Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترجمة الأدب العربي إلى الروسية شبه معدومة في العهدين

الدولة تهتم بأدب الغرب مع بيع النفط والغاز أما الشرق فلترويج السلاح والشعارات

طلاب عرب وروس في موسكون في الثلاثينيات (يوكر برس)

تظل قضية حركة الترجمة من الروسية إلى العربية والعكس، قضية حيوية، نظراً إلى عديد من الروابط بين الثقافتين ومرورها بمحطات ومنعطفات مختلفة من حيث الضيق أو الاتساع، ومن حيث التقلبات السياسية أيضاً. وإذا اعتمدنا الصورة الذهنية للعلاقة بين الثقافتين، فمن الممكن طرح مشاهد مثالية للترجمة في الاتجاهين، ولكن الواقع يقول شيئاً آخر تماماً. فحركة الترجمة من اللغة الروسية إلى العربية والعكس، فقيرة وضحلة للغاية، ولا تخضع لمعايير مهنية ومعرفية واضحة، في حال مقارنتها بالترجمة من الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعكس. هناك أسباب كثيرة لذلك، منها السياسي ومنها التاريخي. فالارتباط بين الثقافتين العربية والغربية أكثر قوة ومتانة، تدعمه السياسات الثقافية والتعليمية، والتوجهات السياسية، ومجموعات المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية. وفي الحقيقة، فالجانب الروسي نفسه ليس لديه وقت لموضوع الترجمة في اتجاه العالم العربي، إلا في أحوال نادرة، مرتبطة بالتقاربات السياسية أو حفلات الاستقبال والمناسبات الدبلوماسية.

أهداف سوفياتية

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أو حتى قبل الانهيار ببضع سنوات، توقفت حركة الترجمة من الروسية إلى العربية والعكس. وفي الحقيقة، فقد كانت حركة الترجمة تتم في اتجاه واحد (من الروسية إلى العربية) بفضل الاتحاد السوفياتي ومؤسساته لأغراض أيديولوجية صرفة. ولا يمكن تجاهل ترجمة بعض أعمال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين، إبان وجود الاتحاد السوفياتي، كما قام المستعربون في معهد الاستشراق ومعهد بلدان آسيا وأفريقيا ومعهد العلاقات الدولية، بنقل أعمال متفرقة من التراث العربي في العصرين الأموي والعباسي، وبعض قصائد محمود درويش الذي نال جائزة لينين عام 1988 في احتفال مهيب في موسكو السوفياتية. ومن الممكن أن نلمح أسماء عربية من سورية والعراق والكويت عبر قصص قصيرة منفردة، أو قصائد تمت ترجمتها عبر علاقات شخصية أو على خلفية مناسبات سياسية. وبطبيعة الحال، هناك اهتمام بالدراسات "الإسلامية"، انطلاقاً من أن غالبية الباحثين الروس ينظرون إلى العالم العربي باعتباره لا يزال يعيش في ما قبل العصور الوسطى، وأن الدراسات الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي هي مفتاح فهمه والمدخل إلى "قلبه".

بانهيار الاتحاد السوفياتي بدأت بالفعل تظهر جهود فردية لمترجمين من مصر وسوريا والعراق، إذ تعاونوا بأشكال ودرجات مختلفة مع مؤسسات حكومية أو دور نشر خاصة لطباعة ترجماتهم من الروسية إلى العربية، بينما توقفت تماماً حركة الترجمة والنشر من العربية إلى الروسية. وبعد الانهيار كانت هناك محاولات فردية للترجمة من الروسية إلى العربية، ولكن غالبيتها كانت إعادة لترجمات سابقة للأدب الروسي الكلاسيكي في القرن الـ 19، أو انتقاء أعمال لكتاب روس حصلوا على جائزة نوبل، أي إن عديداً من الأعمال التي كتبت في العهد السوفياتي بدأت تتوارى، وفي المقابل بدأ يسطع نجم الأدب الروسي في القرن الـ 19.

خلال السنوات من 1991 إلى 2005 نجح كثير من دور النشر الخاصة في إعادة طبع مجموعات ضخمة من الأعمال المترجمة لكبار الكتاب الروس والسوفيات. لا أحد يعرف إلى الآن كيف تم ذلك، لأن دور النشر السوفياتية التي قامت بطباعتها تلاشت بمجرد انهيار الاتحاد السوفياتي أو تحولت إلى مؤسسات شكلية، تمهيداً لتحويلها في ما بعد إلى مؤسسات وأسواق أخرى. ويبدو أن الملكية الفكرية قد آلت إلى المترجمين أنفسهم، أو إلى "مجموعات مصالح"، هذا إضافة إلى دخول بعض دور النشر العربية المعروفة على الخط لتظهر لديها طبعات من تلك الكتب بأشكال وأغلفة مختلفة، وربما بأسماء مترجمين غير معروفين.

تعليم العربية في روسيا

في نهاية المطاف بدأت جهود جيل المترجمين السوريين والعراقيين واللبنانيين والمصريين الكبار الذين ترجموا من الروسية إلى العربية مباشرة، تتوقف لأسباب كثيرة. وظلت الجهود الفردية وفقاً لمبدأ الدفع الذاتي على الأقل للحفاظ، ولو حتى على خيط رفيع من هذا الرصيد الثقافي الذي يكاد يتلاشى بالفعل. فمن الطبيعي أن عندما تضعف الدول، تنهار الأفكار الكبرى والمشاريع الوطنية. والعكس صحيح أيضاً.

على الجانب الآخر، بدأت محاولات فردية أيضاً، أو عبر "صناديق" قصيرة العمر وغير معروفة التوجه والأهداف، لترجمة بعض الأعمال العربية، ولكن سرعان ما تلاشت هذه المحاولات بعد إعادة ترجمة بعض الأعمال القديمة، أو طرح بعض الترجمات السيئة لكتاب جدد مثل علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" و"شيكاغو" على سبيل المثال، كما قام اتحاد الكتاب الروس، قبل ما يقرب من 20 عاماً، بإعادة طرح بعض أعمال توفيق الحكيم التي ترجمت قبل نصف قرن في مجلد واحد، وأقاموا احتفالات مهيبة ودعوا كتاباً ونقاداً من مصر ليشاركوا في هذا الإنجاز الضخم. وفي الواقع، إلا أن "ميزان" الترجمة كان ولا يزال يميل لصالح الأعمال المترجمة من اللغة الروسية، لكن المفاجأة المحزنة، وربما الحقيقة المرعبة التي يتجاهلها كثيرون عمداً، هي أن غالبية الأعمال الإبداعية التي ترجمت من العربية إلى الروسية، يجري التعامل معها ليس كأعمال إبداعية خاضعة للنقد والنقاش والترويج وفق المعايير المعروفة، وإنما كمواد لتعليم اللغة العربية لطلاب معاهد الاستشراق والاستعراب، بل ومن الممكن أن نرى تلك الأعمال مكدسة في مكتبات المعاهد، وليس في الأماكن المخصصة لبيع الأعمال الأدبية المترجمة.

هذه الحقيقة لا تزال قيد التجاهل والإغفال، ولكنها توضح مدى أهمية هذه الأعمال لدى الجانب الروسي، وتكشف بدرجات ما عن نظرة الأوساط الأدبية والإبداعية الروسية إلى الأعمال الإبداعية العربية. عدا ذلك، فمن الممكن أن نلمح ندوات متفرقة أو فعاليات شكلية تماماً على خلفية احتفالية سياسية، أو زيارة دبلوماسية أو افتتاح مشروع استثماري. أي فعاليات موسمية محسوبة جيداً وخاضعة لتقلبات سياسية. وهو الأمر الذي يكشف عن بعض العطب في عمليات التبادل الثقافي المعرفي كعملية جدلية - تبادلية بين طرفين حريصين على توطين مسارات ثقافية غير خاضعة مئة في المئة لعمليات المد والجزر السياسية.

موازين قوى

من الواضح أن هناك ضرورة لوضع حركة الترجمة من وإلى الروسية تحت مجهر الفحص على المستوى الأكاديمي، وذلك بتقديم الدراسات والأبحاث الجديدة في محاور عدة، حول الترجمة بوصفها نشاطاً معرفياً وحضارياً، على أساس منهجي سليم، بهدف تبادل الخبرات العلمية، ونشر الوعي بالقضايا والموضوعات التي تتعلق بالهوية الحضارية والاستقلال الفكري، وتحقيق التواصل المعرفي الصحيح بين الثقافة العربية وثقافات العالم في الحاضر والمستقبل. فعادة ما تدور الندوات والمؤتمرات والأحاديث عن الترجمة من العربية إلى الروسية، حول المشكلات التقليدية مثل اختيار النصوص والموضوعات، ولجان الاختيار ومعاييرها، ودور النشر الخاصة والمؤسسات الحكومية التي تدفع بمنتجاتها للترجمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك أيضاً المنتديات والمؤتمرات الأكثر عمقاً وجدية التي تتناول الترجمة كعملية ثقافية كاملة قابلة للنقل والحوار والنقد. ومن ثم تظهر الترجمة كإحدى أذرع القوة الناعمة لهذه الدولة أو تلك، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن الترجمة أيضاً هي المادة الأساسية لعلوم الاستعراب والاستشراق والأنثروبولوجي. وهي العلوم غير البريئة تماماً، وربما إطلاقاً، من شبهات الاستعمار والسيطرة وفرض النفوذ والشروط، لكن الترجمة أيضاً، عملية صناعة كاملة الأركان، بالتالي هي عملية تجارية بمعناها الاقتصادي الواسع بكل ما يحمل من مسارات وعمليات أساسية وهامشية وأرباح، بالتالي فهي بهذا المفهوم، تدخل ضمن إطار المشاريع الوطنية والقومية التي تستفيد منها الدولة ومؤسساتها و"أجهزتها"، والتي يستفيد منها المجتمع في حراكه الاجتماعي – التاريخي – الثقافي - الفكري. هذه النقطة تخص الجانب الذي يقوم بالترجمة بالقدر نفسه الذي يخص الجانب الذي يترجم منه. ولا يمكن هنا بأي حال من الأحوال تجاهل أنها خاضعة لموازين القوى السياسية والاقتصادية والنفوذ.

من جهة أخرى، هناك تجاهل أو إغفال لمتابعة النصوص والموضوعات والكتب التي ترجمت من العربية إلى الروسية. أي إن عملية الترجمة من العربية إلى الروسية تتوقف عند صدور الكتاب، وتبدأ خطوة أخرى في غاية الفظاظة والتضليل. وهي عملية إعلامية فجة تدور حول عظمة الثقافة العربية، وعظمة المبدعين والمفكرين والكتاب، وعالمية هذا الكاتب أو ذاك، بينما النصوص والكتب التي ترجمت "مركونة" على أرفف بعض معاهد وكليات تعليم اللغة العربية، بالتالي فعملية تتبع المنتج والترويج له وفق المعايير المتعارف عليها، تمثل أحد أهم الأهداف من عملية الترجمة، وقد تكون الحلقة الأهم في تلك العملية. ويمكن ملاحظة الجهود التي تبذلها المراكز الثقافية والتعليمية الغربية، وربما المؤسسات الدبلوماسية الغربية أيضاً، في عديد من الدول العربية لإقامة الندوات ودعوة المبدعين والكتاب للمشاركة في ندوات ونقاشات تتعلق بكتبهم المترجمة إلى اللغة العربية. والمهم هنا، أنه يتم اجتذاب المثقفين والنقاد والمبدعين والكتاب العرب لإدارة هذه الندوات والمشاركة فيها والتفاعل معها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة