Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسار النمو في عهد تراس بعيد من كونه مؤكدا

الاقتصادات التراسية: هل يمكنها أن تنجح؟ يكتب هاميش ماكراي قائلاً إن الناس يعملون بجد أكبر إذا سمح لهم بالاحتفاظ بمبالغ من أموالهم الخاصة تكون أكبر حجماً

ما الأدلة إذاً؟ الإجابة الأمينة هي أن الأدلة مختلطة (أ ف ب/غيتي/اندبندنت)

هل ستنجح الاقتصادات التراسية؟ أو بتعبير أكثر دقة، هل تشكل الفكرة الاقتصادية الأساسية لدى ليز تراس ومفادها بأن التخفيضات الضريبية من شأنها أن تؤدي إلى نمو اقتصادي أسرع فكرة ذات صدقية؟

هي وجهة نظر مثيرة للجدال، فهي تقع في قلب المناقشة الكبرى في دور الحكومة في اقتصاد متقدم. وتتقبل غالبية الناس أن الأجل القريب سيشهد بعض الدعم للنمو نتيجة لانخفاض الضرائب، لكن هذا الدعم قد لا يكون مستداماً إذا عززت التخفيضات الضريبية ببساطة عجز المالية العام. وتتلخص المسألة الأبعد أجلاً في ما إذا كانت البلدان التي لديها قطاع عام صغير نسبياً تميل إلى أن تنمو بسرعة أكبر من البلدان التي تملك قطاعاً عاماً ضخماً.

وإذا صح ذلك، ستبرز حجة [ذريعة] لخفض الضرائب، بما في ذلك الضرائب المفروضة على الناس الميسورين، من أجل زيادة حجم الاقتصاد الإجمالي بسرعة أكبر. وبكلام مباشر أكثر، يعمل الناس بجد أكبر إذا سمح لهم بالاحتفاظ بمبالغ من أموالهم الخاصة تكون أكبر حجماً.

يمثل هذا الرأي الحجة التي ساقتها رئيسة الوزراء الجديدة بسعيها إلى الفوز بالمنصب، ويشكل أساس الخطاب المنادي بخفض الضرائب في الأوساط السياسية في كل مكان، ولا سيما الولايات المتحدة. لكن إذا أدت الحكومات الصغيرة إلى خدمات عامة رديئة فهذا لن يعني أن أصحاب المداخيل الأكثر انخفاضاً سيعانون فحسب، بل يشير أيضاً إلى أن القدرة التنافسية الإجمالية للاقتصاد بالكامل ستتقوض. فالبلدان تحتاج إلى بنية تحتية يعتد بها وقوة عمل جيدة التعليم [مؤهلة وكفوءة]، وهذان مجالان تؤدي الحكومة فيهما دوراً مركزياً لا محالة.

ما هي الأدلة إذاً؟ الإجابة الأمينة تفيد بأن الأدلة مختلطة. تجري منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية [سنوياً] إحصاء مفيداً للإنفاق الحكومي العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وأفضل عام كان عام 2019، قبل أن تقلب الجائحة كل شيء رأساً على عقب. في القمة تحل فرنسا وفنلندا وبلجيكا والنرويج، حيث يمثل الإنفاق الحكومي أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي القاع، تحل المكسيك وإيرلندا، حيث يقل إنفاق الحكومة عن 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وسجلت معظم بلدان أوروبا القارية نحو 45 في المئة، بينما شهدت البلدان الناطقة بالإنجليزية نحو 40 في المئة، وحققت كندا نسبة أعلى قليلاً من ذلك المستوى، وحلت أستراليا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا في الوسط، وشهدت الولايات المتحدة أقل قليلاً من 38 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا يعني أن الولايات المتحدة تملك قطاعاً حكومياً أصغر بعض الشيء من غالبية البلدان المتقدمة الأخرى، لكنه ليس أصغر في شكل جذري، بل إنه في واقع الأمر أكبر من القطاع الحكومي في كل من سويسرا وكوريا الجنوبية. ومع احتساب تكاليف الرعاية الصحية، التي تمولها الحكومة إلى حد كبير في أوروبا وأصحاب العمل إلى حد كبير في الولايات المتحدة، يضيق الفارق قليلاً.

ماذا عن القدرة التنافسية إذاً؟ صحيح أن النمو في أوروبا ككل كان أبطأ منه في الولايات المتحدة، لكن هذا يرجع جزئياً إلى التركيبة السكانية المختلفة. فالولايات المتحدة (وبقية العالم الإنجليزي) لديها عدد متزايد من السكان، في حين أن عدد السكان في قسم كبير من أوروبا مستقر أو في انخفاض. لقد بدأ عدد سكان الاتحاد الأوروبي في الانحدار عام 2020 ثم انخفض إلى مستويات أدنى العام الماضي.

إذا كان اقتصاد الولايات المتحدة أكثر نشاطاً من الاقتصاد الأوروبي، وهو كذلك حقاً، من المنطقي أن نعزو هذا إلى عمر سكانها وهيكليتهم بدلاً من المستويات الضريبية المختلفة بعض الشيء، فضلاً عن ذلك نجحت عديد من البلدان الأوروبية، ولا سيما البلدان الإسكندنافية، في دعم النمو الاقتصادي اللائق على رغم العبء الضريبي المرتفع نسبياً.

لذلك إذا نظرنا في إلى الحجم الإجمالي للحكومة، لن نجد دعماً واضحاً للحجة القائلة إن الدولة الأصغر حجماً من شأنها أن تعزز النمو، لكن من الواضح إلى حد كبير أن القطاع الحكومي غير الفاعل من شأنه أن يلحق الضرر بالاقتصاد. مثلاً، هناك مخاوف مشروعة في شأن جودة القطاع الحكومي في إيطاليا.

فالعام الماضي، جادلت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أن "القيود التنظيمية المفرطة وطرق تنفيذها المرهقة قد تضيف إلى التكاليف التشغيلية التي تتكبدها الشركات" في إيطاليا، وأن "الثقة في المؤسسات العامة وفي إنجاز الخدمات العامة تسجل واحداً من أدنى المستويات في مختلف بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية". وهناك حجة لا بد منها ومفادها بأن رئيسة الوزراء الجديدة يجب أن تركز على جعل الحكومة أكثر فاعلية بدلاً من مجرد الرغبة في خفض حجمها.

ماذا عن تخفيض المعدلات الضريبية، وهو عنصر آخر في مشروع تراس؟ هنا ثمة بعض الأدلة التي تشير إلى أن التخفيضات مفيدة. تعد إيرلندا المثال الرئيس على استخدام معدل لضريبة الشركات يبلغ 12.5 في المئة لإغراء الشركات الأجنبية بإقامة قواعد في البلاد، وهو ما حقق نجاحاً كبيراً إلى درجة أن إجراءات مشتركة تتخذ الآن لفرض معدل ضريبي عالمي يساوي 15 في المئة حداً أدنى. ومن المتوقع أن تمرر الولايات المتحدة هذا الأسبوع جزءاً من هذا التشريع.

ففي الولايات المتحدة هناك منافسة ضريبية قوية بين الولايات، سواء بالنسبة إلى الشركات أو الأفراد. والواقع أن الفكرة السائدة في أوروبا عن كون الولايات المتحدة ملاذاً عالمياً منخفض الضرائب لا تصدق حقاً. أضيفوا معدل الضريبة الأعلى على الدخل في كاليفورنيا الذي يبلغ 12.3 في المئة إلى المعدل الفيدرالي الأعلى الذي يبلغ 37 في المئة وتقتربون كثيراً من معدل الـ50 في المئة. وتبلغ النسبة البريطانية الأعلى 45 في المئة.

أما اختلاف نظام الولايات المتحدة فيتلخص في أنه يتمتع بإعفاءات أكثر من المملكة المتحدة، ذلك أن قلة قليلة للغاية من أصحاب المداخيل المرتفعة تدفع في واقع الأمر ذلك المعدل الأعلى، أو ينتقلون إلى واحدة من الولايات التسع التي لا تفرض أي ضريبة على الدخل المكتسب، ولا سيما الولايتان الأكبر منهما، تكساس وفلوريدا.

يقودنا هذا إلى التساؤلات الحاسمة التي تثيرها الاقتصادات التراسية: هل يشجع وقف العمل بالزيادات الضريبية التي أعلنها منافسها ريشي سوناك الناس على تغيير سلوكهم؟ وهل ستزيد الشركات استثماراتها لأن ضريبة الشركات لن تشهد زيادة؟ أو هل ستوظف مزيداً من الناس لأن المساهمات في التأمين الوطني لن ترتفع؟ هل سيواصل الأشخاص الذين فكروا في التقاعد العمل؟

الاستنتاج الذي خلصت إليه هو أن هذا قد يغير بعض الأشياء، لكن ليس كثيراً منها. ببساطة لا دليل يدعم ذلك. والأهم بكثير هو تحسين فاعلية القطاع العام. هذه هي المهمة الصعبة حقاً التي تنتظرنا.

الكتاب الجديد لهاميش ماكراي "العالم عام 2050"" نشرته "بلومزبيري"

© The Independent