Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما احتمالات الركود العالمي وتأثيره الاقتصادي؟

تباطؤ النشاط في الأسواق الرئيسة يزيد الضغط على الدول الصاعدة والنامية

مخاطر الركود ورفع أسعار الفائدة يهزان الأسواق الدولية (أ ف ب)

حث بنك التسويات الدولية الدول الرئيسة على رفع أسعار الفائدة بقوة على رغم زيادة مخاطر الركود الاقتصادي واضطراب أسواق العملات. ويعد بنك التسويات الدولية المظلة العالمية للبنوك المركزية حتى إنه يسمى "البنك المركزي للبنوك المركزية". وجاء التقرير ربع السنوي للبنك، الإثنين 19 سبتمبر (أيلول) الحالي، بعد أيام من تحذير البنك الدولي من خطر الركود الاقتصادي العالمي مع تزامن رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة بشكل متزامن. وسبق أن حذر صندوق النقد الدولي أيضاً من زيادة احتمالات الركود الاقتصادي العالمي بنهاية هذا العام أو مطلع العام المقبل مع تباطؤ أو انكماش النشاط الاقتصادي في أغلب الاقتصادات الرئيسة. وتأتي المواقف المتعارضة لبنك التسويات الدولية والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية وسط جدل يطغى على الأسواق في شأن ما يواجهه الاقتصاد العالمي من تحديات تتمثل في استمرار ارتفاع معدلات التضخم منذ العام الماضي والاضطراب في أسواق الأسهم والسندات والعملات.

وينتظر أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي" الأميركي سعر الفائدة في الأيام المقبلة بنسبة بين 0.75 وواحد في المئة، كما يتوقع أن يحذو بنك إنجلترا "المركزي البريطاني" حذوه هذا الأسبوع أيضاً، وإن كانت التوقعات أن يرفع سعر الفائدة بنسبة 0.50 في المئة وليس 0.75 في المئة في ظل مؤشرات انكماش الاقتصاد البريطاني. وسبق أن رفعت البنوك المركزية في أوروبا وكندا وغيرها أسعار الفائدة هذا الشهر في محاولة لكبح جماح الارتفاع في الأسعار.

احتمالات الركود العالمي

على رغم دعوته إلى رفع أسعار الفائدة بقوة اعترف بنك التسويات الدولية في تقريره بأن احتمالات الركود الاقتصادي العالمي في ازدياد. ونقلت وكالة "رويترز" عن رئيس الإدارة الاقتصادية والنقدية في البنك كروديو بوريو قوله إن التشديد النقدي بقوة الآن يجعل الاقتصاد العالمي يتفادى الاضطرار لإجراءات في غاية الصعوبة فيما بعد، لكن المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وعدد من الاقتصاديين يرون أن تشديد السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية بهذا الشكل سيقضي على أي فرص لانعاش النشاط الاقتصادي المتراجع، بالتالي يزيد من احتمالات الركود. ويجادل البعض بأن البنوك المركزية ربما كانت ترتكب خطأ آخر بالتدخل بقوة لوقف ارتفاع التضخم بزيادة أسار الفائدة بنسب كبيرة متتتالية، مثلما أخطأت العام الماضي في توقعاتها بأن موجة ارتفاع التضخم موقتة ومرحلية، لكنها استمرت وتعمقت. ويرى بوريو أن تلك هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية (النصف الأول من أربيعينيات القرن الماضي) التي يضطر فيها واضعو السياسة النقدية لمواجهة ارتفاع التضخم في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد أزمة ديون والقطاع العقاري في وضع مغالاة في قمية الأصول. وتتم أيضاً مراجعة توقعات النمو الاقتصادي بالخفض، بينما تواصل معدلات التضخم الارتفاع.

ومع ارتفاع سعر الصرف الدولار نتيجة التشديد النقدي الأكبر في الولايات المتحدة تتراجع قيمة العملات الأخرى وتشهد أسواق العملات اضطراباً متزايداً يؤثر على قدرة الحكومات للاستثمار العام الذي ينعش الاقتصاد المتباطئ. كذلك شهدت أسواق الأسهم تراجعاً في مؤشراتها بلغت نسبته عالمياً في المتوسط منذ بداية العام نحو 16 في المئة، بحسب تقديرات وكالة "رويترز".

وينظر إلى مؤشرات السوق غالباً على أنها دليل على حركة الاقتصاد، وغالباً ما يكون الركود الاقتصاد العالمي تالياً أو متزامناً مع هبوط السوق بنحو الخمس "20 في المئة"، لكن هناك عوامل أخرى كثيرة مثل معدلات البطالة وقيمة الدخول والناتج الصناعي.

ويشير تقرير بنك التسويات الدولية إلى أن أوروبا ستكون الأكثر تضرراً وزيادة احتمالات الركود. ويحذر التقرير من صعوبة استبدال النفط الروسي، مما سيجعل الأسعار ترتفع أكثر عالمياً ويضر بكل القطاعات المعتمدة على النفط ومشتقاته، كما أن أسعار الغاز الطبيعي ستستمر في الارتفاع، مما يزيد كلفة الطاقة الكهربائية ويضر بأغلب الصناعات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التأثير السريع والمباشر لرفع سعر الفائدة هو أن الواردات الأميركية ستكون أرخص، بالتالي يزداد عجز الميزان التجاري الأميركي. أما خارج الولايات المتحدة فإن مشكلات الحكومات والشركات التي اقترضت بالدولار ستزداد تفاقماً مع عدم قدرتها على تسديد ديونها وفوائدها وأقساطها، بينما عملاتها المحلية تهبط أمام الدولار. ويضيف ريكاردو بوريو أن ذلك "قد يزيد الضغط على تلك الدول لترفع أسعار الفائدة لوقف انهيار عملاتها كما يمكن أن يؤدي إلى تدخل في سوق العملات كما بدأ بعض الدول تفعل".

كل ذلك يضعف من قدرة الحكومات على الإنفاق العام، بالتالي ينكمش النشاط الاقتصادي. ويكون ذلك أكثر وضوحاً في الاقتصادات الصاعدة والنامية، أما في الاقتصادات المتقدمة فإن الركود الاقتصادي يؤدي إلى تراجع شديد في الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن ارتفاع أسعار الفائدة سيحد من النشاط في القطاع العقاري الذي يمكن أن يشهد تباطؤاً شديداً.

ويبقى الناتج الصناعي من بين المؤشرات المهمة أيضاً على حدوث الركود وإحدى نتائجه أيضاً. ففي ظل الركود الاقتصادي تخفض الشركات استثماراتها في توسيع عملياتها وتخفض إنتاجها مع تراجع الطلب. وغالباً ما كانت الحكومات تعوض ذلك بالإنفاق العام عبر استثمارات في مشروعات البنية التحتية وغيرها للحفاظ على النشاط في الاقتصاد وتشجيعه على النمو، لكن أغلب الاقتصاديين الآن يرون أن صانعي السياسات ليست لديهم القدرة التي توفرت من قبل لأي أزمات ركود عالمي منذ ثمانينيات القرن الماضي.

نتائج متعددة

ليس هناك تعريف محدد للركود الاقتصادي العالمي، لكن صندوق النقد والبنك الدوليين يعتمدان في التوصيف على ركود في أغلب الاقتصادات المتقدمة في وقت واحد أو بشكل متتابع. ولأن الاقتصاد الأميركي أكبر اقتصاد في العالم، ويشكل نسبة 25 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإن دخوله في ركود يؤثر على بقية اقتصادات العالم. والآن، نشهد حالة ضعف واتجاه نحو الركود في الصين وأميركا وبريطانيا وأوروبا، أي كل الاقتصادات المتقدمة تقريباً.

ويمكن ذكر بعض ما يشهده الاقتصاد في حالة الركود كالتالي، زيادة معدلات البطالة وتراجع الإنفاق العام والاستهلاكي وتفاقم أزمة الديون وانهيار سوق العقارات وتراجع الناتج الصناعي وانخفاض معدلات التجارة واختناق سوق الائتمان وهبوط مؤشرات السواق، وغيرها من المظاهر التي تصاحب كل مرحلة ركود.

ويعتمد الخروج من الركود على قدرة الحكومات وبنوكها المركزية على إعادة تنشيط الاقتصاد بما يتوفر لديها من أدوات السياسة النقدية والمالية. وهناك مخاوف حقيقية حالياً من أن تلك الأدوات ربما غير متوفرة بالقدر الذي يشجع على التفاؤل أو أنها اسنفدت قدرتها على التأثير. والمثال الأوضح هو أن تشديد السياسة النقدية "رفع أسعار الفائدة" لم يفلح حتى الآن في وقف ارتفاع السعار. فليس هناك ما يضمن أن العودة للتيسير النقدي ستؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي والنمو للخروج من الركود.