Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مناهضة الملكية البريطانية بين احترام الحداد الوطني وحرية التعبير

هل يمكن أن يكون تشارلز الثالث الملك الأخير للعرش الذي كان يحكم ذات يوم مساحة من الأرض لا تغيب عنها الشمس؟

 يقال إن الموت يوحد الناس والآلام تلم شملهم، لكن الحال ليست كذلك دائماً عندما يكون المتوفى شخصية عامة، فما بالكم لو كانت الشخصية بحجم الملكة إليزابيث الثانية التي كانت تحكم 16 دولة. على رغم الاحترام والتقدير والحب التي تتمتع بها الراحلة كشخص، هناك مآخذ كثيرة على المنظومة التي كانت تترأسها، سرعان ما ظهرت إلى السطح بمجرد رحيلها، بعد أيام قليلة من وفاة الملكة وإعلان ابنها الأكبر تشارلز خليفة لها راحت أصوات المناهضين للملكية البريطانية تعلو. 

في حادثتين منفصلتين باسكتلندا اعتقل شخصان مناهضان للملكية أثناء الاحتفالات التي أجريت، يوم الأحد الـ11 من سبتمبر (أيلول)، لإعلان تنصيب الملك البريطاني تشارلز الثالث، بينما احتجزت الشرطة في مدينة أكسفورد رجلاً ثالثاً لفترة وجيزة قبل إطلاق سراحه من عربة الشرطة، وإخباره أن عليه الحضور إلى قسم الشرطة في موعد لاحق بحضور محام.
ويوم الإثنين ألقي القبض على رجل آخر "لصلته بانتهاك السلم في المدينة القديمة في إدنبرة" وفقاً للشرطة الاسكتلندية، لمحاولته مضايقة الموكب الملكي أثناء مروره. 
وفي غضون ذلك، دفعت شرطة العاصمة بعيداً متظاهرة شابة تحمل لافتة كتب عليها "ليس ملكي" من أمام قصر ويستمنستر، حيث كان من المقرر أن يصل الملك لإلقاء خطابه وتلقي تعازي أعضاء مجلس العموم ومجلس اللوردات.
ومع أن الجمهور اعترض على تصرفات المحتجين التي شملت رفع لافتة كتب عليها "اللعنة على الملكية، جمهورية الآن" وصراخ أحد الأشخاص "من الذي انتخبه؟" عند إعلان تولي تشارلز الحكم، إذ اعتبروها تفتقر إلى احترام المناسبة الحزينة التي تعيشها البلاد إلا أن الغالبية لم تؤيد قيام الشرطة بالاعتقالات، معتبرين أن قوات الأمن أساءت استخدام سلطاتها بدعوى الإخلال بالسلم وإثارة القلاقل.

خرق السلم

بموجب القانون الاسكتلندي يمكن اتهام شخص ما بارتكاب جريمة تتعلق بالنظام العام لخرق السلم إذا كان سلوكه غير منظم، ويمكن أن يكون له تأثير سلبي في أولئك الذين يشهدونه مثل الشتائم أو الصراخ.
أما في إنجلترا وويلز فتندرج جرائم السلوك غير المنضبط مثل التهديد أو اللغة المسيئة أوالسلوك أو الإشارات أو العبارات المكتوبة التي من المحتمل أن تتسبب في مضايقة الآخرين أو إقلاقهم أو إزعاجهم تحت البند الخامس من قانون النظام العام، ويمكن أن يعاقب مرتكبها بدفع غرامة.
 
أدت الاحتجاجات إلى انقسام حاد في الآراء، إذ أيد بعض الناس حرية التعبير بينما زعم آخرون أنها تتعامل بازدراء مع الحداد الوطني.  وصف نشطاء حرية التعبير اعتقالات المتظاهرين المناهضين للنظام الملكي بعد وفاة الملكة بأنها "مقلقة للغاية" و"إهانة للديمقراطية"، مع تحذير بعضهم من أن الاعتقالات قد تكون غير قانونية.

اعتراض

في المقابل قالت روث سميث الرئيسة التنفيذية لمنظمة "مؤشر الرقابة" ( Index on Censorship)، المتخصصة بالرقابة على حرية التعبير في العالم، إن الاعتقالات كانت "مقلقة للغاية... الحق الأساسي في حرية التعبير، بما في ذلك الحق في الاحتجاج، هو شيء يجب حمايته بغض النظر عن الظروف. يواصل الناس في جميع أنحاء البلاد وخارجها حزنهم على فقدان الملكة، وهي خسارة شعر بها كثيرون. ومع ذلك يجب أن نحترس من استخدام هذا الحدث عن قصد أو من دون قصد لتقويض حرية التعبير التي يتمتع بها مواطنو هذا البلد بأي شكل من الأشكال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدورها نشرت النائبة عن حزب العمال بيل ريبيرو آدي تغريدة على "تويتر" تقول "يتم اعتقال أشخاص بسبب تعبيرهم عن معارضتهم للسلطة غير المنتخبة والوراثية. لو حدث هذا في روسيا لنددت حكومتنا به على الساحة الدولية، بدلاً من ذلك، فإنها تمضي قدماً في إصدار مزيد من التشريعات للحد من حقنا في الاحتجاج".

لم يعلق المتحدث الرسمي باسم رئيسة الوزراء على الحالات الفردية أو تصرفات الشرطة، لكن موقع "بي بي سي" نقل عنه قوله "بشكل عام، من الواضح أن هذه فترة حداد وطني للغالبية العظمى من البلاد، لكن الحق الأساسي في الاحتجاج يظل حجر الزاوية لديمقراطيتنا".
كل ما ورد هو تصرفات فردية، لكن هناك حراكاً أكثر تنظيماً ويسعى وراء هدف محدد، إذ بدأت أبرز حركة مناهضة للملكية في بريطانيا بتظاهرات في لندن بمجرد إعلان وفاة الملكة، وهو أمر كانت الحركة تخطط للقيام به منذ سنوات.

حركة الجمهورية

تعرف "حركة الجمهورية" على أنها مجموعة مناهضة للملكية تأسست عام 1983، وتناضل من أجل تزعم البلاد من قبل رئيس دولة منتخب وإلغاء النظام الملكي. وأصدرت هذه الحركة عقب وفاة الملكة بياناً قصيراً لتعزية العائلة المالكة، اعترفت فيه بحق الأسرة في الحزن على فقديتها وتعهدت بتجنب إصدار مزيد من التعليقات حول الحدث.
لكن الحركة تحولت من القول إلى الفعل إذ استأنفت نشاطها مباشرة، وعقب وصول تشارلز إلى العرش رسمياً وصفته بأنه زعيم غير ديمقراطي، ودعت جماعة الضغط إلى إجراء نقاش حول مستقبل المؤسسة. 
من جهة ثانية قال الرئيس التنفيذي للمجموعة غراهام سميث "إن ما تفعله المجموعة يعد أمراً منطقياً... سندخل في الأمور الأكثر جدية خلال الفترة المقبلة"، مضيفاً أن "ملايين من الناس" يعترضون على الطريقة التي تولى بها تشارلز عرش بريطانيا من دون نقاش أو موافقة.
وتابع "قد يرث تشارلز العرش، لكنه لن يرث الاحترام والتقدير الممنوحين للملكة... الملكة هي الملكية بالنسبة إلى معظم الناس. بعد وفاتها، يصبح مستقبل المؤسسة الملكية في خطر شديد".
وخلصت دراسة استقصائية، أجراها موقع "يوغوف" في يونيو (حزيران) الماضي إلى أن 62 في المئة من المواطنين البريطانيين يريدون أن تظل بريطانيا ملكية، في حين يؤيد 22 في المئة منهم تولي رئيس منتخب حكم البلاد.
لكن الاستطلاعات تظهر أيضاً أن الدعم يتراجع بين فئة الشباب البريطانيين، ناهيك عن أن الدعم يقل عندما يتعلق الأمر بتشارلز، الذي يحظى بشعبية أقل مقارنة بوالدته، ما يوفر للنشطاء الجمهوريين أكبر فرصة لهم لحشد قواهم.
كما أن الملكة القرينة كاميلا الزوجة الثانية للملك تشارلز لا تزال شخصية مثيرة للانقسام. 
وتعد القصص الشخصية لأفراد الأسرة المالكة في بريطانيا من أهم العوامل لانتقادها، وعلى رأسها علاقة تشارلز المضطربة بزوجته الأولى ديانا التي لم تخف رفضها للقيود التي تفرضها الملكية على أفرادها، إلى جانب الجدل الكبير الذي أثير بسبب تعامل قصر باكنغهام مع رحيل الأميرة ديانا في حادثة سيارة مروعة.

الملك تشارلز

لم يكن تشارلز الابن الوحيد الذي تسبب بالقلاقل في الأسرة، فقد جدد الأمير أندرو الجدل حول شرعية النظام الملكي بعد القضية التي رفعتها سيدة أميركية ضده بدعوى الاعتداء الجنسي عليها عام 2001 حين كانت في الـ17، وتكفل والدته بدفع مبلغ هائل لتغطية التسوية القضائية وتكاليف المحاكمة، بخاصة بين المعترضين على نفقات العائلة التي يتحملها دافعو الضرائب البريطانيون وتجاوزت 100 مليون جنيه إسترليني خلال سنة ما بين عام 2021 ويونيو (حزيران) 2022. 
كما كان لحكاية الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل نصيب في إعادة تقييم ضرورة وجود العائلة المالكة بعد قرارهما التنازل عن لقبيهما ومهماتهما الملكية، والانتقال للعيش "حياة طبيعية" في الولايات المتحدة، إذ وجدا استقبالاً حافلاً وآذاناً تصغي إلى شكواهما من الحياة المريرة بين أسوار القصر.
أما خارج حدود المملكة المتحدة، فقد أحيا رحيل الملكة مشاعر متضاربة، بخاصة في دول الكومنولث إذ عبر بعضهم عن حزنه لوفاتها، لكنه جدد في الوقت نفسه النقاش حول خروج عدد من الدول من تحت مظلة المملكة المتحدة، وإعلانها جمهوريات، ولاسيما أن ما كان يمنع الأمر سابقاً تعلق الشعوب وتقديرها للملكة الراحلة. 
وقالت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن إن حكومتها لن تتخذ أية خطوات لتغيير البلاد إلى جمهورية بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، لكنها أكدت اعتقادها أن نيوزيلندا ستصبح جمهورية في نهاية المطاف، ويحتمل أن يحدث ذلك خلال حياتها. 
وفي أستراليا التي بدأ رئيس وزرائها الحالي أنتوني ألبانيز بالفعل في وضع الأساس لجمهورية أسترالية بعد انتخابه في مايو (أيار)، قال رئيس الحكومة إن الوقت الحالي ليس وقت التغيير بل هو الوقت المناسب لتكريم إليزابيث.
أما في كندا التي بقي مواطنوها مرتبطين بإليزابيث الثانية ملكة لهم حتى النهاية، فقد زادت وفاتها تشنج العلاقة بين النظام الملكي وهذه الدولة المحكومة به وسط قارة تغلب عليها الجمهورية.
وفي تطور آخر أعلن جاستون براون رئيس وزراء دولة أنتيغوا وبربودا الكاريبية، أنه سيدعو إلى إجراء استفتاء على أن تصبح بلاده جمهورية في غضون ثلاث سنوات.
قبل أن يوارى جثمان الملكة إليزابيث الثرى يوم الإثنين المقبل الـ19 من سبتمبر، وفي ظل الدعوات المتزايدة لتحويل البلاد إلى نظام جمهوري، لا يمكن التغافل عن إمكانية أن يكون تشارلز الثالث هو الملك الأخير للعرش البريطاني، فهل سيأفل قريباً التاج الذي كان يحكم ذات يوم مساحة من الأرض لا تغيب عنها الشمس؟
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير