Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إليزابيث قبل الملكية... طفولة غير عادية بمسؤوليات ثقيلة

كانت واعية ومطيعة ومنظمة وحبها للكلاب والخيول لم ينقطع وهكذا جرى تجهيزها لوراثة العرش

الأميرة إليزابيث وهي تسير مع أختها الصغيرة الأميرة مارغريت والمربيات (أ ف ب)

بعد مرور أقل من ساعتين على تسرب الأنباء رسمياً عن اعتلال صحة الملكة إليزابيث الثانية، كنت أقف في باحة المدرسة بانتظار خروج أطفالي عند نهاية اليوم الدراسي. سمعت مجموعة من الأمهات يتحدثن عن الخبر، بعضهن قلقات على وضع جلالتها، لكن القلق الأكبر كان من احتمال دخول البلاد في حداد رسمي وإغلاق المدارس، بالتالي العودة إلى تجربة التعليم المنزلي التي فرضت على الأهالي، والأمهات على وجه الخصوص، لقرابة عامين بسبب وباء كورونا.

التفت إلى المجموعة وقلت للسيدات المجتمعات، لكن هل تعلمون أن الملكة نفسها تلقت تعليمها في المنزل؟ حسناً في قصر، على يد والدتها، ولم تلتحق بأي مؤسسة تعليمية، ولا تمتلك أي مؤهل علمي رسمي على الرغم من معرفتها الواسعة.

تعليم منزلي

في الحقيقة كانت الأميرتان الأختان، إليزابيث ومارغريت، آخر فردين في العائلة المالكة تتلقيان تعليمهما في المنزل بشكل دائم. تعلمت الفتاتان القراءة والكتابة من قبل والدتهما حتى سن السابعة، وأتقنت الأميرة الشابة إليزابيث في ما بعد اللغتين الفرنسية والألمانية.

تلقت الأميرة حينها أيضاً دروساً في التاريخ الدستوري من نائب عميد كلية إيتون، هنري مارتن، إلى جانب حصص الرياضيات والتاريخ والرقص والفن والغناء. ولم يؤثر فيها الافتقار إلى التعليم الرسمي، لأنها بطبيعتها تلجأ إلى التحليل والبحث عن المعرفة بنفسها، فضلاً عن كونها مجتهدة.

كيف كانت تقضي إليزابيث الطفلة وقتها؟

كانت الأميرة إليزابيث، المولودة بعملية قيصرية في فجر يوم الـ21 من أبريل (نيسان) في منزل عادي في شارع بروتون بمنطقة مايفير بلندن، الحفيدة المفضلة لدى أجدادها وواحدة من الأشخاص القلائل في الأسرة الذين لا يخافون من الملك، جورج الخامس، الذي كانت تسميه "جدي إنجلترا".

في أوائل عام 1927 غادر والداها في جولة إلى أستراليا ونيوزيلندا، تاركين إياها في عهدة المربية. وعند عودتهما إلى بريطانيا انتقلت العائلة إلى منزل جديد بالقرب من متنزه هايد بارك الشهير. كان المنزل مؤلفاً من 25 غرفة نوم، ويحتوي على مصعد وقاعة رقص، لكن وفقاً للمعايير الملكية، ترعرعت إليزابيث في منزل عادي بسيط، وكانت تمضي وقتها في الحدائق مع بنات رجال الأعمال والأطباء، وليس الأميرات.

 

في عام 1930 ولدت الأميرة مارغريت، لكن عندما أخذت الفتاتان تكبران أصبح من الواضح أنهما تمتلكان شخصيتين مختلفتين تماماً. ففي حين كانت إليزابيث واعية ومطيعة ومنظمة، إذ لم تستطع الذهاب للنوم من دون تجهيز وإطعام جميع الخيول التي تحت رعايتها والاعتناء بها جيداً، كانت مارغريت مرحة وعنيدة ومولعة بالمقالب، كانت تلقي بلائمة أي أخطاء أو هفوات على صديق من صنع خيالها سمته "ابن العم هاليفاكس".

في أوقات فراغها كانت إليزابيث مغرمة بالكلاب، بخاصة نوع الكورغي الذي عرفت بحبها له والخيول. وأعلنت أنها تريد الزواج من مزارع حتى يكون لديها كثير من "الأبقار والخيول والكلاب".

في عام 1933 عندما كانت إليزابيث في السابعة من عمرها استقبلت الأسرة مربية جديدة هي الآنسة ماريون كروفورد، التي جرى ترشيحها باعتبارها "فتاة ريفية كانت معلمة جيدة، إلا عندما يتعلق الأمر بالرياضيات". كان والد الملكة، دوق يورك حينها، يكره المدرسة بينما اعتقدت والدتها، دوقة يورك، أن قضاء أوقات ممتعة من الأهمية بمكان، مما يعني أنها كانت تطالب بقليل من الدراسة وكثير من ساعات اللعب.

كان نظام الآنسة كروفورد لطيفاً، تلقت إليزابيث دروساً من الساعة 9:30 حتى 11 صباحاً، وخصصت بقية اليوم للألعاب الخارجية والرقص والغناء، مع فترة راحة لمدة ساعة ونصف الساعة.

كل صباح كانت الأميرتان الصغيرتان إليزابيث ومارغريت تقفزان من سريريهما، وتقتحمان غرفة نوم والديهما لإيقاظهما. كان هذا اللقاء اليومي مؤشراً على الأجواء المحببة الخالية من الهموم التي خلقها الأبوان للفتاتين في منزل العائلة. الذي كان المكان الأكثر روعة لنشأة إليزابيث، إلى أن أدى قرار صادم من قبل عمها الملك إدوارد الثامن بالتنازل عن العرش إلى توقف طفولتها السعيدة عندما كانت في العاشرة من عمرها فقط.

في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) تنازل إدوارد الثامن عن العرش ليصبح والدها ملكاً باسم جورج السادس، وتحمل والدتها لقب إليزابيث الملكة الأم. عندما علمت الفتاتان بالخبر في أثناء استعدادهما لدرس السباحة سألت مارغريت أختها "هل هذا يعني أنه عليك أن تكوني الملكة التالية؟" فأجابت إليزابيث "نعم، يوماً ما"، فكان رد مارغريت "كم أنت مسكينة".

حاولت الشابة أن لا تبدي انزعاجها، واعتمدت الأسلوب الذي ستواصل اتباعه طوال حياتها في مواجهة الأزمات والتغييرات، التمسك بالروتين. فتابعت استعدادها لدرس السباحة.

قصر أم سجن؟

انتهت الحياة السعيدة في منزل الأسرة، وانتقلت العائلة إلى قصر باكنغهام، وأصبح والدها ووالدتها، اللذان كانا دائماً حاضرين جداً، منشغلين بالاجتماعات وحفلات الاستقبال والسياسة. تم إرسال الملك السابق الذي بات يعرف الآن بدوق وندسور إلى أوروبا. حضرت إليزابيث حفل تتويج والدها برفقة الملكة ماري.

أصبحت إليزابيث حينها وريثة العرش. تدخلت الجدة الملكة ماري في تعليم الفتاتين، وطلبت أن يجري التركيز أكثر على مادة التاريخ. بدأ تحضير الأميرة لدورها المقبل، وترسيخ هذه الفكرة في ذهنها "تتعزز الملكية من خلال القدرة على التكيف والتركيز على الموضوعات المهمة".

 

كان القصر والحكومة قلقين من حياة العزلة على الأميرة. فحاولت المربية التي كانت تسهم في تعليم الفتاتين أيضاً تشجيع الأنشطة الخارجية، بل وأنشأت ما سمته "فريق مرشدات قصر باكنغهام" للأميرتين الشابتين وبنات أعمامهما، إلى جانب بنات موظفي القصر.

لكن نصب الخيام في حديقة القصر لم يكن بديلاً عن التخييم في الريف، كما كانت تفعل بقية المرشدات. كان الانغلاق والعزلة اللذان عاشتهما الملكة في طفولتها دافعاً لدعمها الحثيث لابن حفيدها الأمير جورج لعيش حياة طبيعية قدر الإمكان.

دور بارز قبل الوصول إلى الحكم

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 قضت إليزابيث وشقيقتها معظم أوقاتهما خارج لندن، في قلعة وندسور. ومن هناك قدمت أولى خطاباتها الإذاعية، وتميز من بينها خطابها الموجه إلى أطفال بريطانيا الذين جرى إجلاؤهم وأسرهم من منازلهم بهدف طمأنتهم. وقد أظهرت الأميرة التي كانت حينها في الرابعة عشرة من عمرها فقط شخصيتها الهادئة والثابتة، قائلة "في النهاية سيكون كل شيء على ما يرام، لأن العناية الإلهية ستتولى أمرنا، وتمنحنا النصر والسلام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدأت إليزابيث بعد ذلك تتحدث في مناسبات عامة عديدة، كان أول ظهور علني لها في أثناء استعراض القوات البريطانية عام 1942، كما بدأت بمرافقة والديها في الزيارات الرسمية التي يقومان بها داخل البلاد.

عام 1945 انضمت إليزابيث إلى الخدمة الإقليمية الاحتياطية للمساعدة في المجهود الحربي، وقد سافرت إلى جانب نساء بريطانيات أخريات لتصبح سائقة خبيرة وميكانيكية.

وعلى الرغم من اقتصار عملها التطوعي على بضعة أشهر فقط فإنه قدم لها لمحة عن العالم خارج أسوار القصر، ومنحها فرصة الحياة غير الملكية. وقامت هي وشقيقتها متخفيتين بالاختلاط بالجماهير في أثناء يوم النصر الذي كان يحتفل به في أرجاء أوروبا.

زوجة وأم قبل العرش

التقت إليزابيث فيليب ماونتباتن ابن الأمير أندرو اليوناني حين كانت في الثالثة عشرة من عمرها، وافتتنت به منذ البداية. بقي الثنائي الذي تربطه صلة قرابة بعيدة على اتصال دام سنوات ليتحول إلى علاقة حب في نهاية المطاف، ويشكلان ثنائياً غير اعتيادي، نظراً إلى هدوء إليزابيث وتحفظها، وصخب وصراحة فيليب. كان والدها متردداً حيال هذا التقارب، إذ إن فيليب على الرغم مما لديه من صلات قربى مع العائلات المالكة في الدنمارك واليونان لم يكن يمتلك ثروة كبيرة، وكان شخصاً فظاً في نظر البعض.

 

تزوجا في عام 1947 عندما كانت بريطانيا تتعافى من ويلات الحرب العالمية الثانية. رزق الزوجان بأول وريث لهما تشارلز عام 1948، وفي عام 1950 ولدت ابنتهما آن.

مسؤولية لم تكن تطمح إليها

توفي الملك جورج السادس في السادس من فبراير (شباط) عام 1952، وتولت إليزابيث مسؤوليات الملك الحاكم. وكانت حين وفاة والدها في رحلة إلى كينيا. أما تتويجها الرسمي فكان في الثاني من يونيو (حزيران) عام 1953. وبث الاحتفال للمرة الأولى على شاشة التلفزيون مما سمح للناس في العالم بمشاهدة هذا الحدث.

كان صعود الملكة إليزابيث إلى العرش أمراً غير متوقع، وهي مفاجأة لم تتجاوزها إلا مدة حكمها التي جعلتها الملكة التي جلست أطول مدة على عرش بلادها.

عادة ما يترافق انتقال السلطة من حاكم إلى آخر بنوع من الترقب والآمال، لكن بريطانيا اليوم تتساءل في وداع الملكة إليزابيث، هل ستعيش البلاد في المرحلة المقبلة السلام نفسه الذي ميز فترة حكم الملكة الطويلة، على الرغم من كل التغيرات الكبيرة التي طرأت خلالها على حياة مواطنيها ونفوذ بلادها ونظرة العالم أجمع تجاه بريطانيا ونظامها الملكي، وهل سيحظى وريثها بالتقدير والحب اللذين كانت تتمتع بهما والدته؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير