ألن يكون مضحكاً إذا قام بوريس جونسون أو جيريمي هانت، بعد أشهر من المعاناة، بإحياء صفقة تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي؟ أعني، نعم، إنها مأساة وطنية، لكنها تحمل بين طياتها بعض السخرية.
وثمة إجماع على أن الأمر الوحيد الذي قد يضمن لبريطانيا اتفاقاً جديداً وأفضل هو تهديد حقيقي بالخروج من دون اتفاق. فبوريس جونسون، شأن جيريمي هانت يريدان ذلك. ولكن هل يستطيعان فعل ذلك؟
لا، يؤكد توبياس إيلوود. قد يوحي اسمه وكأنه شخصية قادمة من مسلسل بولدارك، لكنه في الحقيقة نائب من المحافظين (أحد أكثرهم رزانة) ومساعداً في وزارة الدفاع. يقول إيلوود إن حوالى 12 من زملائه مستعدون لإسقاط الحكومة "الجديدة" في تصويت مبكر لحجب الثقة عنها من أجل إجبار إدارة جونسون أو هانت على استبعاد أي خروج من دون صفقة. وكان إيلوود دعم في المراحل الأولى من انتخابات زعامة الحزب المحافظ، روري ستيوارت؛ لذلك يمكننا أن نخمّن من يكون وراء التهديد. وهما يعنيان ذلك.
يؤكد ذلك ببساطة ما كنا نعرفه منذ مدة طويلة وهو أن مجلس العموم لن يقرّ خروجاً من دون صفقة وسيجد طريقة ما للحؤول دون ذلك قد تشمل أو ترقى لطلب حجب الثقة. ومثل هذا الطلب يحظى بتأييد جناح من النواب المحافظين المتمردين الأذكياء والمنضبطين جداً. ولم تصوّت آنا سوبري (قبل انشقاقها) ودومينيك غرييف ضد حكومتهما، أو لم تلوّحا علناً بفعل ذلك. ولكن كلمات إيلوود صعّدت الموقف في ذلك الجانب من مجلس العموم. وقد يُلقي كبار النواب مثل فيليب هاموند بثقلهم في دعم هذا التوجه.
في مقابلة على برنامج توداي بدت نبرة هانت موالية للبقاء في الاتحاد، وأقرّ بأن البرلمان سيرفض مجدداً الخروج من دون اتفاق وأن إبرام اتفاق جديد سيتطلب الكثير من الوقت. وهذا عدول عن موقفه المتشدّد الذي كان يتبنّاه منذ أسبوع تقريباً. ومفاد هذا الموقف المتشدّد أنه إذا ما خيّر بين الخروج من دون اتفاق أو عدم الخروج بحلول 31 أكتوبر (تشرين الأول)، فسيختار الخروج من دون اتفاق.
وباعتبار أن رئيس الوزراء سينتخب في 23 يوليو(تموز) تقريباً، وتصادق الملكة على توليه المنصب أثناء انصراف مجلس العموم في عطلته الطويلة في 25 يوليو، فإن أول فرصة واقعية للتحرك لاستبعاد الخروج من دون اتفاق ستتاح بُعَيْد رجوع أعضاء البرلمان بقليل إلى العمل في 3 سبتمبر(أيلول) بعد أخذهم قسطاً وافراً من الراحة والاستجمام على شاطئ البحر. (أعرف أن ذلك طريقة سخيفة لإدارة البلاد، لكن حين يُخيَّرون بين لا اتفاق، أو لا بريكست، أو لا عطلة، فإنه يمكنكم تقدير أي وجهة سيولون لها وجوههم -أي إلى توسكانا، أو جزر الأزور، أو الباهاماس...).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طبعاً، قد تعتبر حكومة يترأسها جونسون (إذا افترضنا أنها ستضمّ أنذالاً) تهديدات المتمرّدين أنها مجرد خدعة كاذبة، فتخسر تصويت حجب الثقة. لكن ذلك لن يعني بالضرورة إجراء انتخابات جديدة، لأن قانون البرلمانات المحددة الأجل الصادر في 2011 ينص على ضرورة توافر أغلبية الثلثين في مجلس العموم لإجراء انتخابات عامة. وبالتالي سيكون جونسون مجبراً على مناشدة حزب العمال تسهيل إجراء تصويت، على نحو ما اضطرت تيريزا ماي إليه في 2017. ونظراً إلى أن انتخابات جديدة قد تؤدي إلى تدمير الحزبين معاً، فإن حزب العمال قد لا يكون متعاوناً. أما جيريمي كوربين فربما سيصرّ، عوضَ ذلك، على السماح بتشكيل حكومة أقلية. فهل يريد بوريس جونسون أن يصبح زعيماً للمعارضة وهو في منصب رئيس للوزراء يواجه جيريمي كوربين؟ أو هل يرغب في الدعوة إلى انتخابات والخضوع لنزوات نايجل فاراج؟
إننا نستعجل الأمور. فإعلان إيلوود، شأن الردع النووي، يعني أنه لن يُستعمل أبداً. وعليه، لن يكون هناك خروجٌ خشنٌ.
بالطبع ذلك لا يعني أن بريكست قد انتهى، بل فقط أنه من دون اتفاق لن يحدث. غير أنه ما زال بالإمكان إنجاز بريكست أكثر نعومة بالخروج باتفاق وفق شروط متفق عليها مع الاتحاد الأوروبي.
بصورة ضمنية، يوافق جونسون على ذلك. ففي آخر عمود له في صحيفة "تيليغراف"، يعلن جونسون أننا "على بعد ما يزيد قليلاً على أربعة أشهر من التاريخ القانوني الذي بموجب القانون يجب علينا مغادرة الاتحاد الأوروبي؛ وهذه المرة لن نفوّت العملية... سنخرج من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر ونحن قادرون ويجب علينا الخروج وسنخرج".
وهذا تصريحٌ مثير. لكن ما من إشارة إلى أيّ نوع من بريكست. لا إشارة إلى خروج من دون اتفاق ولا تفاصيل كالعادة.
لحسن الحظ، أُنجز عملٌ مفصلٌ حول الاتفاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي من طرف شخص يسمى تيريزا ماي. هذا العمل هو اتفاق الانسحاب، وهو إعلان سياسي ورسائل إضافية حول جبل طارق وحول الطبيعة المؤقتة للحدود مع إيرلندا. فالاتحاد الأوروبي أنجز كل شيء ونفض عنه الغبار ووقّعه.
ولكن جونسون رفض مشروع الاتفاق ووصفه "بالميت،" قائلاً إنه سيجعل من بريطانيا دولة "تابعة" وتعهّد "بتفصيله"، لكن اتفاق ماي هو كل ما قد يملكه في سبتمبر. سيكون جونسون، وهو يتذرّع بتقييد البرلمان يديه، مرغماً على الرجوع إلى مجلس العموم بنسخة مكرّرة من اتفاق ماي. وربما تشمل النسخة هذه التزامات إضافية في الإعلان السياسي، وربما مدة انتقالية أطول وفريق عمل مشتركاً بين إيرلندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي مكلفاً بمسألة الحدود. من الناحية الشكلية، سنغادر الاتحاد الأوروبي وربما حتى بحلول 31 أكتوبر إذا كانت مطالب جونسون ثانوية وتافهة.
ونظراً إلى مواقفه المضطربة المؤيدة لبريكست، قد يكون جونسون ممتناً في سرّه لعذر ما يسوّغ التخلي عن بريكست من دون اتفاق. وفي لحظة يأس، وكخيار بين اتفاق ماي/جونسون وبريكست من دون اتفاق على الإطلاق، يُرجح أن يصوّت اليوم أعضاء البرلمان لصالح صفقته إذ سيستفيد من دعم 26 نائباً عمالياً تتزعمهم كارولاين فلينت (وهذا على حدّ قولها)، وهو العدد الذي سيحتاجه جونسون للحصول على أغلبية في مجلس العموم لتمرير "الاتفاق الجديد" المزعوم. وإذا لم تسر الأمور على هذا المنوال، الخيار الوحيد المتبقي هو عرض جونسون مقترحه مباشرةً على الشعب في استفتاء ثان.
في الواقع، الطريقة الوحيدة التي ستوصلنا إلى الخروج من دون اتفاق هي إذا فرضه الرئيس ماكرون بالاعتراض على أيّ تمديدات إضافية للعملية التي يقرّها الفصل 50. أنا متأكد من أنه سيرغب في طرد المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لكن لا أعتقد أن الألمان والهولنديين والأيرلنديين سيدعونه يفعل ذاك. وما هو مرجّح أكثر هو أن الاتحاد الأوروبي هو الذي سيمنح التمديد المقبل والحتمي لبريكست بشرط إجراء عملية ديموقراطية جديدة لحل المسألة مع المملكة المتحدة، أي إجراء انتخابات أو استفتاء جديد.
وهذا قد يكون مآل الأمور. فاتفاق ماي قد يتحوّل إلى اتفاق بوريس، ويتعيّن علينا جميعاً إجراء استفتاء حوله لأن الاتحاد الأوروبي يصرّ على ذلك. وسواء فاز أو خسر، فإن بوريس سيتشبّث برئاسة الوزراء، وآنذاك لن يكون هناك خروجٌ "خشن".
مرحباً بكم في دولة بوريس جونسون المستتبعة التي تدور في فلك الاتحاد الأوروبي.
© The Independent