Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مهارات الوباء" تغزو السير الذاتية في زمن الجائحة

كورونا أضاف خانات لم تطرأ على البال وقدراً غير مسبوق من الشهادات الـ"أونلاين"

طاول التغيير كل كبيرة وصغيرة من جميع مناحي الحياة بعد جائحة كورونا (أ ف ب)

طاول التغيير كل كبيرة وصغيرة من جميع مناحي الحياة بعد جائحة كورونا وألقت السلبيات والمشكلات والمعضلات المهنية والنفسية والاقتصادية بظلال وخيمة على الكل، لكن الخبرات والمهارات التي اكتسبت ولا تزال على مدار عامين من عمر الوباء تتسم بالإيجابية.

الخبرات المكتسبة على صعيد العمل تحت ضغط الوباء، سواء مرضاً أو ممارسة في ظل الإغلاق، أو بحثاً عن بديل بسبب الأزمات الاقتصادية ونسب التسريح المرتفعة، بدأ ينعكس في السير الذاتية التي يجري تحديثها.

حديث المجتمعات المهنية طيلة العامين الماضيين لم يخل من تبادل خبرات ونصائح حول أفضل السبل الممكنة للتعايش والتعامل مع العمل، أو فقدانه، تحت وطأة الوباء وإجراءاته.

سكان الأرض تعلموا كثيراً

الوباء المفاجئ وإجراءاته من إغلاق وتضييق وتحول جانب كبير من الأعمال إلى "أونلاين" وخسارة عدد من الوظائف علمت سكان الأرض كثيراً، مما بدأ ينعكس إضافات وشهادات وخبرات لم تكن موجودة من قبل في السير الذاتية.

مئات الملايين من البشر في أرجاء المعمورة وجدوا أنفسهم بين فيروس وضحى إعلانه وباء أسرى العمل من البيت. ملايين أخرى فقدت عملها كلية. قليلون منهم نجحوا في العثور على بديل، ولو موقت، أثناء الفترة الأصعب في تاريخ البشرية الحديث.

لكن معظم من فقدوا وظائفهم يجرون تعديلات على سيرهم الذاتية المعروفة بـ"سي في"، أملاً بالعثور على وظيفة بديلة، وحتى أولئك الذين احتفظوا بوظائفهم في زمن كورونا تمكنوا من وضع إضافات إلى سيرهم الذاتية استعداداً لخطوة مهنية مقبلة.

القبول بفكرة العمل عن بعد لم يكن اختياراً، بل كان ميزة كبرى أنقذت ملايين الموظفين وأماكن العمل من خطر الشلل التام أثناء أشهر الإغلاق، وعلى الرغم من أن بعض أماكن العمل لجأت إلى تخفيض رواتب الموظفين، فإن الدوام عن بعد أو "أونلاين" أضاف خانات إلى ملكاتهم لم تطرأ على البال.

 

وبدلاً من جملة "قادر على إدارة فريق أو العمل ضمن فريق والتواؤم مع عدد كبير من الأشخاص طيلة ساعات العمل مع الاحتفاظ بصفائي الذهني"، أصبحت جملة "قادر على إدارة فريق عن بعد" أو "العمل أونلاين مع الاحتفاظ بصحتي العقلية" هي الأكثر شهرة في خانة المهارات.

كما باتت تتبعها سلسلة من الصفات التي يتباهى بها الباحثون عن عمل مثل التعامل الجيد مع مشاعر الوحدة وعدم التفاعل مع البشر لفترات طويلة وتنظيم الوقت بحيث لا تتداخل أعمال المنزل مع متطلبات العمل والقدرة على العمل من أي مكان، سواء كان غرفة السفرة أو المطبخ.

وكذلك التفنن في تصغير وتقليص حاجات العمل بشكل مذهل، والفصل بين أيام العمل وعطلة نهاية الأسبوع، على الرغم من الوجود في المكان ذاته والقائمة طويلة.

مهارات كثيرة

قائمة المهارات التي اكتسبها كثر أثناء عامي الوباء والإغلاق والتي عرفت طريقها إلى السير الذاتية طويلة وكبيرة.

موقع "بيدج بيرسونال" المتخصص في خدمات التوظيف بعدد من الدول الأوروبية ومقره بريطانيا، رصد عدداً من المهارات التي نتجت من فترة الوباء، ويتوقع أن يكون لها باع كبير في سوق العمل المستقبلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أبرز هذه المهارات، القدرة على التواصل عن بعد بفاعلية، وذلك في ضوء عدد مرات لقاءات واجتماعات العمل عبر تطبيقات مثل "زووم" و"سكايب" التي حتماً صقلت قدرات ومهارات المشاركين وجعلتهم أكثر كفاءة في التواصل عن بعد. هذه المهارة لا تتعلق فقط بالجوانب التقنية، لكن بالقدرة على بناء علاقة افتراضية جيدة وناشطة.

الموقع رصد أيضاً مهارة ثنائية تسللت إلى السير الذاتية بفضل الوباء وهي المرونة مع الصبر، فالعمل مع آخرين والجميع رازح تحت ضغوط القلق والتوتر والتغيرات السريعة وغير المتوقعة يجعل البعض يكتسب المرونة وقدراً أوفر من الصبر في التعامل مع الأفراد والمواقف.

كما تزخر السير الذاتية حالياً بمهارة إدارة الوقت مع الانضباط، فالعمل من البيت يتطلب قدرة فائقة في التحكم بالوقت والحيلولة دون تداخل المهمات والمسؤوليات.

تعاطف وتراحم

خلفت جائحة كورونا قدراً أوفر من التعاطف والتراحم، وهي مشاعر تولدت لدى البعض نتيجة مرور الجميع بضائقة جماعية في الوقت ذاته وتراوح القدرات البشرية في التعامل معها، لا سيما أولئك الذين أصيبوا أو فقدوا عزيزاً نتيجة الفيروس.

سير ذاتية عدة باتت تحوي "التعاطف والتراحم" باعتبارهما مهارتين تم اكتسابهما ويعدان ميزتين إضافيتين في تعامل الموظفين مع بعضهم البعض ولو كان عن بعد.

مهارة أخرى وثيقة الصلة بالتعاطف والتراحم هي الذكاء العاطفي الذي تعلمه البعض في أثناء فترة العمل عن بعد. وأشار موقع "بيدج بيرسونال" إلى أنه أصبح مهارة حيوية في الوظائف القيادية، لكن الذكاء الاجتماعي المكتسب أثناء العمل تحت ضغط الوباء تطلب القدرة على أن يضع الموظف أو المدير نفسه مكان الآخرين قبل أن يصدر عليهم أحكاماً، أو ليعيد صياغة متطلبات العمل.

متطلبات العمل في الشركات الكبرى أثناء الوباء سلطت الضوء على مهارة جديدة، وهي ما يعرف بـ"ريادة الأعمال الداخلية" (Intrapreneurship)، التي تعتمد على أخذ زمام المبادرة والميل إلى الابتكار في داخل المؤسسة لصالح العمل ككل وليس ضمن مشروع شخصي، وهي تختلف عن "ريادة الأعمال" (Entrepreneurship) التي تعني مبادرة الشخص ليبتكر مشروعاً أو مجال عمل لنفسه بنفسه.

براعة تقنية

المثير كذلك في تحديثات السير الذاتية هو "البراعة التقنية" التي بات كثيرون يتصفون بها، بمن في ذلك الأشخاص الذين لطالما قاوموا الرقمنة والاعتماد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة في العمل، فقد أدى التحول إلى العمل عن بعد إلى اكتساب البعض قدرات ومعلومات خاصة بالأجهزة والتطبيقات التي يمكن استخدامها من البيت لإدارة شؤون العمل، وهي القدرات التي ستبقى في عصر ما بعد الوباء.

عصر ما بعد الوباء وسيره الذاتية حافلة بقدر غير مسبوق من الشهادات التي حصل عليها الموظفون والموظفات "أونلاين"، فمنظومة التعلم المستمر رسخت أقدامها بشكل تنضح به السير الذاتية.

وهناك نماذج عدة لموظفين حصل الواحد منهم على عشرات الشهادات التي تفيد بخضوعه لدورات تدريبية وتعليمية في آلاف التخصصات والمواضيع، بعضها يتعلق بمجال عمله، وبعضها الآخر وثيق الصلة بمواضيع يهواها أو يحبها وجزء ثالث عبارة عن ملء وقت الفراغ.

فراغ الوظائف بالبطالة

فراغ من نوع آخر لن يؤتي آثاراً جانبية إيجابية في السير الذاتية بالمنطقة العربية. "لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" (إسكوا) كانت توقعت خسائر فادحة في الوظائف العربية بسبب الوباء.

قدرت "إسكوا" أن تخسر المنطقة ما يزيد على 1.7 مليون وظيفة في العام الأول من الوباء وحده مع ارتفاع معدلات البطالة، مضافة إليهما آثار الأزمة المالية العالمية عام 2008.

كانت هذه التوقعات قبل الأزمة الاقتصادية الطاحنة الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا. ويرجح أن تكون الآثار الناجمة عن تأزم الأوضاع عالمياً شديدة على سوق العمل ومستقبلها في دول عربية عدة.

ويضاف إلى ذلك اتساع رقعة قطاعات العمل غير الرسمية في الدول العربية التي تمثل ما يزيد على نصف حجم الاقتصاد ببعض الدول، ومعظم هذه الفئات تنخرط في أعمال لا تستوجب سيراً ذاتية، فالعمل بنظام اليومية أو في أعمال موسمية لا تتطلب اكتساب مهارات تتعلق بإدارة الوقت أو التعاطف أو تراكم الشهادات.

 

وعلى الرغم من ذلك، فإن قطاعات عريضة من الموظفين العرب تعتزم البحث عن وظيفة جديدة العام المقبل، وهي القطاعات التي ستتقدم بسير ذاتية تحوي كثيراً من المهارات المكتسبة في زمن الوباء.

وبحسب نتائج استطلاع عنوانه "آمال ومخاوف الموظفين لعام 2022" أجرته شركة "بي دبليو سي – الشرق الأوسط" وأعلنت نتائجه قبل أيام، فإن 30 في المئة من الموظفين العرب الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم يعتزمون البحث عن وظيفة جديدة العام المقبل مقارنة بـ19 في المئة متوسط النسبة العالمية. ويعني ذلك توقع حراك كبير في مجال الوظائف مصحوباً بتغيرات جذرية في محتوى السير الذاتية.

وأظهرت نتائج الاستطلاع أن الأولويات التي حددها الموظفون العرب الذين ينوون البحث عن وظيفة أخرى تراوحت بين الشفافية والمرونة والصحة النفسية في العمل وتحسين المهارات.

والمثير هو أن نحو 43 في المئة المنتمين إلى جيل "زد" (مواليد منتصف التسعينيات إلى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية) يفضلون العمل عن بعد بدوام كامل أو نصف الوقت، و15 في المئة فقط يفضلون أن يذهبوا بأنفسهم إلى العمل.

التوجه الواضح لدى الموظفين، لا سيما الشباب، للعمل عن بعد يعني أن السير الذاتية التي ستتواتر على بريد مسؤولي الموارد البشرية الإلكتروني ستحوي كثيراً من مهارات العمل عن بعد، ومعها قدر وافر من الشهادات المتراكمة طيلة فترة إغلاقات كورونا مع أولوية الراحة النفسية.

أما الملايين العاملة نهاراً جهاراً، لكن سراً من حيث التوثيق والرصد، وذلك في قطاعات الاقتصاد غير الرسمي، فالتحولات التي طرأت عليهم في زمن الوباء وبعده في ظل حرب روسيا في أوكرانيا ستظل حبيسة حكاياتهم الشخصية ورواياتهم غير المعلنة.

المزيد من تحقيقات ومطولات