لا تزال عصابات الأحياء تصنع الحدث في الجزائر بعد عمليات قتل متفرقة، وعدد كبير من سرقات مختلفة، إلى جانب الاتجار واستهلاك المخدرات على أنواعها، الأمر الذي خلق وضعاً غير مستقر استدعى في كثير من الأحيان توعداً شعبياً بالمواجهة وأخذ المبادرة بتأمين الأحياء.
مواجهة عصابات منظمة
وتعمل قوى الأمن على مواجهة عصابات الأحياء التي تضاعف نشاطها في الفترة الأخيرة بشكل بات يهدد الأمن العام وسلامة المجتمع، لا سيما أن سلوكيات عناصرها منحرفة، ما أسهم في تصاعد قياسي لمعدلات الاعتداءات الإجرامية واستخدام الأسلحة البيضاء وكذا تعاطي الممنوعات. وما زاد من المخاوف تحول الظاهرة إلى نشاط منظم يستهدف السيطرة على الأحياء وإغراقها بالمخدرات بكل أنواعها، إذ تتقاسم هذه العصابات في ما بينها المناطق السكنية، بحسب أمنيين، وتعمل على ترويج المخدرات والسرقة.
وبحسب الأهالي، فلكل عصابة منطقها وأسلوب سيطرتها، تتخصص في الاتجار بنوع من المخدرات متفق عليه، فيما تنشط أخرى في مجال السرقات بأنواعها من منازل وسيارات إلخ، وكل ذلك يحدث من دون تداخل في ما بين العصابات، وإن وقع تعد على الاتفاق تندلع معارك بمختلف أنواع الأسلحة البيضاء والعصي والهراوات.
أسباب وأرقام
وأرجعت مصالح الشرطة أغلب أسباب تشكيل هذه العصابات إلى محاولة بسط الهيمنة والنفوذ الإجرامي في ما تعلق بالاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية، إذ تبين أن أغلب المشتبه فيهم شباب من أصحاب السوابق قضائياً، وأشارت إلى أن هذه العصابات أصبحت تخلق جواً من انعدام الأمن والسكينة.
وبلغة الأرقام، سجلت مصالح الأمن 165 قضية تخص مكافحة عصابات الأحياء في الوسط الحضري، تورط فيها 722 شخصاً، تم إيداع 479 منهم الحبس الموقت ووضع 113 آخرين تحت الرقابة القضائية، وفي العاصمة وحدها، تمت معالجة 10 قضايا متعلقة بإجرام العصابات في الأحياء السكنية، أوقفت من خلالها الجهات المعنية أكثر من 110 أشخاص مشتبه فيهم من بينهم رعايا أجانب، إضافة إلى حجز أسلحة بيضاء من مختلف الأنواع والأحجام بما فيها بنادق صيد بحرية، إضافة إلى كميات من المخدرات على اختلاف أنواعها.
ومن أجل مواجهة ناجعة لهذه العصابات، قامت المديرية العامة للأمن بتعزيز المناطق السكنية الكبرى بفرق جديدة متخصصة في مكافحة العصابات الإجرامية، لأجل تدعيم وحدات الشرطة المكلفة مكافحة الجريمة، وقال مصدر أمني على صلة بهذه المتابعة الأمنية، رفض الكشف عن هويته، إنه تم مضاعفة حضور الأمن في الأحياء المشتبه في تردد المنحرفين والمجرمين وأفراد الشبكات الإجرامية عليها، بهدف بسط السكينة وإيقاف المجرمين، مشيراً إلى أن الفرق المعنية تتشكل من عناصر أمنية مؤهلة، وتعمل وفق نظام التناوب لضمان المداومة.
وأضاف أن آلية عمل هذه الفرق تشمل التنسيق الدائم مع نظيرتها المكلفة الاستعلام التي تعكف على توفير المعطيات الخاصة بالأشخاص المطلوبين، والأساليب الإجرامية المستجدة، فضلاً عن دعم باقي فرق الشرطة القضائية المكلفة مكافحة الجريمة وملاحقة تجار الممنوعات.
القتل يمثل 50 في المئة من قضايا الجنايات
وفي السياق، أكد الحقوقي لخلف شريف، أن جرائم القتل أصبحت تمثل قرابة 50 في المئة من قضايا الجنايات، موضحاً أنه قد يضم جدول الدورة الجنائية الواحدة 250 قضية، بينها 140 قضية قتل سواء عمدي أم بالضرب والجرح، وأشار إلى ارتفاع أحكام الإعدام في الآونة الأخيرة ضد القتلة، وباتت تمثل من 15 إلى 30 حكماً أحياناً من أصل 80 ملفاً لجناية قتل، والأسباب فيها تافهة تتعلق أحياناً بركن سيارة، ورجح أن تشهد الأحياء مزيداً من جرائم القتل بسبب الانتقام والأحقاد والغيرة وتصفية الحسابات، من دون تجاهل دور المخدرات والحبوب المهلوسة في ارتكاب تلك الجرائم خصوصاً بين الشباب في الأحياء وداخل الأسر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تنسيق استراتيجيات تعبئة المجتمع
من جانبه، يرى المتخصص في علم الاجتماع علي زروقي، أن العصابات تنشأ في المدن الكبيرة والمتوسطة، وتنتشر في الضواحي والمجتمعات الأصغر، وقد امتد خطرها إلى المؤسسات والمدارس، ليسارع المعنيون لطلب تدخل سريع من قبل الدولية "قبل فوات الأوان"، وقال زروقي إنه بالمقارنة مع المجرمين من غير العصابات، فالمسؤولية عن الإجرام وتجارة المخدرات تقع بنسبة كبيرة على أعضاء العصابات، مرجعاً الأسباب إلى العزلة الاجتماعية والفقر والبطالة، وعدم تنظيم المجتمع لتفسير كثير من مشكلة العصابات والحد منها، على اعتبار أن العصابة هي مجموعة من الشباب العاطلين من العمل أو ذوي الدخل المنخفض، أو الوافدين الجدد الذين يصطدمون مع عقلية مجتمع تلك الأحياء.
ودعا زروقي ممثلي الأحياء والأسرة والمدرسة إلى تنسيق استراتيجيات تعبئة ضمن إطار الرقابة الاجتماعية لقمع العصابات، على اعتبار أن "أسباب ظهورها تتمثل في الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي تشهدها بعض الأحياء وأبرزها الفقر،والمكانة الاجتماعية والتفكك الأسري وبعض العادات السيئة، إضافة إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي وبعض البرامج التلفزيونية في انتشار هذه الظاهرة".
قوانين وتشديد العقوبات ولكن
على الرغم من القوانين الردعية والعقوبات المفروضة، غير أن الظاهرة خلقت جواً مشحوناً في مناطق عدة عرفت حوادث قتل أودت بضحايا معروف عنهم حسن الخلق، كما حدث أخيراً مع أحد أساتذة اللغة الفرنسية، ومنذ يومين مع قاصر، فيما تحول الغضب إلى مواجهة بين العصابات ومواطنين يحاولون الدفاع عن أحيائهم وسكانها.
وسبق للحكومة أن وضعت إطاراً تشريعياً للوقاية من هذه الظاهرة، إذ فرضت عقوبات بالحبس من سنتين إلى 20 سنة ضد عناصر هذه العصابات، وقد تصل إلى السجن المؤبد في حال الوفاة، بعد أن تم تعريف "عصابة أحياء" بأنها "كل مجموعة تحت أية تسمية كانت، مكونة من شخصين أو أكثر، ينتمون إلى حي سكني واحد أو أكثر، تقوم بارتكاب فعل أو أفعال عدة بغرض خلق جو انعدام الأمن في أوساط الأحياء السكنية أو في أي حيز مكاني آخر، أو بغرض فرض السيطرة عليها، من خلال الاعتداء المعنوي أو الجسدي على الغير أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو المساس بممتلكاتهم، مع حمل أو استعمال أسلحة بيضاء ظاهرة أو مخبأة".