Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يتصدرها سعر الجنيه... تحديات جسام أمام "المركزي المصري"

البلاد تخفض إنارة شوارعها وميادينها لزيادة احتياطها من النقد الأجنبي

الإمكانيات المتاحة أمام البنك المركزي المصري لمواجهة الأزمات الاقتصادية محدودة  (أ ف ب)

يواجه القائم بأعمال محافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله مهمة شاقة في وقت يحاول فيه إصلاح اقتصاد تضرر بفعل تقييم العملة بأعلى من قيمتها الحقيقية وارتفاع التضخم واستنزاف معظم ما لدى النظام المصرفي من نقد أجنبي.

واختار الرئيس عبدالفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، عبدالله للمنصب بعد استقالة المحافظ السابق طارق عامر المفاجئة قبل ما يزيد قليلاً على عام من انتهاء فترة ولايته ومدتها أربع سنوات.

وشغل عبدالله منصب العضو المنتدب للبنك العربي الأفريقي الدولي في القاهرة من 2002 إلى 2018، وكان عضواً في مجلس إدارة البنك المركزي وترأس اللجنة الاقتصادية للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك.

وفي 2004، ساعد عبدالله على تمهيد الطريق لسوق العملات بين البنوك في إطار إصلاحات تضمنت أيضاً خفض ضريبة الدخل إلى 20 في المئة وخفض معظم الرسوم الجمركية إلى 20 في المئة.

تراجع العملة

سيتعين على عبدالله الآن بت مسألة خفض قيمة العملة والجدول الزمني لتنفيذ ذلك إذا كان هناك خفض بالفعل.

وقال رجال أعمال إن مساعي عامر لدعم الجنيه المصري تضمنت فرض قيود على رأس المال قوضت الواردات التي ينظر إليها على أنها غير أساسية وقيدت مدخلات الإنتاج للمصانع وأعاقت تحويل الشركات والمسافرين للعملات الأجنبية إلى الخارج.

ويذكر مصرفيون أن العملات الأجنبية اختفت إلى حد كبير في الأشهر القليلة الماضية من سوق المعاملات بين البنوك.

وتوقع هشام عز العرب رئيس مجلس الإدارة السابق للبنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر، الأربعاء الـ24 من أغسطس (آب)، قبل ساعات من تعيينه مستشاراً للقائم بأعمال المحافظ، أن تكون خطوات عبدالله تجاه ضبط قيمة العملة أسرع بكثير، مضيفاً أنه يستبعد خفضاً مفاجئاً كالذي تبناه عامر، وإنما وتيرة أسرع.

أدوات محدودة

وستكون الأدوات المتاحة أمام البنك المركزي محدودة، فالحرب في أوكرانيا التي أحدثت هزات عالمياً، أضعفت الاستثمارات بمحفظة الأوراق المالية والسياحة، كما رفعت كلف استيراد السلع.

وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن العام المنتهي في 30 يونيو (حزيران) شهد خروج نقد أجنبي بأكثر من 35 مليار دولار من البنك المركزي والنظام المصرفي مع تحول صافي الأصول الأجنبية إلى تسجيل سالب 370.1 مليار جنيه مصري من 251.7 مليار جنيه.

واستنزف عجز ميزان المعاملات الجارية 5.79 مليار دولار من الاقتصاد في الربع الأول فقط من 2022.

وتضرر كثيرون من سكان مصر، البالغ عددهم 103 ملايين نسمة، من إجراءات تقشف منذ اتفاق بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في 2016، ويبلغ معدل التضخم السنوي الآن 13.6 في المئة، وهي أسرع وتيرة له منذ مارس (آذار) 2019.

طرق أبواب صندوق النقد الدولي

بدأت مصر محادثات في مارس للحصول على قرض جديد من صندوق النقد، لكن الصندوق قال الشهر الماضي إنه لا يزال ينبغي للقاهرة إحراز "تقدم حاسم" على صعيد الإصلاحات المالية والهيكلية.

وقدمت دول خليجية استثمارات وودائع بعشرات مليارات الدولارات لدعم مصر منذ الحرب الروسية ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) التي أججت موجة تضخم في الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن تقدم تلك الدول مزيداً لمساعدة القاهرة في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الشهر الحالي، أطفأت الحكومة المصرية الأنوار في ميدان التحرير بالقاهرة وأمرت المتاجر والمراكز التجارية بإيقاف أجهزة التكييف لتوفير الغاز الذي يمكن تصديره بالعملة الأجنبية.

وتراجع سعر الجنيه الرسمي إلى نحو 19.15 للدولار من 15.80 في مارس، وعلى الرغم من الحملة على السوق السوداء، قال مصرفيون إن العملة الأميركية تباع بنحو 20 جنيهاً فيها وتتراوح بين 21 و25 جنيهاً بين العملاء الأكبر.

ورأى جيمس سوانستون من "كابيتال إيكونوميكس" أنه ينبغي خفض قيمة الجنيه بنسبة 24 في المئة أخرى، وأضاف "نعتقد أن العملة بحاجة إلى مزيد من الانخفاض وأنها ينبغي أن تتدنى إلى مستوى 25 مقابل الدولار بحلول نهاية 2024. السيناريو المثالي أن يكون هذا خفضاً تدريجياً محكوماً للجنيه لتجنب الخفوض الحادة في قيمة العملة التي يمكن أن تكون أكثر ضرراً".

ويبدو أن خفض قيمة العملة وبيع أصول حكومية من الشروط الأساسية للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتعهدت مصر هذا العام ببيع أصول مملوكة للدولة بـ10 مليارات دولار سنوياً على مدى الأعوام الأربعة المقبلة.

إجراءات إصلاحية قاسية

قال شاب مصري ثلاثيني لوكالة الصحافة الفرنسية طالباً عدم الكشف عن هويته، "أرى أعمدة الإنارة في الشوارع تعمل نهاراً ونحن نعاني ارتفاع أسعار الكهرباء، أولى أن يبحثوا (الحكومة) عمن يسرق الكهرباء ونسدد نحن بدلاً منه".

ويعتبر المحاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة والاقتصادي المصري هاني جنينة أن الحكومة المصرية تحتاج خلال 40 يوماً إلى القيام بـ"إجراءات إصلاحية قاسية نتجرع منها جرعة سريعة في الأمد القصير حتى نتمكن من توفير الدولار"، على رأسها تحرير سعر الصرف بشكل كامل، وأشار إلى أن "المشكلة تكمن في السياسة النقدية بعينها"، قائلاً إن "من الأسباب الكلاسيكية لتعرض بعض الدول الناشئة لأزمات اقتصادية تثبيت سعر الصرف بشكل وهمي".

وأوضح جنينة أن ذلك "يشجع المقترض الحكومي على الاقتراض من الخارج، مما يعرض البلد لمأزق حال طلب السداد"، مضيفاً "منذ الأسبوع الماضي وهناك نقص حاد في توفير الدولار للمستوردين من قبل البنوك بمختلف القطاعات"، واعتبر أن الحل يكمن في "تسريع وتيرة التفاوض مع صندوق النقد".

وكانت مصر حصلت سابقاً على قرض قيمته 12 مليار دولار من الصندوق بموجب اتفاق تم توقيعه نهاية 2016، وقرضين آخرين في 2020 بقيمة 5.4 مليار دولار لتطبيق برنامج اقتصادي و2.8 مليار دولار لمواجهة وباء "كوفيد-19".

اختلاف وجهات النظر

وكتبت شركة "كابيتال إيكونوميكس" للأبحاث في لندن ضمن تقرير أن "طول أمد المحادثات مع صندوق النقد يدل على أن بعض المسؤولين يترددون في متابعة مطالبه ويفضلون الاعتماد على الدعم المقدم من اقتصادات الخليج الغنية بالنفط".

ويرى جنينة أن "اختلاف وجهات النظر داخل الحكومة مبني على سرعة تنفيذ الإجراءات، لكن هناك اتفاقاً على المستهدفات"، مشيراً إلى أن صندوق النقد ربما يطلب تطبيقاً عاجلاً في بعض الملفات مثل الدعم وسعر الصرف، بينما تفضل الحكومة فعل ذلك تدريجاً.

وتفيد بيانات البنك المركزي بأن مصر شهدت خروج 14.6 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، مما يعكس قلق المستثمرين على أثر اندلاع الصراع الروسي الأوكراني.

مع ذلك، أعلنت وزارة التخطيط المصرية الأسبوع الماضي تحقيق معدل نمو اقتصادي للعام المالي 2021/22 نسبته 6.6 في المئة "مدفوعاً بطفرة نمو محققة في الأشهر التسعة الأولى"، قبل أن يبدأ ظهور انعكاسات الحرب الروسية – الأوكرانية، وكانت نسبة النمو بلغت في العام المالي الذي سبقه 3.3 في المئة.

وأعلنت مصر في 2018 تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، خصوصاً بعد دخول حقل ظهر العملاق خريطة الإنتاج، ليصل معدل الإنتاج إلى قرابة سبعة مليارات قدم مكعبة يومياً، لذلك يبدو هذا القطاع واعداً في إطار الجهود لتجاوز الأزمة.

وأوضحت الحكومة في بيانها حول ترشيد استهلاك الكهرباء أن الهدف "تحقيق فائض إضافي متوسطه نحو 15 في المئة من حجم الغاز الطبيعي الذي يضخ لمحطات الكهرباء على مدار العام بغرض تصديره والاستفادة من العملة الصعبة"، وشددت على "تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية" وعلى رأسها ميدان التحرير الذي بلغت كلفة إضاءته أثناء تطويره نحو 60 مليون جنيه (نحو 4 ملايين دولار).

ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي

وتفيد بيانات البنك المركزي المصري بأن قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي ارتفعت إلى 5.6 مليار دولار في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2021 ومارس الماضي، ووقعت القاهرة في يونيو مع إسرائيل والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم تهدف إلى تصدير الغاز إلى أوروبا في محاولة لإيجاد بدائل للطاقة الروسية.

ومقابل التدابير الحكومية للإصلاح، ربما يدفع ضريبة ذلك محدودو الدخل في البلاد، لذلك وجه السيسي في 26 يوليو (تموز) بتطبيق حزمة إجراءات للدعم الاجتماعي، بينها "مساعدات استثنائية لـ9 ملايين أسرة لمدة ستة أشهر مقبلة بكلفة إجمالية نحو مليار جنيه شهرياً (نحو 52 مليون دولار)"، كما ورد في بيان للرئاسة المصرية.

وفي هذا السياق، تساءل محمود الصعيدي بائع الفاكهة المتجول في شوارع محافظة الجيزة عن كيفية التعايش مع الظروف والغلاء في ظل كسبه البسيط، وقال البائع الأربعيني الأب لأربعة أطفال، "أعود إلى قريتي وعائلتي في الصعيد كل 40 أو 50 يوماً من العمل في الجيزة ومعي فقط نحو 600 جنيه (31.3 دولار) متبقية من الربح، ماذا تفعل؟".