Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البريطانيون فئران مختبر في مجازفة أخرى يجريها حزب المحافظين

القرار المفاجئ الذي اتخذه كوارتنغ بإلغاء المعدل الأعلى لضريبة الدخل يمثل مخاطرة كبرى على المستوى السياسي

وزير الخزانة البريطانية كواسي كوارتنغ  (رويترز)

أعلن كواسي كوارتنغ "أننا في بداية عصر جديد" وذلك من ضمن موازنة مصغرة دراماتيكية احترمت لمرة الدعاية التي نفذها مساعدون حكوميون وعدوا بـ "الصدمة والرعب".

لقد مضت التخفيضات الضريبية التي أقرها وزير المالية بقيمة 45 مليار جنيه استرليني (49 مليار دولار) إلى أبعد من المتوقع، وهي الحزمة الأكبر منذ عام 1972 وأكبر من الحزمة التي أقرها وزير المالية السابق نايجل لوسون عام 1988. هذا وقد فشلت تجربة عام 1972 التي أجريت في عهد وزير المالية المحافظ أنتوني باربر، فقفزت معدلات التضخم واضطر الوزير إلى التراجع في شكل مذل. والآن يصبح البريطانيون فئران اختبار في تجربة أخرى محفوفة بالمخاطر.

يشكل القرار المفاجئ الذي اتخذه كوارتنغ بإلغاء المعدل الأعلى لضريبة الدخل الذي يبلغ 45 بنساً للجنيه ويُدفَع على المكاسب التي تتجاوز 150 ألف جنيه سنوياً، مخاطرة كبرى على المستوى السياسي. وهذا يصح في شكل خاص في الدوائر الانتخابية الموالية تقليدياً لحزب العمال، إذ من المستبعد أن يرحب الناخبون بخفض ضريبي يساوي 10 آلاف جنيه سنوياً لشخص يكسب 300 ألف جنيه سنوياً. وكذلك كان قراره إلغاء سقف المكافآت التي يحصل عليها المصرفيون ورفضه تغطية جزء من حزمته الضرورية المخصصة لدعم فواتير الطاقة والتي تبلغ قيمتها 60 مليار جنيه على مدى الأشهر الستة المقبلة من خلال فرض ضريبة مفاجئة على الأرباح الزائدة التي تحققها الشركات المنتجة للنفط والغاز.

ومع ذلك، سيكون خفض ضريبة الدمغة – وتقريب موعد تطبيق خفض معدل ضريبة الدخل البالغ 20 بنساً للجنيه بواقع بنس واحد للجنيه من عام 2024 إلى عام 2023 – أكثر شعبية لدى الجمهور. لقد أكد كوارتنغ إلغاء زيادة المساهمات في التأمين الوطني والزيادة المقترحة في ضريبة الشركات التي كان من المقرر تطبيقها في أبريل (نيسان) المقبل.

بهذه القائمة الطويلة وهذا النهج الشامل بدت الموازنة وكأنها الأولى بعد انتخابات عامة يحل فيها حزب ما محل حزب آخر. وهذا هو المغزى. إن رئيسة الوزراء ليز تراس عازمة تمام العزم على إبطال قسم كبير مما فعله حزبها الخاص منذ توليه السلطة عام 2010 – بوجودها هي على طاولة مجلس الوزراء معظم الوقت.

عندما هاجم وزير المالية "حلقة مفرغة من الركود"، كان يهاجم سجل حزبه من دون أن يقول ذلك. إن كلمة "جديد" كلمة قوية في العمل السياسي. ذلك أن حزب العمال الجديد كان الجزء الأكثر نجاحاً في التسويق السياسي في العصر الحديث. وتأمل تراس في أن تجعل استراتيجيتها المتمثلة في "اختيار المخاطرة واختيار النمو" حكومتها تبدو جديدة – والأهم أن تضمن ألا يبدو المحافظون وكأنهم أصيبوا بالتعب ويفقدون العنفوان وتنقصهم الأفكار.

يفرض التغير الجذري في الاتجاه معضلة على حزب العمال. كان يأمل في شعور الناخبين أخيراً بالتعب من المحافظين. لم يتهم حزب العمال المحافظين بـ "إضاعة 12 سنة" عندما كان بوريس جونسون رئيساً للوزراء، لأن عامة الناس اعتبروه مختلفاً، وليس محافظاً نموذجياً.

ومنذ رحيل جونسون، يبدأ حزب العمال في لعب ورقة "السنوات الـ 12"، فقد أبلغت راشيل ريفز، وزيرة المالية في حكومة الظل، مجلس العموم أن الحزمة "اعتراف بـ 12 سنة من الفشل الاقتصادي". لكن ماذا لو حكم الناخبون على حكومة تراس بأنها "جديدة" واعتبروها حسنة النية؟ هل يمكن لتراس أن تنجح وتكرر خدعة جونسون؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بيد أن حزمة الجمعة تشكل مقامرة ضخمة، حتى في نظر النواب المحافظين. فكثير منهم يشعرون بقلق إزاء الاقتراض الإضافي البالغ 72 مليار جنيه المقرر خلال السنة المالية الحالية. لقد وعد كوارتنغ بالعودة للمسؤولية المالية العامة في الأجل المتوسط، لكنه خرق الأهداف المالية العامة التي حددها ريتشي سوناك والنهج التقليدي المتمثل في موازنة الدفاتر والذي انتُخِب المحافظون بناء عليه عام 2019.

ويخشى بعض المحافظين من أن تكون وزارة المالية وبنك إنجلترا ينحوان في اتجاهين مختلفين في ما يتصل بالسياسة المالية العامة والسياسة النقدية على التوالي. لقد قلل كوارتنغ من أهمية الخلافات مع بنك إنجلترا لكن الأسواق المالية قد لا تكون مقتنعة.

والواقع أن منتقدي تراس المحافظين يخمنون أن الأسواق، وليس حزبها أو عامة الناس، ستكون الطرف الذي "يقتل هذه التجربة"، كما أخبرني أحد النواب. وعلى رغم أن بعض المعارضين المحافظين سيمنحون تراس الفرصة لمعرفة ما إذا كان النهج الجديد ينجح، هي تملك في صفوف النواب صدقية أقل بكثير مقارنة بما امتلكه جونسون بعدما أوصل "بريكست" إلى ما بعد خط النهاية والفوز بانتخابات عامة.

يصف بعض المراقبين المزاج المحافظ بأنه "شديد الغضب" بعد الانتخابات القيادية الطاحنة وقرار تراس استبعاد أنصار سوناك من المناصب الوزارية الكبرى. وعلى رغم أن النواب المحافظين لن يصوتوا ضد التخفيضات الضريبية، قد ينشأ نزاع بين تراس ونوابها في شأن خطط كوارتنغ القاضية بالسماح بمزيد من بناء البيوت. لا بد من أن يكون هذا جزءاً من أية استراتيجية نمو جديرة بالثقة، إلا أن رفض البناء الجديد في معاقل المحافظين أرغم جونسون على التراجع عن هذه المسألة. وستختبر المسألة الآن تصميم تراس.

يصر حلفاؤها على أنها مستعدة للتصرف حيث لم يجرؤ الآخرون، بما في ذلك جونسون. ويمكن اعتبار حكومتها وموازنة كوارتنغ المصغرة الرهان الأخير لمؤيدي "بريكست" المتشددين الذين اشتكوا من أن جونسون تراجع عن اتخاذ القرارات الصعبة سياسياً التي كانت مطلوبة من أجل "استغلال الفرص التي مثلها ’بريكست‘". ومكافآت المصرفيين مثال على ذلك.

وإذا فشلت التجربة، تكون الأعذار قد نفدت لدى المشككين في أوروبا، وربما يكون بوسع البلاد – وحتى حزب العمال – أن تجري أخيراً مناقشة لائقة حول ما إذا كان "بريكست" يستحق العناء الذي رافقه.

لم تتغير بعض الأشياء منذ عهد جونسون. كان ليشعر بالفخر لعدم خضوع "مناسبة مالية عامة" هي أكثر أهمية وأشد أثراً من معظم الموازنات إلى التدقيق والشفافية، لكنه لم ينل ذلك لأن وزير المالية أراد أن يتجنب قراراً في شأن خططه يصدره مكتب مسؤولية الموازنة، هيئة الرقابة على المالية العامة.

ثمة مراوغة في ذلك، إذا استخدمنا عبارة لطيفة. ومن حسن الحظ أن الحكومة لا تستطيع إسكات مؤسسات بحثية مثل معهد دراسات المالية العامة، الذي يحذر من أن الشؤون المالية العامة باتت على مسار غير مستدام. ويتلخص التهديد الأعظم الماثل أمام تراس وكوارتنغ في أن الأسواق المالية توافق على هذا الوصف. وعلى حد تعبير وزير سابق في الحكومة: "إن كواسي رجل جذاب وذكي. لكن قد يتبين أنه غير منضبط في هذه الوظيفة". ستتضح الصورة لنا قريباً.

© The Independent

المزيد من آراء