Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الملابس المستعملة حلم بالثراء في تونس

الطبقة المتوسطة التي تنهار وتتآكل تراجعت قدرتها الشرائية مع ارتفاع الأسعار

تطور تجارة الملابس المستعملة يظهر مستوى الاحتياج الاجتماعي الذي تعيشه الطبقات الفقيرة في تونس (اندبندنت عربية)

بعد أن كانت الملابس المستعملة مقصداً للفقراء في أسواق مخصصة لها في المدن التونسية أو في الأسواق الأسبوعية، حيث تنتصب البسطات صيفاً وشتاء تبيع الملابس والأحذية ولعب الأطفال بأسعار زهيدة تكفي احتياجات العائلات الفقيرة، إلا أن الحال تغيّرت في البلاد، وتحول بيع الملابس المستعملة إلى محلات في الأحياء المتوسطة الحال والراقية وبعيداً عن أساليب البيع القديمة الفوضوية ليحل مكانها البيع كما في المحلات الكبرى، وبأسعار لم يعتد عليها من يقتنون حاجياتهم منها، وارتفعت الأسعار بعد أن كانت تحسب القطعة الواحدة بالدنانير إلى العشرات لا بل المئات.

ملابس الأغنياء

وصارت للملابس المستعملة أسواق يتردد عليها ميسورو الحال والطبقات المتوسطة على أمل شراء منتجات لعلامات عالمية مشهورة وأسعارها خيالية بالنسبة إليهم وغير متوفرة في الأسواق.

وفي أحد أحياء تونس الراقية تتجاور محلات عدة تبيع الملابس المستعملة من النوعية الجيدة، وأشهر الماركات العالمية، وتقول صاحبة أحد المحلات ريم بن محمد إنها بعد أن أجبرت على ترك عملها في شركة كبرى، وهي المتحصلة على ماجستير في المحاسبة، اختارت دخول مغامرة جديدة في تجارة الملابس المستعملة، ووسط المحل الذي تعرض فيه نوعيات وملابس مختلفة وأحذية، تقول ريم إنها تتعامل مع شركات قانونية تقوم باستيراد هذه الملابس والأحذية والإكسسوارات النسائية، ولهذه الشركات معامل تقوم بفرزها بحسب نوعيتها وتبيعها للتجار تبعاً لجودتها، ونحن نشتري كثيراً من البضائع غير المستعملة أو قليلة الاستعمال، التي تلقى رواجاً كبيراً لدى الشباب وبخاصة طالبات الجامعة أو الخريجات الجديدات اللواتي لا تسمح ظروفهنّ المادية بشراء الملابس الفاخرة من المحلات والمراكز التجارية الكبرى.

وتعتبر ريم أن الإقبال على شراء هذه الملابس ينم عن فهم للموضة، وهي مخصصة للعمل أو الأفراح، وغيرها من المناسبات، والأسعار لا تقارن بالملابس المستعملة في الأسواق الشعبية، وتتراوح بين 50 ديناراً (نحو 18 دولاراً)، إلى ما يزيد على 300 دينار (نحو 107 دولارات)، وهي أسعار مرتفعة مقارنة بالأسعار في الأسواق الشعبية.

ظاهرة اجتماعية

التحول الذي تشهده سوق الملابس المستعملة باتجاه الأغنياء وميسوري الحال فسره محمد جويلي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، قائلاً إن الملابس المستعملة ما زالت مخصصة للفقراء، وفيها مستويات متنوعة، سوق للفقراء، وأخرى للطبقة الوسطى، وأيضاً محلات خاصة بالطبقات الميسورة، واليوم هناك فكرة جديدة تتمثل في إعادة تدوير هذه الملابس وفرزها بحسب النوعية، التي توجه لمن لا يرتضون شراء الملابس المستعملة الرخيصة السيئة النوعية.

استعادة المكانة الاجتماعية

أضاف جويلي أن الطبقة المتوسطة التي تنهار وتتآكل، على الرغم من أنها من أصحاب الكفاءات العلمية والوظيفية الجيدة، لكن قدرتها الشرائية تراجعت مع ارتفاع الأسعار، وضعف دخلها جعلها من زبائن سوق الملابس المستعملة الفاخرة لمحاولة تعويض تراجع مكانتها التي اهتزت في المجتمع، ما خلق لديها الرغبة في الظهور عبر ملابس من الماركات العالمية، مؤكداً أن لديها حب الظهور وسط مجتمع استهلاكي تجد نفسها فيه عاجزة عن مجاراته، وهذه الأسواق تخلق معادلة بين الاستهلاك وضعف القدرة الشرائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الرضا

وسط إحدى الأسواق الشعبية حيث تكدست الملابس والأحذية وبضائع مستعملة، تقف فاتن المحفوظي، وهي أم لبنتين، تبحث في أكوام الملابس عما يمكن أن يناسب بناتها، وتقول إن الفقراء لهم الله و"الفريب"، أي سوق الملابس المستعملة، لستر أنفسهم في ظل الغلاء الذي نعيش فيه، وتضيف أن الأسعار هنا بسيطة، وأنها تأتي، كل أسبوع، إلى هذه السوق لتدبر ما يمكن أن يساعد في سد احتياجات ملابس العائلة وكثير من احتياجات المنزل.

فرصة لا تعاد

في السوق نفسها، يقف التاجر أحمد شوبان ينادي "فرصة لا تعاد" لتشجيع من ينتشرون أمام البسطات التي تفترش مساحات واسعة من السوق للإقبال على البضائع المعروضة، معترفاً بأن أعداداً كبيرة من الناس تزور الأسواق الأسبوعية والإقبال كبير على الملابس والأحذية بشكل خاص، والشباب أيضاً من أهم الزبائن، ومنهم كثيرون من طلاب الجامعات الذين يجدون ملابس جيدة بأسعار معقولة جداً.

الهم الاقتصادي للعائلات

الناشطة في المجتمع المدني سحر بوجلبان قالت إن تطور تجارة الملابس المستعملة التي تصل سنوياً إلى ما يقارب 300 مليون دينار (ما يعادل 107 ملايين دولار)، وتستوردها شركات قانونية، يظهر مستوى الاحتياج الاجتماعي الذي تعيشه الطبقات الفقيرة في تونس، واعتبرت أن الملابس والأحذية وكثيراً من تجهيزات المنازل وألعاب الأطفال التي يتم بيعها، تسهم في إعانة العائلات التونسية وكثير من الأجانب المقيمين وبخاصة من الدول الأفريقية، في توفير نفقات تسهم في سداد احتياجات أساسية أخرى، وأن هذه التجارة صارت واحدة من المواضيع المعروفة وغير المسكوت عنها وتعطي صورة لواقع الحال.

اقرأ المزيد