Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحافة في موريتانيا عقود من البحث عن الذات

ظهرت في مطلع الستينيات والمستقلة منها دخلت البلاد خلال التسعينيات والتكنولوجيا نالت من الورقية

تعاني الصحافة في موريتانيا تحت وطأة الدعم المالي للقطاع   (اندبندنت عربية)

تزامن ظهور الصحافة الموريتانية مع استقلال البلاد مطلع ستينيات القرن الماضي، وعرف الموريتاني للمرة الأولى كلمة الصحافة من خلال صفحات جريدة "موريتانيا" التي واكبت نشأة الدولة ذلك الوافد الذي سيرافقهم في حلهم وترحالهم حتى يومنا هذا.

ذاكرة الدولة الحديثة

يعتبر رواد الصحافة الموريتانية أن هذه الصناعة شكلت أداة لتوصيل الخطاب الرسمي الحكومي. ويرى أحمد الشيخ أحد مؤسسي الصحافة المستقلة، "أن الصحافة منذ نشأتها ظلت صوت السلطة الوحيد في المشهد، وهو ما جعل الموريتانيين يتعطشون للرأي الآخر، المستقل الذي وفرته المستقلة منها في مطلع التسعينيات".

وظلت الإذاعة محط اهتمام الجمهور المستهدف، الذي يعيش أكثر من نصفه في الأرياف والبوادي بعيداً من المدن الكبيرة، بينما كانت الصحافة المكتوبة هي لسان حال الحكومة، الذي توفره في المكاتب الرسمية ومرافق الدولة المختلفة.

عصر الصحافة الذهبي

تنسم الموريتانيون هواء الديمقراطية نسبياً بعد دستور 1991 الذي كرس لها، واستثمر الصحافيون اللحظة المواتية فظهرت الصحافة المستقلة في البلد الذي يتلمس خطاه الأولى في الحياة التعددية التي لم يعهدها منذ أمد بسبب الأحكام العسكرية التي تعاقبت على حكم البلد منذ انقلاب 1978 الذي ألغى الحياة المدنية.

في هذا الفترة ظهرت صحف موريتانيا "الغد" و"الخيار" و"البيان"، وانتعشت أعمدة الرأي وبريد القراء، وأصبحت سجالات السياسة تتصدر عناوين الصحف الموريتانية.

ويرى محمد عبدالرحمن الزوين، المدير الناشر لأول صحيفة يومية تصدر في موريتانيا، "أن العصر الذهبي لصاحبة الجلالة بدأ بالفعل مع تنوع العناوين التي أصبح بإمكان الموريتانيين أن يطالعوها من خلال صحفهم" .

ويتابع الزوين الذي أبصرت يوميته النور في منتصف عام 2003، "أن تسارع ثورة الاتصال وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي جعلا الصحافة الورقية تكافح من أجل البقاء".

محاولات الإصلاح

في عام 2006 سنت الحكومة الموريتانية قانوناً حول الصحافة وحرية التعبير، كان حينها مطلباً جماهيرياً من الفاعلين في المجال الصحافي والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونص القانون أنه من شروط ممارسة المهنة أن "يكون الصحافي حاصلاً على دبلوم في المجال، أو شهادة دراسات عليا مع تجربة مهنية لا تقل عن سنتين في إحدى وسائل الإعلام العمومية أو الخصوصية المكتوبة أو السمعية البصرية، أو يكون لديه شهادة متوسطة مع تجربة لا تقل عن 5 سنوات في هيئة إعلامية عمومية أو خصوصية، وأن يتمثل نشاطه الأساس الذي يتقاضى منه راتباً في معالجة ونشر الأخبار".

ويعتبر رئيس رابطة الصحافيين الموريتانيين موسى بهلي، "أن تمييع الحقل الصحافي أدى إلى ضبابية المشهد، فمن يملك البطاقة الصحافية ليس بالضرورة أن يكون كذلك بمعايير القانون الذي ينظم المهنة".

وداعاً للقنوات الخاصة

استبشر الموريتانيون مطلع 2012 بإعطاء رخص عمل لقنوات تلفزيونية وإذاعية خاصة، وبالفعل تعدد المشهد الإعلامي وتنوع، حيث أصبح البلد الذي لا يتعدى عدد سكانه 4 ملايين تعج سماواته المفتوحة بخمس قنوات خاصة ونفس العدد من الإذاعات الحرة.

إلا أن الفرحة لم تطل، فأغلب المؤسسات الإعلامية الجديدة منحت تراخيصها لرجال أعمال مقربين من النظام الحاكم آنذاك، وبحسب الصحافي الموريتاني الشيخ أحمد، "فإن رجال الأعمال الذين يملكون هذه القنوات لا يعرفون الاستثمار في الإعلام ولا يؤمنون به، وقد دخلوا التجربة من باب المصالح". وبالفعل تعثرت أغلب المشاريع الإعلامية الجديدة وانسحب أكثرها، والبقية تابعة للإذاعة الرسمية الحكومية.

فوضى في كل مكان

يطرح سؤال من الصحافي في موريتانيا؟ مادة دسمة تغذي الجدل بين من يحق له امتلاك الصفة ومن ليس كذلك، وعلى الرغم من كثرة القوانين التي تنظم المجال فإن الفوضى هي السمة الغالبة في المشهد عموماً.

 

ويرى رئيس رابطة الصحافيين الموريتانيين موسى بهلي، أن "تغاضي الدولة عن فوضوية منح التراخيص التي بموجبها يستطيع أي شخص أن يمنح إذناً بمزاولة المهنة، فيكفيه فقط أن يضع إشعاراً لدى السلطات الموريتانية بأنه أصبح يعمل في موقع أو منصة صحافية، ويزاحم بذلك الصحافيين الحقيقيين في المؤتمرات". ويخلص إلى أنه "لا وجود للصحافة في موريتانيا، ما لم تضبط الهوية الصحافية وتفعل القوانين المنظمة لذلك".

تحديات الإشهار

يرى المتابعون للشأن الإعلامي في موريتانيا أن مشكلات الصحافة في موريتانيا بنيوية، فعدم استقلالية الصحافي في رأيه في الغالب يضفي على المشهد مسحة كاريكاتيرية.

فالمؤسسات التي لا تتبنى رأي الدولة قد تواجه بالحرمان من سوق الإعلان أكبر رافد لاستمراريتها، وقد حدثت عدة وقائع في العشرية الماضية أثناء حكم الرئيس السابق ولد عبدالعزيز.

كما أن ضعف المعلنين أسهم في انكماش العائدات المالية للمؤسسات الصحافية. وينعدم سوق الإشهار في موريتانيا، إذا ما استثنينا إعلانات شركات الاتصال التي تفرض شروطاً قاسية على المعايير المهنية، كما أن الدولة تعتبر معلناً ثابتاً في الإعلانات من تعميمات وحملات توعية حول الأمراض والتوجهات العامة لسياساتها، ولهذا أيضاً معاييره.

وبحسب العميد موسى بهلي، "فإن سلطة الإشهار المعنية بتنظيم الإشارات في موريتانيا توشك مأموريتها الأولى على الانتهاء من دون أن تتقدم خطوة في مجال تنظيم وتوزيع الإشارات بين القنوات والمواقع والمنصات، على الرغم من أن القانون يفرض اقتطاع نسبة من أي عقد اتفاق ذي صبغة إعلامية".

احتضار الصحف الورقية

حاولت الدولة الموريتانية إنعاش الصحافة المستقلة بتولي جزء من تكاليف الطباعة، حيث أصبح صندوق دعم الصحافة الذي تموله الحكومة الموريتانية منذ عقد من الزمن يقوم بهذه المهمة، إلا أن العصر لم يعد عصر الصحيفة الورقية، بحسب أحمد الشيخ، المدير الناشر لصحيفة "القلم" العريقة، "حيث قضت تكنولوجيا العصر عليها".

وشيئاً فشيئاً انسحبت الصحافة الورقية من المجال العام، حيث تضافرت عوامل عدة طاردة لها، كما أن سرعة العصر لم يترك لها مجالاً للبقاء. في عام 2021 لم تواظب صحيفة يومية على الصدور أكثر من 63 مرة طيلة العام، بينما اكتفت صحف أخرى بالصدور 20 مرة طوال السنة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات