجأ لأحد الوكلاء إلا أنه طلب منه دفعة مقدمة، لكن عندما بحث بنفسه وجد دار نشر مميزة (رشم)، عملت على تجهيزها ونشرها في المعرض من دون أي كلفة مالية.

وأبدى ياسر قلقه أيضاً من ألا يوفق الوكيل في اختيار الدار. ويعلق حاتم الشهري على ذلك بالقول "هذه تعود إلى مهارات الوكيل نفسه وذكائه المهني، كيف يستطيع التوفيق بين رغبة المؤلف والدار وخدمة حاجاته الشخصية الوظيفية في الوقت نفسه، بحيث يجلب صفقة ناجحة لكل الأطراف، وهذا هو صميم عمله ومن لا يجيده ليس بوكيل أدبي".

ويوجد في السعودية تسعة وكلاء فقط مرخص لهم، ويحصلون على نسبة تتراوح بين 10 و15 في المئة من المؤلف، بحسب استطلاع شخصي.

على رغم أن الناشرين اللذين تحدثنا معهما في معرض الرياض الدولي للكتاب المقام هذه الأيام (رشم وتشكيل) أكدا نيتهما التعامل مع الوكلاء وشرعا في خطوات عملية في هذا الجانب، فإنهما لا يزالان يحتفظان بمهام مثل التحرير والتدقيق وتصميم الأغلفة، وهي التي تكون عادة من مهام الوكيل الأدبي، مما يعطي مؤشراً إلى أن الثقة بينهما لا تزال قليلة.

المزيد من ثقافة