Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تدفع تقنية "بلوك تشين" مواقع التواصل إلى "سلة المهملات"؟

لامركزية الـ "ويب 3" ستشكل بيئة مختلفة تمنح الأفراد مزيداً من القوة وتثير مخاوف حول الاستخدام السيئ

مواقع التواصل لن تصمد طويلا أمام بلوك تشين ويب 3 (بيكساباي)

تسير تقنية "بلوك تشين" وتتغلغل في جميع جوانب الحياة على مهل، وبينما ترسم عالماً جديداً مختلفاً ميزته الأساس اللامركزية، فإن أحداً لا يستطيع الآن حسم ماذا ستطال هذه اللامركزية، فبعد أن ظنها بعضهم فقاعة في مجال العملات الرقمية، فرضت ذاتها وأصبح لها أسواقها وعملات لا تعد ولا تحصى.

لكن هذه اللامركزية ليست محدودة بالعملات، فالـ"ويب 3" آخذ في الزحف وقد نفاجأ كل يوم بخطواته الجذرية.

الويب 1و2 و3

ولتعريف "ويب 3" فمن الممكن القول إنه الجيل الثالث من الويب الذي يحمل مفهوم اللامركزية لشبكة الإنترنت، فبعد أن كان الجيل الأول يحمل بين ذراعيه كماً كبيراً من المعلومات من مواقع إلكترونية من دون ميزة التفاعل إلا من خلال بعض المحركات المعدودة وغرف الدردشة المحدودة وببطء شديد، حمل الجيل الثاني للويب ميزة تدفق وتبادل المعلومات بسرعة كبيرة وانتشرت مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر كل جيل ثورة بحد ذاته.

هذه الحقبة تميزت أيضاً بسيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على المضمون، فلكل موقع أحكام وخصوصية، ومن يتجاوزها يقع عليه الحظر أو يفقد متابعيه، حتى إن بعض هذه المواقع اتهمت بانتهاك خصوصية المستخدم ببيع معلوماته وتحركاته لجهات أمنية وإعلانية وسواها، ولا أحد ينسى كيف وقف مارك زوكربيرغ أمام القضاء الأميركي لهذه الغاية.

المهم الآن عصر آخر يدخله العالم منذ أعوام قليلة، وبدا الجيل الثالث كمنقذ من تحكم الشركات الكبيرة التي تتاجر ببيانات الناس ليصبح المستهلك مع الجيل الثالث المتحكم الوحيد ببياناته.

وعلى الرغم من أن فكرة اللامركزية بدأت تظهر منذ إنشاء عملة "بيتكوين" عام 2009 ومعها "بلوك تشين" أو سلسلة الكتل للتخزين الرقمي التي تتميز بلامركزية وشفافية، حيث كل عقد ذكي لا يمكن محوه أو التلاعب به، وما رافقها لاحقاً من عملات رقمية ومحفظات مشفرة، إلا أننا لم نلمس تأثيرها الكبير على لامركزية مواقع التواصل الاجتماعي.

مواقع التواصل اللامركزية

في مقالة كتبها رائد الأعمال في العملات المشفرة داريوس مختار زاده على موقع "كوينتلغراف" يتساءل فيها إن كان "فيسبوك" و"تويتر" سيكونان قريباً في لائحة "عفا عليه الزمن"، إذ تهيمن شركات الـ "ويب 2" على مشهد الوسائط الاجتماعية، حيث تجمع الشركات البيانات من مليارات المستخدمين وتحصل على عائدات بمليارات الدولارات من المحتوى الذي ينشئه المستخدمون.

ويقول إنه من المرجح في المستقبل القريب أن تنهي وسائل التواصل الاجتماعي اللامركزية هذا النموذج القديم من خلال إعادة القوة المستخدمين، حيث لا يكون "المستخدمون تحت رحمة رؤساء الشركات الذين يطالبون بالامتثال لسياسات النظام الأساس الخاصة بهم، وإذا فشل المستخدمون في الامتثال فقد يفقدون المتابعين والمحتوى الذي أمضوا سنوات في بنائه خلال ثوان معدودة". ويعطي مثلاً بأنه شغل العالم عندما حظر تويتر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ويعتبر مختار زاده أن جمال "ويب 3" يتجلى في عدم تمكن رؤساء الشركات من إملاء من يسمح له باستخدام منصاتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويسمي هذه المنصات بـ "الحدائق المسورة"، حيث لا حرية لنقل المتابعين من تطبيق إلى آخر لأنهم مرتبطون بالمنصات الفردية وليس بالمستخدم المتابع حتى لو كانت المنصتان مملوكتين من الشركة ذاتها كما في حال "فيسبوك" و"إنستغرام"، معتبراً أن الـ "ويب 3" سيكون بيئة مختلفة تمنح الأفراد مزيداً من القوة، ليس فقط على المحتوى الخاص بهم ولكن أيضاً على متابعيهم.

ولقد تنبهت بعض المنصات فأطلقت وسائط تشمل "بروتوكولاً" Lens مصمماً لاستضافة تطبيقات الوسائط الاجتماعية اللامركزية، وبالفعل أصبح عدد منها موجوداً مثل Lens Tube" " ويشبه "يوتيوب" لامركزي و"Iris" ويشبه "تويتر" لامركزي، ويمكن للمستخدمين استخدام رمز غير قابل للاستبدال (NFT) لربط محتواهم ومتابعيهم مباشرة بمحفظة للعملات المشفرة، فإذا نشر أحد المستخدمين شيئاً ما فستتم مشاركته تلقائياً عبر جميع المنصات التي يستخدمها، ولأن متابعيهم مرتبطون عبر المنصات فسيكون العدد نفسه من المتابعين على كل منصة، وإذا ظهرت منصة جديدة فلن يضطر المستخدمون إلى بناء جمهورهم مرة أخرى، كأن الحساب مرتبط مباشرة بالإنترنت وليس بمنصة محددة.

وهكذا يصبح تحقيق الدخل مباشرة من متابعي المستخدم من دون أية منصة وسيطة، ويرى مختار زاده أن ذلك سيحفز المستخدمين على نشر محتوى أفضل، وأن صانعي المحتوى الكبار سينتقلون إليها ويجلبون جماهيرهم معهم.

ويختم بأن تقنية "بلوك تشين" توفر "مساحة وسائط اجتماعية تكافئ المستخدمين وليس المنصات، وهي أفضل من أي مساحة حلمنا بها في الماضي".

"ميتافيرس" والواقع الافتراضي

من جهته يقول الاختصاصي في البرمجيات جلال الشاعر لـ "اندبندنت عربية" إننا "لا نزال في بداية ثورة الـ ’ويب 3‘ والتغيرات التي يمكن أن تحدثها مفتوحة على كل الاحتمالات، وعلى مستوى التواصل فمن المؤكد أن تقنية ’ميتافيرس‘ مع VR Virtual Reality"   الواقع الافتراضي والأدوات التي يعمل عليها لتحقيقه تحتاج إلى سنوات حتى تصبح جاهزة، مثل نقل حركة جسم الإنسان وحركات وجهه ويديه واللمس الإلكتروني من بعد مما يحقق ما يشبه التواصل الفعلي، وهو مزج بين التواصل الجسدي المباشر مع إضافة تقنية البعد، وسيكون غنياً بكل التفاعلات المباشرة، وهذا التغيير النوعي سيظهر على شكل التواصل، وبالتالي وسائل التواصل ستحمل هذه التقنية، و’فيسبوك‘ أكبر دليل على هذا التغيير، ويظهر ذلك من خلال تغيير الاسم إلى ’ميتا‘ للذهاب بهذا الاتجاه".

ويضيف الشاعر أن "بلوك تشين" أو "ويب 3" أساسه اللامركزية، أي لا جهة يمكنها السيطرة على المعلومات أو توجيهها، "فنحن نواجه موضوع الرقابة في مواقع التواصل عبر الأنظمة الخاصة بها فتضع حدوداً للحرية، بحيث إذا حاول أحدهم خرقها تتعرض منشوراته للإزالة وأحياناً يحظر حسابه".

ويتابع، "ستكون قفزة كبيرة على صعيد الحرية، أما الجانب السلبي فقد يتجلى في إساءة استخدام تلك الحرية كما أسيء استخدام الذرّة، وحتى سكين المطبخ يمكن استخدامه بطريقة خيرة أو شريرة ومثله المحتوى المسيئ للمسيرة البشرية معرفياً وخلقياً سيكون كذلك غير قابل للضبط، وبالتالي سيكون سلاحاً ذا حدين، وأتصور أنه سيكون هناك مزيج من الحرية والتحرر أقله على الصعيد الفكري والسياسي، وأن تكون هناك حماية على مستوى خلقي معين كي لا تؤدي إلى خراب المسيرة البشرية".

ويؤكد الشاعر أن "ويب 3" سيحمل ثورة على مستوى التكنولوجيا عامة ليس فقط على مواقع التواصل، فالمعلومات الطبية والتبادلات المالية والقانونية ستستفيد من هذه التقنية على أكمل وجه. ويشير إلى أن البنى التحتية للمنصات ستكون على تقنية "بلوك تشين"، وما يقدم على مستوى الشكل للمستخدم قد لا يختلف كثيراً، لكن القيود لن تكون موجودة.

صناعة المحتوى

وفي سياق متصل تجد صانعة المحتوى التعليمي عن العملات الرقمية والموظفة في "يوتيوب"Policy specialist  ملاك زين الدين التي تعمل في الولايات المتحدة الأميركية، أن الاقتصاد المبني على صناعة المحتوى ما زالت حدوده تبنى على "ويب 3"، بما يقدمه على مستوى الخصوصية والشفافية والداتا وحقوق الملكية والمتابعين الزائفين والتي ستكون شبه مستحيلة على "ويب 3". وتقول لـ "اندبندنت عربية" إن الأهم معرفة من هو المالك الحقيقي للمعلومات واستفادته منها.

والـ "ويب 3" تكنولوجيا تطبق في صناعة المحتوى وأمور أخرى كثيرة من بينها augmented reality الواقع المعزز و "ميتافيرس" وmachine learning أو التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي، وستكون خطوة مهولة للتقدم العلمي، بحسب زين الدين.

وتشير إلى أن المنصات الآن تعطي نسبة للمستخدم بحسب عدد المتابعين تصل في أقصاها إلى 50 في المئة، وتضيف "سيأتي الـ ’ويب 3‘ بحيث لا يكون بين المستخدم وجمهوره أي وسيط، فالربح كله يعود إليه، فإذا قررت صناعة نشرة إخبارية عن الاقتصاد ونشرها على منصة ’باتريون‘ على سبيل المثال، ففي الـ "ويب 2" عليّ الاشتراك ودفع رسم شهري لتصل إلى الجمهور شهرياً، بينما في ’ويب 3‘ بدل الاشتراك يمكن الاستثمار في المشروع المبني على أساس النشرة الإخبارية ويمكن أن يكون م ن طريق ’Token‘ أو ’NFT‘ وهي التي تعكس قيمة النشرة".

وفي غياب الوسيط تجد زين الدين أن الأمور ستتجه لتكون أكثر تنظيماً، "إذ تحفظ الـ ’داتا‘ بطريقة لامركزية لا يمكن لأحد تغييرها، وسيكون التلاعب بها شبه مستحيل".

وتقول زين الدين إنها لا تملك السلطة على الفيديوهات التي تصنعها على "تيك توك"، ويستطيع أي مستخدم أخذ الفيديو وخلق حساب آخر مثل اسمها، ومهما قامت بالتبليغ فلا تأتي بنتيجة، وتستدرك "أما في عالم ’بلوك تشين تكنولوجي‘ فإذا كنت مالك الفيديوهات فيمكن إثبات الأمر بشكل سهل".

وتعطي مثلاً بسيطاً بأنه "إذا وضعت صورتك بحسابك على ’إنستغرام‘ وأخذها شخص ما ووضعها على حسابه، فمهما بلغت عنه لا ينفع الأمر، بينما على ’بلوك تشين‘ يمكن إثبات أنك صاحب الصورة لأنها تكون مثبتة بعقد ذكي على المحفظة الرقمية".

ومثال آخر "إذا كنت ’فلوغر‘ سياحياً وصورت صورة معينة وأخذها أحدهم ونشرها واستحصل على ’لايكات‘ كثيرة فسيدفع له الموقع من دون أي حصة للمصور الأصلي، أما في الـ ’ويب 3‘  فتبقى حقوقه محفوظة من خلال Royal fees بحيث إذا أعيد نشر الصورة، فإن صاحبها يحصل دائماً على جزء من المال، وهذا يحمي صانع المحتوى إذا باع فيديو مثلاً بـ 1000 دولار، ومن اشتراه منه باعه بـ 30 ألف دولار، وطالما يباع فسيظل لصاحب الفيديو الأصلي أرباح يجنيها".

وفي النهاية يبقى التساؤل أي عالم سيدخلنا الـ "ويب 3"؟ هل سيكون فوضوياً أم حراً؟ وهل سيخلق ما يتلاعب بشفافيته؟ وما هي العيوب التي ستعتريه؟

المزيد من علوم