Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مغامرة روائية جديدة لسلمان رشدي تعيده إلى الهند متمردا

"مدينة النصر" تصدر في 2023 وتجمع بين الفانتازيا والنقد السياسي

سلمان رشدي يعود إلى الهند في روايته الجديدة (إنديا ميديا)

بعد محاولة اغتيال الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي، التي قدر لها أن تبوء بالفشل، اشتعلت وسائل التواصل والمواقع والصحف في العالم بالحديث عن فتوى قديمة للخميني بإهدار دمه، رداً على تجديفه في روايته الرابعة "آيات شيطانية"، على الرغم من رحيل صاحب الفتوى وانقضاء أجلها. ولكن يبدو أن الشاب اللبناني – الأميركي هادي مطر، أعاد إحياء هذا الأجل، هو الذي ولد بعد الفتوى الخمينية، وقرر الإنتقام.

مخاطر العودة إلى الهند 

قبل عام تقريباً، تحدث رشدي في مقابلة أجريت معه عن روايته الجديدة بعد 10 أعوام من انشغاله في كتابة روايات تدور معظم أحداثها في أميركا، معتقداً أن "الوقت قد حان للعودة إلى الهند". وفي 9 أغسطس (آب) 2022، أي قبل الحادثة بأيام، نشر غلافاً يحمل عنوان الرواية "مدينة النصر" على صفحته الرسمية، بعد أن أدرجتها "دار بنغوين راندوم"، ضمن إصداراتها في فبراير (شباط) 2023 باللغة الإنجليزية، على أن تتبعها الترجمة الألمانية في أبريل (نيسان) من العام ذاته عن "دار بنغوين فيرلاغ". فهل نحن أمام رواية أخرى ستتسبب في إهدار دمه من جديد؟ وقبل كل هذا، كيف طاوعه قلمه الذي سلبه حريته، من السقوط مرة أخرى في بئر السبع؟

 

في "مدينة النصر"، يعود رشدي بالزمن إلى القرن الرابع عشر، متتبعاً قصة الفتاة اليتيمة بامبا كامبانا البالغة من العمر تسع سنوات، في أعقاب معركة بين مملكتين منسيتين منذ زمن طويل في جنوب الهند. وبمنطق الاصطفاء، تختار الربة بافارتي التي تعني في اللغة السنسكريتية "بنت الجبل"، وتمثل في الديانة الهندوسية الحب الأمومي والإخلاص، هذه الفتاة لتقوم بمهمة خاصة جداً قد تغير مسار الماضي وربما الحاضر والمستقبل معاً. لكن القيام بتلك المهمة يتطلب أن تستخدم بارفاتي جسد الصغيرة وعاء لها، لتمنحه قدرات تتجاوز بشريته المحدودة إلى ألوهيتها المطلقة، فيصبح بوسعها التحدث إلى العالم من خلال فمها، أو بمعنى أدق، إيصال رسالة بعينها إلى العالم. ترى، أين خبأت بافارتي رسالتها، وما مضمونها العاجل؟

مدينة العجائب

ورد فى التعريف بالرواية أن: "هناك قصة مخبأة فى وعاء فخاري، مختومة بالشمع، مدفون في قلب قصر مهدم وسط أنقاض إمبراطورية، تنتظر أن تروى".

 القصة إذاً، هندية بامتياز، قلباً وقالباً، وكأن عودة رشدي إلى الهند تستلزم العودة إلى الأسطورة لينهل من عوالمها السحرية، ما يجعل القارىء يمتثل لحقيقة أن بوسع بامبا تشييد مدينة بأكملها من حفنة بذور تذروها على أرض الهند الشديدة الخصوبة، فإذا بـ"مدينة النصر" ترتفع أسوارها ومبانيها وحدائقها وناسها وحيواناتها أمام أعيننا القارئة. بيد أن المهمة الموكلة إلى الطفلة لا تقتصر على استنبات مدينة من حفنة بذور سماوية، بل إن المدينة لا تعدو أن تكون وسيلة لتحقيق حلم المرأة المتعذر تحقيقه، بمنحها حقوقاً متساوية في عالم أبوي، بعد أن تعهدت بامبا كامبانا بضمان عدم معاناة مزيد من النساء من مصير والدتها الحبيبة غير المعقول، ويصبح بمقدورها عبر كلمات تخرج من بين شفتيها، إلهام شعبها بالتطور والتغيير والرخاء.

تمر السنين على المدينة، يأتي الحكام ويذهبون، تدور المعارك على أرضها المباركة، تنتصر تارة وتنهزم أخرى. تتداول الأيام بين الناس، تتغير الولاءات، وتصبح حياة بامبا كامبانا متشابكة بعمق مع حياة المدينة التي استنبتتها وكأنها مربوطة بحبلها السري. تصعد إلى إمبراطورية عالمية فتصعد بامبا معها، وتضمحل إلى أن تتلاشى بدمارها المأساوي، الناجم في المقام الأول عن غطرسة السلطة.

يقول ميشال شافيت، مدير النشر في جوناثان كيب إن "رواية ’مدينة النصر‘ حكاية لعصرنا. صيغت ببراعة على غرار ملحمة قديمة عن الحب والمغامرة والأسطورة، وهي في حد ذاتها شهادة على قوة سرد القصص. إنها رواية بديعة غنائية وجذابة عن السلطة وغطرسة الحكام".

قصص تدوم إلى الأبد

بينما تقاتل البطلة بمنتهى الشراسة لتحقيق العدل المفتقد على الأرض، وإرساء حياة كريمة تستعصي على الوجود من دون إنصاف المرأة، تراقب كيف يتغير العالم ويتلاشى جسدها جنباً إلى جنب مع مجد مدينتها. ولكن بعد خمسة قرون، تكتشف كتاباتها مدفونة في أعماق قلب قصر متهدم برسالتها الخالدة: "قوتنا عابرة لكن قصصنا تدوم إلى الأبد. وهو ما يقودنا إلى حقيقة لا مهرب منها". وهي الحال نفسها في حرب الرجل المفتعلة مع نصفه الآخر، فهو بلا شك الخاسر، والأنكى، أنه لم تكن لديه يوماً فرصة للانتصار. فالمدينة التي سولت له نفسه أن يهيمن عليها، تتلاشى بمجرد غياب المرأة ويتقوض عرشه تدريجاً. 

وفقاً للناشر، تمثل الرواية عودة رشدي إلى الواقعية السحرية. ووفقاً لرشدي نفسه، فهي بمثابة عودة إلى بلده الهند بعد تغريب طويل بعيداً من جذوره. ولكن ما الذي تمثله تلك الأحداث لحكومة الهند بعينها بكل ما تحمله من رموز لفسادها السياسي؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد طعن رشدي على خشبة المسرح في مؤسسة تشوتوكوا حيث كان مقرراً أن يلقي محاضرة على جمع من الفنانين والكتاب حوالى الساعة 10:45 صباحاً، اتضح أن تلك القصة تنطوي على رسالة أخرى، لا تختلف كثيراً عن رسالة بافارتي إلى العالم عن الحرية والحق في الحياة، لكنها هذه المرة موجهة إلى رئيسة الهند الجديدة دروبادي مورمو. إنها الرسالة التي وقع عليها رشدي بالفعل ضمن مئة وتوقيعين (102) لكتاب ومفكرين من الهند منهم أياد أختار وكيران ديساي ومن العالم مثل جي إم كوتزي وأليف شفق وكولم تويبين وآن تايلر، وعبروا فيها عن "بواعث قلق شديدة بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان" في الهند.

تقول الرسالة: "نكتب للتعبير عن قلقنا البالغ بشأن التهديدات الكثيرة لحرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية التي تتراكم بشكل مطرد في الأعوام الأخيرة، منذ وصول الحكومة التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة. إننا نحثك على دعم المثل الديمقراطية التي تعزز وتحمي حرية التعبير بروح استقلال الهند، واستعادة سمعتها كدولة ديمقراطية شاملة وعلمانية ومتعددة الأعراق والديانات حيث يمكن للكتاب التعبير عن آراء معارضة أو انتقادية من دون تهديد بالاحتجاز أو التحقيق أو الاعتداءات الجسدية أو الانتقام".

إضافة إلى توقيع الرسالة، أسهم رشدي أيضاً في الذكرى الـ75 لاستقلال الهند مع مجموعة كتاب من الهند والشتات الهندي. طلبت المجموعة من الكتاب التعبير عما شعروا به، رداً على "تسارع التهديدات ضد حرية التعبير والحرية الأكاديمية والحقوق الرقمية، وزيادة التصيد والمضايقات عبر الإنترنت منذ الانتخابات الهندية 2014. فكتبوا تصورات عما كانت عليه الهند وما يجب أن تكون عليه، وكيف أصبحت الآن".

تقول "رابطة القلم الأميركي" (بن كلوب) إن رشدي كتب مساهمته قبل الهجوم عليه. وفيها يتأمل التاريخ الجماعي لـ"هندوستان هامارا"، أي "الهند الخاصة بنا"، قائلاً: "في العصر الأول لهندوستان هامارا، الهند التي تخصنا، احتفلنا بأعيادنا، واعتقدنا، أو كدنا نعتقد، أن كل التنوع في الأرض يخصنا جميعاً. الآن مات حلم المشاركة والحرية هذا، أو اقترب من الموت... لم تعد هندوستان هامارا بعد الآن. يمكننا القول إن خاتم السلطة صنع في حريق جبل دوم الهندي، فهل يمكن تكوين جماعة جديدة للوقوف ضده؟".

تأتي رواية "مدينة النصر" الـ15 لسلمان رشدي، فهل ستحمل الخطر الذي سبق أن جربه لأعوام طويلة مع روايته "آيات شيطانية" التي أجبرته على الاختباء حتى تحت الأرض؟ هل سيكون عليه الاختباء مرة أخرى في سنه وحاله الصحية بعد حادثة الطعن، أم أن الحلم الطوباوي بهند جديدة حان أوان هبوطه من سماء الأسطورة إلى أرض الواقع؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة