Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نحاتون من العالم يحولون الرخام التونسي قطعا فنية

الملتقى العربي والدولي الأول بين استلهام التراث والبحث عن أشكال جديدة

من أجواء الملتقى الدولي للنحت في تونس (الخدمة الإعلامية)

تحولت الساحة الخلفية لـ"مدينة الثقافة" في تونس العاصمة إلى ورشة عمل كبيرة، اجتمع في فضائها عدد من النحاتين العرب والأجانب يحفرون بالأزاميل حيناً وبالآلات الكهربائية حيناً آخر كتل الرخام، ويحولونها إلى منحوتات جميلة، تتباين أشكالها وطرائق صقلها.

اختار كل نحات مكانه داخل هذه الورشة ومضى على رغم حرارة الطقس المرتفعة، يطوع الرخام على صلابته إلى رغباته وأشواقه، ويحمله بعض المعاني والدلالات.

لم تكن هذه الورشة مغلقة، بل ارتأى القائمون على الملتقى فتحها أمام الجمهور حتى يواكب كل فعالياتها، ويشاهد مختلف المراحل التي تمر بها "كتلة الرخام "، قبل أن تتحول إلى عمل فني، وكانت الدعوة موجهة إلى الأطفال على وجه الخصوص إلى الحضور، ومتابعة أعمال النحاتين من أجل الاستفادة من طرائق النحت وأساليب الصقل.

الاحتفاء بالرخام المنحوت

 

الرخام كما هو معروف من الحجارة التي تمتلك شفافية تجعلها قريبة من جلد الإنسان، وهذا ما يعطيه عمقاً بصرياً واضحاً، ويجعله مادة صالحة للتصوير، بخاصة تصوير الأشكال الإنسانية. لكن الجانب "الشفيف" من هذه الحجارة وظفه النحاتون المعاصرون في أغراض أخرى، كما يتضح من خلال هذه الورشة الكبيرة، فالرخام هنا بات كاللوحة في الفن الحديث، حمال أشكال وألوان، جماليته تكمن في تناغم أشكاله وتوافق ألوانه، لا في ما يومئ إليه من معان ودلالات.

وسط العاصمة التونسية، وداخل مدينة ثقافتها يقام "الملتقى الأول الدولي للنحت على الرخام" وضم 18 نحاتاً، عشرة من تونس وثمانية من الجزائر وفلسطين ومصر والعراق والسودان واليابان وألمانيا، تداعوا جميعاً ليحتفوا بما يخفيه الرخام من أشكال وألوان وربما أصوات. وهذا الملتقى يندرج ضمن الاستعدادات التي تقوم بها تونس لاحتضان ندوة طوكيو للتنمية في أفريقيا "TICAD08" التي ستعقد في الـ27 والـ28 من أغسطس (آب) الحالي، وهذه الندوة العالمية تهدف إلى التنمية في إفريقيا وبناء مجتمعات أكثر استقراراً وقدرة على الصمود، وقد واكب انعقادها أنشطة ثقافية من ضمنها هذا الملتقى.

اختار القائمون على هذا الملتقى نوعاً مخصوصاً من الرخام وهو الرخام الرمادي المستقدم من الوسط التونسي، الذي يتميز بقوته وصلابته وبجمال ألوانه وتعددها.

انطلق النحاتون في العمل بعد مراسم الافتتاح، بعضهم وضع أنموذجاً أمامه يهتدي به، وبعضهم الآخر باشر النحت من دون وسيط، وفي كل الأحوال كما قال لي أحد النحاتين، "نحن لا نفرض على المادة شكلاً من الخارج نسلطه عليها، كلا... ففي النحت ينبغي أن نتيح للمادة أن تعبر عن ذاتها وتقول نفسها". لكن على رغم هذا الاستقلال النسبي ظلت المنحوتة تقول الثقافة التي صدرت عنها، ولعل قيمة الملتقى تكمن في الحوار الذي ينعقد بين مختلف الثقافات التي جمعتها الورشة على تباعدها واختلافها. يقول عبدالعزيز كريد النحات التونسي الذي يعتبر النحت بيتاً تركن إليه كل الفنون، "إن هذا الملتقى فرصة للتلاقح بين مختلف المدارس والثقافات، فالنحت يتغذى ككل الفنون الأخرى من الحوارالذي يعقده مع كل الأزمنة والأمكنة"، ويعد هذا النحات من أكبر النحاتين في تونس وقد أنجز أعمالاً مهمة، لعل أشهرها نصب شهداء السيجومي مع النحات عمر بن محمود، وهو النصب الذي يرمز إلى مقاومة الشعب التونسي للاستعمار الفرنسي.

 

ظروف العمل كانت صعبة لارتفاع درجة الحرارة من ناحية، ولطبيعة النحت على الرخام من ناحية ثانية، الذي استدعى وضع كمامات لاتقاء غبار الرخام وارتداء ثياب واقية. واختتم الملتقى بمعرض ضم كل الأعمال التى أنجزها النحاتون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أعمال لافتة كبيرة الحجم ذات طابع تجريدي في أكثر الأحيان، وإن أفاد بعضها من الفن الإسلامي ومنمنماته. وتميزت المنحوتات العربية على وجه الخصوص باستلهامها التراث واستدعاء الأشكال القديمة، بينما تميزت المنحوتات الأجنبية بإيغالها في التجريد والترميز. وقد أعلن المسؤولون بهذه المناسبة أن هذه المنحوتات لن تبقى أسيرة المتاحف والأماكن المغلقة، وإنما ستتوزع في عدد من المدن الداخلية لتزين الشوارع والميادين العامة، فربما ساهم ذلك في تفاعل الجمهور التونسي مع الفن الحديث الذي يستدعي تربية فنية جديدة غير التي تربت عليها الأجيال السابقة. ونوهت وزيرة الثقافة التونسية بهذا المعرض "الذي منح الرخام حساً وعاطفة، وجعله قادراً على الحوار والكلام"، وأشارت إلى أنه من المعارض التي استقبلها الجمهور والفنانون بحفاوة كبيرة.

والجدير ذكره أن اللجنة الفنية تلقت 60 ملفاً للمشاركة في هذا المعرض من مختلف البلدان، فاكتفت بالاحتفاظ بـ18 ملفاً حظيت بموافقة أعضائها، ويؤكد الإقبال على هذا الملتقى الاهتمام المتصاعد بهذا الفن الذي ظل إلى عهد قريب لا يحظى بالمكانة التي يستحق ضمن بقية الفنون، ولهذا ما فتئ النحات عبدالعزيز كريد يردد أن لهذا الملتقى "طعماً آخر" ومختلفاً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة