Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بروز ظاهرة "نسف الصداقة" وضرورة التحدث عنها

هل سبق لك أن بنيت بسرعة لافتة صداقة متينة ومؤثرة انتهى بها المطاف إلى الانهيار بالسرعة نفسها؟ إذن ربما تعرضت لـ"نسف الصداقة".

بروز ظاهرة "نسف الصداقة" (غيتي)

عندما التقت لوسي بـآبيغيل، اعتقدت أنها ربحت الجائزة الكبرى في الصداقة. تتذكر قائلة: "لم أقابل شخصاً على الإطلاق جعلني أضحك هكذا. كانت آبي مرحة وقد زارت بلداناً عديدة، وجمعنا كثير من الاهتمامات المشتركة، من الروحانيات إلى المسرح. أغرقتني بالمجاملات، وكنت سعيدة جداً باهتمامها". كانت المرأتان قد خرجتا للتو من علاقتين عاطفيتين طويلتين، وتعملان أيضاً في مجال تكنولوجيا المعلومات، وكانت لوسي أعلى رتبة في العمل من آبي. في غضون أسابيع، راحت المرأتان تحضران الحفلات معاً، وتقضيان عطلات نهاية الأسبوع معاً، حتى أنهما احتفلتا معاً بعيد الميلاد ذات مرة. كانت الأمور تسير على أفضل ما يرام لفترة من الوقت، لكن بعد مرور عام على صداقتهما، شيء ما تغير.

تتذكر لوسي: "بدأت آبي تعاملني بجفاء بشكل تدريجي، كنا نجلس في المقعد الخلفي في سيارة أجرة عندما أخبرتني أنها لن تستطيع الاحتفال بعيد الميلاد معي في ذلك العام، استغربت الأمر لأننا كنا نناقش الاحتفال منذ شهور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد فترة وجيزة، سافرت آبي في رحلة لمدة ثلاثة أسابيع. اعتنت لوسي بكلبها الصغير. تقول، "لقد وضعت منشوراً على فيسبوك على سبيل المزاح تمنيت فيه لو كان بإمكاني الاحتفاظ بالجرو، لا أعتقد أن آبي أدركت أنها مزحة- فقد علقت على المنشور قائلة، "حسناً، إذا كنت متضايقة إلى هذا الحد، يمكنك الاحتفاظ بكلبي". أرسلت لها بريداً إلكترونياً، وقلت إن تعليقي كان مجرد مزحة، لكنها وبختني لأنني عاملتها وكأنها أم لحيوان أليف، عرفت أن هذه كانت بداية النهاية".

عند التفكير في العلاقة ككل، تشعر لوسي أن آبي كانت زائفة منذ البداية. تقول مستشهدة بحوادث وقعت في العمل ساعدت فيها آبي على تطوير نفسها: "أعتقد أنني كنت بالنسبة لها بمثابة أداة ثمينة أكثر من صديقة حقيقية، أشعر وكأنها استغلتني، ثم عندما حصلت على ما تريد، تخلصت مني".

التجارب الشبيهة بتجربة لوسي شائعة. إنها صداقات في واقع الأمر، ومن نواح كثيرة، امتداد للصداقات التي تتكون بين النساء في حمامات أماكن السهر: تكون متينة ومؤثرة وسريعة الزوال. على كل حال، بمجرد خروجهن من الحمامات إلى الحياة الواقعية تصبح الأمور أكثر تعقيداً. أسمي هذه الظاهرة "نسف الصداقة" [فرط عقدها]، وهو نوع محدد من الصداقة التي تتشكل بسرعة غير معتادة، وبعد ذلك– غالباً من دون سابق إنذار– تنتهي بسرعة.

يقول جوش سميث، المستشار في مؤسسة "ريليت" الخيرية المعنية بالعلاقات: "من الطبيعي أن تزدهر بعض الصداقات في البداية، لكن المسافة بين الصديقين تكبر خلال مسار الحياة. غالباً ما يرتبط هذا بالتحولات الحياتية: قد يكون الأصدقاء الذين نكونهم على مقاعد المدرسة أو عندما نكون آباء شباباً أقل انسجاماً معنا حين نتخرج في المدرسة على سبيل المثال أو يكبر أطفالنا".

 

الفرق بين هذا التطور النموذجي للصداقات وظاهرة "نسف الصداقة" هو أن هذه الوتيرة تعكس تلك الموجودة في العلاقات الرومانسية المسيئة.

يوضح سميث: "كما هي الحال مع العلاقات الحميمة، هناك مجال لأن تصبح الصداقات مسيئة"، تماماً كـ"نسف الحب"، وهو شكل من أشكال السلوك المتلاعب حيث "يجتاح" شخص ما شريكه العاطفي بإظهار المودة والانتباه الشديد، فقط لينقلب عليه 180 درجة في وقت لاحق، فيصبح بعيداً وربما قاسياً، تاركاً الضحية تتألم في محاولة معرفة كيفية العودة إلى مرحلة "الاكتساح". يشرح سميث: "يصف الطبيب النفسي الدكتور ديل آرتشر نمط الحب المكتسح بأنه اضطراب يتلخص في ثلاث مراحل: المثالية الشديدة، ثم تقليل قيمة الشريك، ثم التخلص منه".

تشرح أخصائية العلاج النفسي التكاملي تاشا بيلي أن مثل هذه الصداقات يمكن أن تمر "بمرحلة شهر العسل" على غرار تلك التي نشهدها في العلاقات الرومانسية. تقول بيلي: "تكون هذه المرحلة مثيرة ومفعمة بالأمل، حيث نتخيل ما يمكن أن تصبح عليه هذه الصداقة". قد يكون هناك أيضاً شعور بعدم الراحة في الوتيرة التي تسير بها الصداقة. تضيف: "مثال على الصداقة المكتسحة قد يكون عندما يقول صديق جديد (أنا أحبك) أو يغمرنا بالثناء على الرغم من أنه يعرفنا منذ فترة وجيزة لا أكثر، يمكن أن يقودنا هذا إلى الشعور بالضغط لرد الجميل، حتى لو لم يكن شعورنا متبادلاً".

حدث هذا لـميشيل، البالغة من العمر 42 عاماً، التي كونت صداقة قوية مع أم عازبة مثلها تدعى روز، صادفتها أمام مدخل المدرسة في أبردين عام 2018. تقول، "ذهبت لآخذ ابني، أندرو، الذي تعرض للسقوط بشكل سيئ في ذلك اليوم. بدأت تلك المرأة التي لم أقابلها من قبل تسألني عن حاله وكنا منسجمتين تماماً منذ تلك اللحظة".

 

على مدار الـ18 شهراً التالية، أصبحت المرأتان مقربتين بشدة. تتذكر ميشيل: "كانت العلاقة قوية، كانت روز تمتدحني بانتظام، لقد جعلتني أشعر بالرضا عن نفسي حقاً، كنا نقضي الوقت في منزلينا طوال الوقت وكان الأطفال يحبون بعضهم البعض في الفصول الدراسية وخارجها".

بدأت الأمور تتغير عندما شرعت ميشيل في البحث عن منزل جديد. تقول، "شعرت بوجود شيء من الغيرة، كنت أنتقل إلى منزل أكبر بسبب نجاحي في العمل، وأفترض أن روز بدأت تشعر بالاستياء لأنها لم تكن قادرة على الانتقال على رغم رغبتها في ذلك". في النهاية، لم تعد ميشيل تسمع أي شيء عن روز. تقول، "كان الأمر كما لو أنها هجرتني من دون أي مقدمات".

تتذكر امرأة أخرى تدعى إيلي في الـ34 من عمرها، كيف أصبحت قريبة بشدة من ماغي التي كانت تواعد صديق زوجها المقرب. تتذكر إيلي: "بعد أن انفصل عنها، سرعان ما أصبحت تعتمد علي كلياً، لقد واجهت صعوبات في صداقاتي عندما كنت طفلة وليس لدي كثير من الأصدقاء. لذلك، بالنسبة لي كان هذا النوع من الصداقة الحميمة أمراً بالغ الأهمية، لقد اعتبرتنا صديقتين لا يمكن التفريق بينهما وتخيلت أننا سنكون صديقتين حتى عندما نصبح في الـ80 من العمر".

ومع ذلك، بمجرد أن دخلت ماغي في علاقة عاطفية جديدة، توقفت بالتدريج عن الاتصال بـإيلي. تشاجرت الصديقتان مرة واحدة فقط، حيث قالت إيلي بعض الأشياء غير اللطيفة من غير قصد– وكانت تلك هي النهاية. تتذكر إيلي: "لقد صدمت ودمرت تماماً، لقد راسلتها وتجاهلتني، بصرف النظر عن زلة لساني تلك المرة لم أفعل شيئاً سوى التطلع إلى التواصل معها". احتاجت إيلي إلى وقت طويل للتعافي من تفكك الصداقة. تقول، "كنت أستيقظ في الليل من دون أن أتمكن من النوم مجدداً لأنني كنت غاضبة ومنزعجة للغاية".

هناك عدة أسباب تجعل علماء النفس ينصحون بعدم الاندفاع نحو تكوين الصداقات. تقول بيلي: "يمكن أن تكون الصداقة التي تتشكل بقوة على الفور علامة على أنها غير متوازنة وغير متطورة بشكل أصيل. نظراً إلى امتلاك أحد الطرفين سيطرة أكبر على كثافة وحميمية الصداقة، فإن الآخر يبقى معتمداً على إشاراته. في بعض النواحي، يمكن أن يكون نسف الصداقة مؤذياً عاطفياً، حيث يمكن أن تكون أداة للسيطرة ضمن تلك العلاقة. يبدو الأمر كما لو أن الشخص المهجور يمتلك جهاز تحكم عن بعد يحدد قوة الصداقة".

الصداقة السريعة والمتينة قد تكون إشارة إلى علاقة غير متوازنة وغير صحية.

تاشا بايلي، معالجة نفسية تكاملية

الدكتورة ماريسا جي فرانكو، أستاذة بجامعة ماريلاند ومؤلفة كتاب "أفلاطوني: كيف يمكن لفهم نمط التعلق لديك أن يساعدك على تكوين صداقات والحفاظ عليها"، تضيف أنه من خلال تكوين صداقات مع شخص ما بسرعة كبيرة، فإنك تخاطر بإصدار أحكام مبكرة وأن تستثمر كثيراً من الجهد فيهم قبل أن تعرف حتى من هم. تشرح قائلة: "تماماً كما هو الحال في العلاقات الرومانسية، لا يعني الانسجام الفوري دائماً أن الشخص مناسب لنا كصديق".

غالباً ما يربط علماء النفس بين نسف الحب والنرجسية. تشير الدكتورة فرانكو إلى أنه يمكن قول الشيء نفسه عن فرط [عرى] الصداقات، موضحة: "عندما تصبح صديقاً لأحد الأشخاص النرجسيين، فإنهم على الغالب يتمتعون بكاريزما واضحة ويجذبون الناس بسرعة، لكن مع استمرار الصداقة، فإنهم يميلون كثيراً إلى إبعاد الناس عندما يبدأ سلوكهم المتلاعب والأناني بالظهور".

لاحظت لوسي هذا الشيء مع آبي، التي تقول إنها اعتادت التباهي بانجذاب الرجال إليها أو مغازلتهم لها عندما تقضي وقتاً في الخارج. تقول، "لم أول اهتماماً للأمر في البداية، فجميعنا لديه نواقص".

إذا كنت تشعر وكأنك تمر بتجربة نسف الصداقة، تنصح الدكتورة فرانكو بالانسحاب من الصداقة ووضع بعض الحدود الواضحة. قائلة: "كن فطناً ببساطة واسأل نفسك ما إذا كان حقاً شخصاً يمكنك الاعتماد عليه في أوقات الحاجة. هل هذا شخص تشعر أنك تعرفه فعلاً؟ هل لديه علاقات جيدة أخرى في حياته؟ أبطئ إيقاع الصداقة حتى تتمكن من تقييم ما إذا كانت صحية حقاً. فقط لا تكن متردداً".

قد يكون بعض الأشخاص عرضة لنسف الصداقات أكثر من غيرهم، بخاصة أولئك الذين، مثل إيلي، واجهوا صعوبات في تشكيل صداقات كأطفال وما زالوا كذلك في سن الرشد. بالنسبة لهم، فإن جاذبية علاقة نسف الصداقة أمر مفهوم. "إنها طريقة للاستفادة من مكاسب القرب بينما يتجاوز المرء الالتزامات المترتبة عليه، إنها مثل محاولة تناول الكعك كمقبلات وطبق رئيس وتحلية، لكن لا يمكنك حرق المراحل في الصداقة. أنت بحاجة إلى الوقت والاستمرارية والظروف المتنوعة لتكشف ما إذا كان هذا الشخص صديقاً صدوقاً أم لا".

بالنسبة لأولئك الذين عانوا من هذه التجربة، ينصح سميث بطلب الدعم، إما من الأصدقاء أو الاستشارة النفسية. ويضيف، "هذا النوع من السلوك يمكن أن يستغل ويكون سبباً في تدني احترام الذات في آن معاً، وهو أمر يمكن أن يفيد معه العلاج النفسي".

إضافة إلى ذلك، تقترح بيلي النظر إلى الصداقة بموضوعية، وربما تدوين الأشياء التي فعلها الطرف الآخر وجعلتك تشعر بعدم الارتياح. يمكنك أيضاً محاولة مواجهته.

تقول بيلي: "إذا كان قادراً على تحمل المساءلة وأخبارك بسبب ابتعاده، يمكنكما وضع حدود معاً بعناية لضمان عدم حدوث ذلك مرة أخرى. إذا رفض الاعتراف بما حدث أو قام بإنكار تجربتك، فمن المحتمل أن تكون هذه علامة على أن هذا الشخص ليس الصديق الذي تحتاج إليه في حياتك. من المهم بالنسبة لنا أن تكون لدينا صداقات آمنة ويمكن التنبؤ بها في الغالب".

* تم تغيير الأسماء الواردة في المقال.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات