Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تدخل في مرحلة "حاسمة" لمواجهة الأزمة الاقتصادية

توقعات بتجاوز التضخم 23 في المئة ومحللون يحذرون مع ارتفاع فواتير الطاقة بشكل "جنوني"

انزلقت المملكة المتحدة نحو ركود وأزمة إنسانية ناجمة عن ارتفاع فواتير الطاقة (أ ف ب)

في أنحاء المملكة المتحدة، تحذر الشركات والأسر من عجزها عن الاستمرار في الشتاء من دون مساعدة الحكومة، ما يضع تحديات ضخمة أمام رئيسة الوزراء الجديدة ليز تراس. وعلى مدى أشهر، عانت المملكة المتحدة من فراغ في القيادة، بينما انزلقت البلاد نحو ركود وأزمة إنسانية ناجمة عن ارتفاع فواتير الطاقة.

ومنذ أعلن رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون أنه سيغادر منصبه في يوليو (تموز)، ضعفت توقعات النمو، وتجاوز معدل التضخم السنوي مستوى 10 في المئة مع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وأجبر الإحباط من ارتفاع تكاليف المعيشة مئات الآلاف من العمال الذين يعملون في الموانئ والقطارات وغرف البريد على الإضراب، وسجل الجنيه البريطاني الشهر الأسوأ له منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، إذ وصل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأميركي في أكثر من عامين.

وقال مارتن ماكتاغ الذي يرأس اتحاد الشركات الصغيرة في المملكة المتحدة، في بيان، "إنها ضربة تلو الأخرى... أخشى ألا أجد أي أخبار جيدة".

ويمكن أن يزداد الوضع سوءاً قبل أن يتحسن، ويتوقع بنك إنجلترا أن يقفز التضخم إلى 13 في المئة مع اشتداد أزمة الطاقة، وتقدر مجموعة "سيتي غروب" أن التضخم في المملكة المتحدة قد يصل إلى ذروته عند 18 في المئة في أوائل عام 2023، بينما يحذر بنك "غولدمان ساكس" من أنه قد يصل إلى مستوى 22 في المئة، إذا ما ظلت أسعار الغاز الطبيعي "مرتفعة عند المستويات الحالية".

في الوقت الحالي، تواجه تراس، التي كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية، دعوات للإعلان عن تدخل سريع لأنها أصبحت رابع زعيمة محافظة في البلاد خلال عقد من الزمان. والمشكلة الأكثر إلحاحاً التي يجب أن تعالجها هي التكلفة المرتفعة للطاقة، التي يمكن أن تطلق موجة من إغلاق الأعمال وتجبر ملايين الأشخاص على الاختيار بين وضع الطعام على المائدة وتدفئة منازلهم هذا الشتاء. وحذر الخبراء من أن المواطنين البريطانيين سيصبحون معدمين وأن الوفيات في الطقس البارد سترتفع ما لم يتم القيام بشيء ما بسرعة.

وفي تصريحات حديثة، قالت تراس إنها ستصدر إعلاناً في شأن "قضية الطاقة الخطيرة" في غضون أسبوع. أضافت أن حزمة اقتصادية أوسع نطاقاً ستتبع في غضون شهر.

وقال جوناثان نيام، الذي يدير شركة "شيبرد نيام"، إن "الجميع يفترض أنه سيكون هناك إعلان سريع وحاسم يضع قضية الأسعار والتضخم على الطاولة الحكومية، أو على الأقل يطمئن الناس... إذا لم يكن هناك خطة أو إعلان، فسوف تتعرض الحكومة لضغط كبير".

كارثة الطاقة واستنزاف دخول الأسر

من المرجح أن ترتفع فواتير الطاقة للأسر بنسبة 80 في المئة إلى متوسط 3549 جنيهاً استرلينياً (4106 دولارات) سنوياً اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويقول المحللون إن سقف أسعار الأسرة قد يرتفع إلى أكثر من خمسة آلاف جنيه استرليني (5785 دولاراً) في يناير (كانون الثاني) ويقفز فوق ستة آلاف جنيه استرليني (6942 دولاراً) في أبريل (نيسان).

ونظراً إلى أن الناس يضطرون إلى إعادة تقييم ميزانياتهم، فإن الطفرة في الاستهلاك التي أعقبت إغلاقات كورونا تتبدد بسرعة، وقد حذر بنك إنجلترا من أن الاقتصاد البريطاني سيسقط في حالة ركود في الأشهر المقبلة.

وقال بن زارانكو، كبير الباحثين الاقتصاديين في معهد الدراسات المالية، إن "التحدي الرئيس الذي يفرضه ارتفاع أسعار الطاقة هو أن الأسر التي تستخدم كثيراً من الطاقة- لا سيما الأسر الفقيرة- ستكافح لتغطية نفقاتها... سيعني ذلك بالفعل تخفيضات كبيرة في مجالات الإنفاق الأخرى". وقال، إن أصحاب الأعمال يشعرون بالذعر، إنهم يحصلون على أرقام مجنونة مقتبسة لفواتير الخدمات العامة للعام المقبل، إذا ما كان بإمكانهم العثور على موردين.

وفي الوقت نفسه، فإنه يمكن أن يؤدي انهيار الجنيه الاسترليني إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية، مما يجعل استيراد الطاقة والسلع الأخرى أكثر تكلفة، ما يؤدي  إلى ارتفاع التضخم وتسجيله مستويات قياسية جديدة خلال الفترة المقبلة.

أزمات متداخلة في الوظائف والتجارة

ليس هذا هو السبب الوحيد لقلق أصحاب الأعمال والمستثمرين بشكل متزايد، في حين انخفضت الوظائف الشاغرة بين مايو (أيار) ويوليو (تموز)، إلا أنها لا تزال أعلى بنسبة 60 في المئة من مستوى ما قبل الوباء، وكان العثور على عمال لملء أدوار مفتوحة تحدياً خاصاً في المملكة المتحدة منذ أن صوتت البلاد لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وكان عدد مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون في المملكة المتحدة في عام 2021 أقل بنحو 317 ألف مواطن مقارنة بعام 2019، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما يؤدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تدافع التجارة، لا سيما مع الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر للمملكة المتحدة. وستنخفض الصادرات والواردات بنحو 15 في المئة على المدى الطويل مما كانت عليه لو بقيت المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، بحسب توقعات مكتب مسؤولية الميزانية.

وقال دين تيرنر، المتخصص في الشأن الاقتصادي البريطاني في "يو بي أس"، إن الأمر متروك لرئيسة الوزراء الجديد لمحاولة تحقيق أقصى استفادة من موقف البلاد من دون التسبب في مزيد من الاضطراب. مع ذلك، لا يزال المشرعون البريطانيون المتشددون يضغطون من أجل التخلي عن جزء رئيس من اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي وقعها جونسون مع الاتحاد الأوروبي، وقد تؤدي في النهاية إلى اندلاع حرب تجارية مع أكبر سوق تصدير في المملكة المتحدة. أضاف، "لقد حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هذا ما هو عليه، لدينا جميعاً آراء خاصة بشأنه، لكن علينا العمل معها لجعلها أفضل بالنسبة إلينا، وأنا أجاهد لمعرفة إذا ما كان هناك أي قوة دافعة للقيام بذلك".

لا توجد حلول سهلة

تعهدت تراس بتحفيز الاقتصاد من خلال خفض الضرائب، لكن يخشى العديد من الاقتصاديين أن يؤدي هذا النهج إلى زيادة التضخم والأضرار بالمالية العامة الهشة، بينما يفشل في وضع الأموال في جيوب من هم في أمس الحاجة إليها.

وقال جوناثان مارشال، كبير الاقتصاديين في مؤسسة "ريزوليوشن"، إن "فوائد خفض الضرائب ستذهب إلى حد كبير إلى الأشخاص الذين يدفعون مزيداً من الضرائب، وهم عموماً الأشخاص الذين لديهم أموال أكثر".

ولا توجد وسيلة للدولة لتجنب دفع مبالغ ضخمة للتعامل مع وضع الطاقة هذا الشتاء، ولكن التدابير المستهدفة ستكون ضرورية لتجنب الهدر، وقد يكلف تجميد أسعار الغاز والكهرباء خلال فصلي الشتاء المقبلين الحكومة أكثر من 100 مليار جنيه استرليني (116 مليار دولار)، وفقاً للباحثين في معهد الحكومة.

وقال مارشال، إن "أسعار الطاقة والغاز في ارتفاع مستمر، ولتجنب تجميد الناس في منازلهم، يجب دفع ثمن ذلك، لكن الدولة لا تحتاج إلى دفع ثمنها للأشخاص الذين يمكنهم تحمل تكاليفها". هناك أيضاً أسئلة عن الكيفية التي ستتحمل بها حكومة تراس تدخلاً اقتصادياً واسع النطاق، خصوصاً إذا ظل خفض الضرائب- بالتالي الإيرادات الحكومية- يمثل الأولوية.

واقترضت حكومة المملكة المتحدة بكثافة لتقديم الدعم خلال عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا. وتشكل ديون البلاد الآن نحو 100 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي. وعندما كانت أسعار الفائدة في أدنى مستوياتها، وكان الوصول إلى النقد رخيصاً، لم تكن هذه مشكلة كبيرة.

لكن هذا تغير، وكان بنك إنجلترا يرفع أسعار الفائدة بقوة في الوقت الذي يحاول فيه كبح جماح التضخم، وهذا سيجعل خدمة ديونها مكلفة شكل متزايد بالنسبة للحكومة، وأصدرت المملكة المتحدة أيضاً عدداً كبيراً من السندات المرتبطة بالتضخم، مما زاد من ضعفها، يقول زارانكو، إنه "مزيج مثالي من التحديات التي تجعل المالية العامة تبدو في خطر بطريقة لم تكن كذلك في الآونة الأخيرة".