Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بماذا تخبرنا مشاعرنا في المطارات؟

مئات العبارات صاغها شعراء تربط بين رموز السفر واشتعال الذكريات

في لحظة السفر تتحول مشاعر المسافر وتتبدل بشكل فجائي من حال إلى حال (أ ف ب)

غالباً ما يتحدث المسافرون عن مجموعة من المشاعر والأفكار التي ترافقهم لحظة مغادرة بلادهم وانتقالهم للسكن في بلد ثان، يعبر معظمهم بطريقة شاعرية عن الأمر، فلهذه اللحظة خصوصية لا يدركها إلا من خاضها بشكل عملي، وهذا ينطبق على الجميع مع اختلاف درجة الوعي.

يقدم لنا محمود درويش في عبارتين صورة مختصرة ومكثفة في الوقت ذاته عن الحال العاطفية التي تعتري المسافر على باب المطار، فيقول "كل العصافير التي لاحقت كفي على باب المطار البعيد، كل الحدود كل المناديل التي لوحت، كل العيون كانت معي"، فالمسافر يشعر تماماً وكأن كل ما في الوطن يسير معه في رحلة العبور هذه، وتلاحقه كل تفاصيل بلاده، فهناك على بوابة المطار كل تفصيل صغير لم يحمل أي معنى بالنسبة إليه سابقاً بحكم الاعتياد أصبح الآن مؤلماً وموجعاً وكأنه ينسلخ عن ذاته.

مئات العبارات التي صاغها الشعراء تربط بين رموز السفر واشتعال الذكريات، فتقول غادة السمان في ديوان "عاشقة في محبرة"، "لماذا تذكرني بطاقات السفر بالذبحة القلبية؟ لماذا يذكرني المطر في المطارات بيدي جدتي المخضبتين بالدعوات والياسمين والحناء؟"، كما عبر نزار قباني عن هذه الفكرة بعمق شديد وعاطفة مفرطة عندما قال "من الطائرة يرى الإنسان عواطفه بشكل مختلف، يتحرر الحب من غبار الأرض، من جاذبيتها، من قوانينها، يصبح الحب كرة من القطن، معدومة الوزن".

العواطف المتبدلة

في لحظة السفر تتحول مشاعر المسافر وتتبدل بشكل فجائي من حال إلى حال، ويرى في كل شخص حوله صورة وطنه، ويبدأ شعور خفي بالتقدير يتصاعد، تجاه كل ما تذمر منه سابقاً، وكأن شيئاً خفياً بدأ يربطه بهم فجأة، فأرض بلاده التي لطالما انتقدها وقارنها مراراً وتكراراً ببلدان العالم المتطور التي هو في الطريق إلى إحداها، يكاد في تلك اللحظة لا يرى عيوبها، ويخالجه هاجس الاندماج في البلد الآخر، فيتساءل إن كان بإمكانه أن ينتمي بسهولة إلى البلد الجديد، بقوة انتمائه نفسها للبلد الأم.

والسؤال هنا، فهل نحن نرحل فعلاً من أوطاننا أم نرحل إليها بشكل أو بآخر؟

ألفة الأمكنة

لطالما اهتم علم النفس بقضية التعلق وما يرافقها من قلق الانفصال الذي يؤدي إلى تقييد الفرد وخفض خياراته وتضييق منظوره للحياة، فترجع "نظرية التعلق" الأمر إلى الطفولة، إذ يتعلق الطفل أولاً بالأشخاص الذين يستجيبون معه في التفاعلات الاجتماعية، ما يؤدي إلى تكون أنماط مختلفة من التعلق، تؤدي بدورها إلى تكوين نماذج داخلية توجه إدراكه الحسي وأفكاره ومشاعره وتوقعاته في علاقاته الاجتماعية عند الكبر، فيسعى في المقام الأول إلى التقرب الدائم من رمز التعلق الخاص به.

ومن هنا ارتبطت الشجاعة بالقدرة على التخلي عن الأشياء المألوفة، وعلى رأسها وربما أكثرها التصاقاً المكان، فالتعلق بالمكان يبنى على معنى ما أو تصور سلبي أو إيجابي للمكان، وتشكله مجموع المكونات العاطفية بين الناس والمكان ذاته، إضافة إلى المشاعر المكتنزة تجاه أشخاص لم نعرب لهم كما يجب عن عواطفنا متبعين المعتقدات والسلوكيات المكتسبة، فعندما لا نروي قصصنا لا نفتقد فرصة تجربة التعاطف والاتصال الجيد مع الآخرين فحسب، بل نظل عالقين في دائرة من التأنيب غير الواعي، في الوقت الذي كان من الممكن كسر الدائرة هذه بكسر الصمت لا أكثر، لكن شيء ما كان يمنعنا من رؤية وإظهار أنفسنا الأصيلة عن طريق إبقائها في الداخل، لذا يتطلب الانتقال إلى خط حياة جديد في مكان جديد مع أشخاص جدد، شجاعة أن نكون صادقين تماماً مع أنفسنا حول ما الذي يبقينا عالقين في رحاب الألفة التي تظل أكثر راحة من عدم اليقين في ما سيحدث بعدها، وهنا علينا أن نسأل أنفسنا ما الذي نقدره أكثر، الراحة أم النمو؟

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات